سليمان واسطي - ناشيونال بوليسي دايجست-
تمثل هجمات الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز، على منشآت النفط السعودية في 14 سبتمبر/أيلول، نقطة تحول في الأعمال العدائية بين المملكة العربية السعودية وأعدائها القريبين. وأعلن المتمردون الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، لكن الحكومة الأمريكية والقوى الأوروبية والسعوديون يلقون باللوم على إيران. وتجري التحقيقات في الوقت الذي يشير فيه العديد من الخبراء إلى أن الهجمات قد تكون انطلقت من العراق أو إيران أو اليمن، أو حتى من داخل المملكة.
وعلى خلفية جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سبتمبر/أيلول، التي لم تؤد إلى أي تخفيف للاحتكاك في العلاقات الأمريكية الإيرانية، تبقى خطورة تصاعد التوتر ليتحول إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق حقيقة واقعة.
التأثير على سوق النفط
وحتى الآن، كانت التداعيات شديدة على سوق النفط، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى حصول هجمات "أرامكو" على مستويات عالية من الاهتمام الدولي. وقد أثار الهجوم على مصافي النفط وما تلاه من إغلاق بسبب الحرائق المستعرة أكبر قفزة في أسعار النفط في ما يقرب من 30 عاما. وقد تستغرق العودة الكاملة إلى إنتاج النفط الطبيعي في المملكة عدة أشهر.
وقال وزير الطاقة الإماراتي، ومصادر أخرى، إن "أوبك" تقوم حاليا بتقييم التأثير، لكن قد يكون من السابق لأوانه أو غير مؤكد، أن يتخذ أعضائها أي إجراء بشأن زيادة الإنتاج أو عقد اجتماع. ولا شك أن هجمات "أرامكو" تدعو إلى التشكيك في قدرة المملكة العربية السعودية على الاستمرار في قيادة المنظمة والحفاظ عليها في المستقبل.
وقد تأثرت الأسواق العالمية، سواء في البلدان المتقدمة أو البلدان النامية، بالهجمات.
ردود الفعل الدولية
وكانت إدانة الدول الغربية بقيادة واشنطن سريعة بإلقاء اللوم على إيران. ورد الرئيس الأمريكي بتهديداتٍ علنية برد عسكري انتقامي. وتعتمد حجة التحالف الذي تقوده السعودية والرئيس الأمريكي ووزير خارجيته على افتراض أن الهجمات تم تنفيذها بأسلحة إيرانية، لكنها لا تلوم جماعة معينة أو فصيل ما في اليمن أو العراق.
وأدانت دولة قطر المجاورة، التي تخضع للحصار السعودي-الإماراتي منذ 5 يونيو/حزيران 2017، هجمات أرامكو مباشرة، وشدد خطاب الأمير "تميم" في الجمعية العامة للأمم المتحدة على أن أمن الخليج والعالم بأسره مترابطان للغاية، وأنه يجب على جميع دول المنطقة العمل معا من أجل تحقيق الاستقرار والسلام.
وفي مكان آخر من الشرق الأوسط، بد أن (إسرائيل) مستعدة لأي مواجهة أمريكية-إيرانية ردا على الضربة التي طالت مرافق النفط السعودية. وقالت روسيا إنه من غير المقبول مناقشة أي رد عسكري محتمل ضد إيران، وأن استخدام هجمات أرامكو كمبرر لزيادة التوترات في المنطقة سيكون له نتائج عكسية.
النتائج الممكنة
ومما لا يثير الدهشة، أن هجمات أرامكو، التي أعقبت الإطاحة المفاجئة بـ"جون بولتون"، أظهرت مدى السرعة التي قد يُفسد بها العنف في الشرق الأوسط الفرص المتوقعة للانفتاح الدبلوماسي، الذي كان بعض المحللين متفائلين بحدوثه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ضوء مغادرة أكثر الصقور تشددا ضد إيران إدارة الرئيس "دونالد ترامب".
ومع ذلك، فقد تم عقد جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة دون أي لحظة بارزة من الدبلوماسية الأمريكية الإيرانية. على العكس من ذلك، أوضحت الجلسة مدى تدهور العلاقات الأمريكية الإيرانية. وفي خطاب "ترامب"، قال إن الحكومة في طهران واحدة من أخطر التهديدات اليوم للدول في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، استغل نظيره الإيراني "حسن روحاني"، هذه المناسبة ليخبر الرياض أن المفتاح لتأمين المملكة هو وقف قصف اليمن، بدلا من الاعتماد على نشر أمريكا لجنود إضافيين. كما تعهد "روحاني" بأن تواصل طهران مقاومة الخطط الأمريكية لمواصلة العقوبات المالية على إيران.
وكان الموقف الواضح للرئيس الإيراني هو أنه إذا كانت الولايات المتحدة قد وفت بالتزامات واشنطن بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، لكانت إيران منفتحة على التفاوض على اتفاق أكثر إرضاءً للطرفين ومن ثم تسميته باسم مختلف.
وبغض النظر عن أي دليل قاطع على مصدر الهجمات، فإن الضعف السعودي الواضح له الآن آثار مهمة على مسار العلاقات في المنطقة. وفي بعض الأحيان في النزاعات التي تم حلها، أدى كشف نقاط الضعف على الأرض إلى العودة إلى طاولة المفاوضات مع الأطراف التي تملك حسن نية تجاه التفاوض.
وإذا أسفرت هجمات "أرامكو" عن دخول المملكة وخصومها الإقليميين في محادثات دبلوماسية، والتي قد تؤدي في النهاية إلى تخفيف التوترات، فإن ذلك سيكون بمثابة "منحة" تأتي مع محنة غارات الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز التي لم يسبق لها مثيل ضد منشآت النفط السعودية.