علاقات » اميركي

تنافس أمريكي فرنسي في الخليج.. ما موقف السعودية والإمارات؟

في 2019/11/25

الخليج أونلاين-

شهدت منطقة الخليج مؤخراً أحداثاً متسارعة عززت المخاوف من احتمال تحول التوترات القائمة بين واشنطن وطهران إلى حرب شاملة بينهما، حيث تجلت تلك التوترات منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الموقع مع طهران، في العام الماضي.

وبلغ تأزم الأوضاع أشده بعد تعرض ناقلات نفط لعمليات تخريب في مياه الخليج، وإسقاط طهران طائرة درون أمريكية، مروراً باحتجازها ناقلة بريطانية في مضيق هرمز، في تهديد واضح لسلامة الملاحة البحرية، ووصولاً إلى استهداف منشآت نفطية سعودية، ثم سفينة بحرية إيرانية في البحر الأحمر، وهو ما أثار تحذيرات دولية قوية.

ورغم هدوء الأجواء المشحونة التي رافقت تلك الأحداث منذ منتصف العام الجاري، فإن الاستقطابات والتحركات العسكرية تزايدت مؤخراً، مع تنافس عسكري بين فرنسا وأمريكا لنشر قوات لهما في منطقة الخليج، وسط تحذيرات من هجوم "إيراني" جديد.

تحذيرات أمريكية

في منتصف نوفمبر الجاري حذر قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، من هجوم إيراني جديد في الشرق الأوسط، على غرار الهجوم الذي استهدف شركة أرامكو السعودية في منتصف سبتمبر الماضي.

وقال ماكنزي، في مقابلة أجريت معه، إن نشر البنتاغون تعزيزات عسكرية إضافية في الخليج ربما ردع إيران عن مهاجمة أهداف أمريكية، لكن الضربات ضد دول الخليج "مسألة أخرى"، في إشارة إلى إمكانية حصول هجوم جديد.

وقال الجنرال ماكنزي: "رأيي هو أن من المحتمل جداً أن يهاجموا (الإيرانيين) مرة أخرى"، وفقاً لـ"قناة الحرة" الأمريكية.

ولم يقدم ماكنزي أدلة محددة على أن إيران تخطط لشن هجوم وشيك على أهداف خليجية مهمة، مستشهداً فقط بقدرة الوكالات العسكرية والتجسسية الأمريكية على اكتشاف أنماط الأنشطة الإيرانية المقلقة ولكن غير المحددة.

تنافس فرنسي أمريكي

ولعل الخلافات مع إيران أظهرت تنافساً أمريكياً فرنسياً للانتشار في منطقة الخليج، ابتداءً من تعزيز أنظمة الرادار في السعودية في أعقاب الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ كروز على البنية التحتية النفطية للمملكة في سبتمبر الماضي، وصولاً إلى تشكيل تحالفَين يحملان نفس الهدف.

وقال الجنرال كينث ماكنزي إن بلاده تعمل مع السعودية "لزيادة ترابط أنظمتهم، هذا سيجعلهم قادرين بشكل أفضل على الدفاع في مواجهة مثل هذه التهديدات".

وأضاف أن زيادة الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة الأمير سلطان الجوية جنوبي الرياض، إضافة إلى وجود قواعد كبرى في قطر والبحرين، "سيزيد من تعقيد قدرة الخصم على استهدافك".

من جانبها قالت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، إن بلادها ترسل بشكل منفصل للرياض "مجموعة قوية من (وسائل) الإنذار المبكر"، من بينها أنظمة رادار؛ للتصدي للهجمات بوسائل تطير على ارتفاع منخفض.

وأضافت، في قمة المنامة الخامسة عشرة للأمن الإقليمي في العاصمة البحرين (25 نوفمبر)، أن هذه الوسائل "ستكون في السعودية في الأيام القادمة حتى يمكن تشغيلها بشكل سريع جداً جداً، لكن يتعين إجراء تحليل كي نحدد بشكل أفضل كيفية سد هذه الفجوة".

التحالف العسكري بقيادة أمريكا

وجاء هذا الإعلان بعد أيام من إعلان رسمي بتدشين أعمال التحالف العسكري البحري بقيادة الولايات المتحدة في 7 نوفمبر الجاري.

وبعد ترقّب دام أشهراً منذ الإعلان عن الفكرة في يونيو، وُلد "التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية" بعضوية ست دول إلى جانب الولايات المتحدة، هي السعودية والإمارات والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألبانيا.

وقال قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، جيم مالوي، إنّ الهدف هو "العمل معاً للخروج برد بحري دولي مشترك" على الهجمات ضد السفن.

وأوضح: "هدفنا دفاعي بحت (..) والتركيبة العملياتية تقوم على مبدأ التعامل مع التهديدات وليس التهديد"، مشيراً إلى أنه سيجري استخدام سفن ضمن دوريات في مياه البحر.

وتابع: "ليس هناك من مخطط هجومي لجهودنا، باستثناء الالتزام بدفاع بعضنا عن بعض في حال تعرّضنا لهجمات".

ومن المقرّر أن تشمل منطقة المهمة البحرية التي أطلق عليها اسم "سنتينال"، مياه الخليج، مروراً بمضيق هرمز نحو بحر عمان ووصولاً إلى باب المندب في البحر الأحمر.

وسعت واشنطن بقوة لتشكيل هذا التحالف لمواكبة السفن