علاقات » اميركي

ترامب مخطئ في إرسال قوات أمريكية إضافية إلى السعودية

في 2019/10/21

بول بيلار - ناشيونال إنترست-

على الرغم من أن الرئيس "دونالد ترامب" يقاوم بحكمة بدء حرب جديدة في الشرق الأوسط، إلا أن الطبيعة القاتمة لحملة "أقصى ضغط" الفاشلة ضد إيران قد أجبرته على القيام بشيء، خاصة بعد هجمات الشهر الماضي على منشآت النفط السعودية. وقد زاد سيل الانتقادات التي تلقاها بعد انسحاب القوات الأمريكية في سوريا، مع الكثير من الانتقادات التي نظرت إلى إيران كأحد "الفائزين" من هذا الإجراء، من الضغط على "ترامب" لممارسة المزيد من الضغط على إيران. وردا على ذلك، قامت الإدارة بعمل شيئين.

الأول كان اللجوء مرة أخرى إلى العقوبات. لكنه بئر في طريقه للنضوب، حيث فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات تقريبا على كل شيء يمكن أن يخضع للعقوبة في الاقتصاد الإيراني. وكان التأثير العملي الوحيد لتحرك الإدارة الأخير على هذه الجبهة، والذي تضمن حظرا للتعامل مع البنك المركزي الإيراني، هو إزالة القناة المالية الوحيدة المتبقية لدفع ثمن واردات المواد الغذائية والأدوية والأجهزة الطبية في البلاد، وبالتالي مناقضة تأكيدات الإدارة في الماضي بشأن السماح بدخول السلع الإنسانية إلى إيران. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة "ماريلاند" مؤخرا أن معظم الإيرانيين لا يصدقون هذه التأكيدات.

ويقول أحد التفسيرات المحتملة لهذه الخطوة الأخيرة من العقوبات إن ضمانات الإدارة لم تكن كاذبة فحسب، بل كانت ضارة بشكل خاص، بعد أن جعلت الشعب الإيراني يدرك أن جعله يعاني بكل طريقة ممكنة كان دائما محور الاستراتيجية. وستؤدي المعاناة المدنية، في ظل هذا السيناريو المنتظر، إما إلى انتفاضة شعبية وتغيير النظام، أو إلى انتقاد النظام الإيراني بطريقة من شأنها أن تمنح الصقور الأمريكيين الحرب التي كانوا يريدونها دائما.

وفي تفسير محتمل آخر، يُقال إن المدنيين الذين يعانون من أشياء مثل نقص الأدوية لا يشكلون جزءا من الاستراتيجية، بل بالأحرى أضرارا جانبية، حيث أصبحت الإدارة مركّزة جدا على حملة الضغط باعتبارها غاية في حد ذاتها، بحيث أصبح كل شيء آخر أقل من حيث الأولوية.

أما الشيء الآخر الذي قامت به إدارة "ترامب"، في محاولة لتبدو صارمة، هو إرسال 1800 جندي إضافي إلى المملكة العربية السعودية. وتعزز هذه الخطوة نشر نحو 500 من الأفراد العسكريين الأمريكيين هذا الصيف في قاعدة الأمير سلطان الجوية السعودية، التي كانت أول عملية نشر من نوعها في المملكة منذ تحركات القوات المرتبطة بالغزو الأمريكي للعراق. وكان البنتاغون قد أعلن، بعد فترة وجيزة من الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، الانتشار الوشيك بعبارات عامة، وأضاف الأسبوع الماضي تفاصيل عن القوات التي سيتم نشرها. وعندما سأل أحد المراسلين "ترامب" يوم الجمعة الماضي كيف يمكنه التوفيق بين هذا النشر وتصريحاته بأنه من الخطأ أن تبقى القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، كان رد الرئيس أن المملكة "حليف جيد للغاية"، وأنها "وافقت على الدفع لنا مقابل كل ما نفعله".

وصرح وزير الدفاع "مارك إسبير"، في إعلانه الأصلي للنشر، بـ3 أسباب للإجراء. الأول هو "إرسال رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة تدعم شركائنا في المنطقة". ويثير هذا تساؤلات حول ما إذا كانت الرسالة التي يتم إرسالها هي الأنسب لإرسالها الآن. فهل تخشى الإدارة أن ترى السعودية ضرورة لتهدئة المواجهة العسكرية في الخليج العربي بدلا من زيادة تسخينها؟ وكان ذلك ليكون بناءً للغاية من جانب السعوديين، على الرغم من أنه سيحبط خطط الصقور في الإدارة الأمريكية. وينبغي على الولايات المتحدة إعطاء عدد أقل من الضوء الأخضر والتطمينات الفارغة للسعوديين، والتأثير بدلا من ذلك على الرياض في اتجاه حل النزاع. ويشمل ذلك الاستجابة الإيجابية لعرض الحوثيين اليمنيين بالتسوية التوفيقية للحرب في اليمن.

والسبب الثاني المعلن من وزير الدفاع لنشر القوات أن الإجراء جاء "لضمان التدفق الحر للموارد الضرورية لدعم الاقتصاد العالمي". ويعد هذا الأساس المنطقي المعلن غريبا، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة، وليس إيران، هي التي بدأت هجوما على تدفق الموارد البترولية، باستخدام جميع الأدوات السياسية والاقتصادية المتاحة للضغط لمحاولة خفض الصادرات الإيرانية إلى الصفر، وبالتالي منع ما كان يمكن اعتباره "دعما للاقتصاد العالمي".

وكان السبب الثالث على لسان "إسبير" هو "إظهار التزامنا بالتمسك بالنظام الدولي القائم على القواعد، الذي كنا ندعو إيران منذ وقت طويل إلى الالتزام به". وهذا السبب غير عقلاني أيضا، نظرا لأن الولايات المتحدة، وليس إيران، هي التي انتهكت بشكل صارخ الاتفاق النووي متعدد الأطراف، أو ما يسمى بخطة العمل الشاملة المشتركة، وتجاهلت القرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي كان بمثابة تبني واعتماد من المجتمع الدولي الرسمي لذلك الاتفاق.

وعلى المرء أن يعجب بقدرة الوزير على الحفاظ على نظرة وجهه المستقيمة عند نطقه أمور مثل أن "الولايات المتحدة ودول أخرى قد أبدت ضبطا شديدا للنفس على أمل أن تختار القيادة الإيرانية السلام"، فيما تحاول الإدارة التي يخدم بها تدمير الاقتصاد الإيراني رغم الامتثال الإيراني الكامل للاتفاق النووي.

ومن غير الواضح كم سيحدثه هذا النشر من الفرق العسكري العملي. ومن المحتمل أن تكون الوظيفة الرئيسية للقوات الأمريكية هناك بمثابة صناعة مبرر للحرب، حيث تضمن الخسارة المبكرة للأرواح الأمريكية في قتال يؤثر على الأراضي السعودية تورط الولايات المتحدة في الحرب التي قد تتلو ذلك. ومن العار أن تكون هذه هي  وظيفة القوات. ويعني هذا يترك مساحة محدودة للولايات المتحدة للتصرف، ويشرك الولايات المتحدة تلقائيا في حرب طرف آخر. وتخبرنا هذه الوظيفة أيضا عن صانعي السياسة الذين قد يضعون مواطنيهم في مكان قد يموتون فيه نيابة عن الجانب السعودي في هذا النزاع الإقليمي.

هذا دون الحديث الطرق الأخرى المحتملة التي قد تتسبب بها تلك القوات في وقوع خسائر، حيث تبقى أهدافا للهجمات الإرهابية. وهذا الخطر جزء من قصة أكبر بكثير عن كيف كان الاحتلال العسكري الأجنبي، في نظر السكان المحليين، الدافع الرئيسي للإرهابيين الدوليين. وتحتل منطقة شرق المملكة مكانة بارزة في هذه القصة. وعلى الرغم من الشعار المتكرر حول إيران باعتبارها "الدولة الأولى الراعية للإرهاب"، إلا أن على المرء أن يعود لأكثر من عقدين لإيجاد ما يفي بتعريف وزارة الخارجية للإرهاب، الذي أدى إلى سفك دماء مواطني وجنود الولايات المتحدة، وأن إيران كانت المتهم الأول في تفجير الثكنات العسكرية في أبراج الخبر في السعودية عام 1996. وكان ذلك بمثابة رد مباشر على نشر الولايات المتحدة لجيشها على الأرض في جوارها.

وقد لا يكون الخطر الأكبر على القوات في السعودية من نفس نوع الرجال الشيعة الذين نفذوا عملية أبراج الخبر، ولكن من المتطرفين السنة الذين هم الجزء الأكبر من معاداة الولايات المتحدة والإرهاب الدولي في العقود الأخيرة. وهنا مرة أخرى، يحتل شرق السعودية مكانة بارزة. وكان التعزيز العسكري الأمريكي هناك بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 هو الذي قام، أكثر من أي شيء آخر، بإثارة تطرف "أسامة بن لادن"، وإطلاقه حملته الإرهابية لمهاجمة "العدو البعيد"، أي الولايات المتحدة.

وأوضحت هذه الحلقات جوانب عكسية للانتشار العسكري للولايات المتحدة فيما يتعلق بالإرهاب، والتي عادة ما تفوقت على الجوانب الإيجابية، سواء كانت ذلك النشر يتم باسم "الحرب على الإرهاب" أو لسبب معلن آخر. وقد تكون أحدث عمليات النشر هذه في خطر أن تنضم كفصل إضافي لنفس القصة التعيسة.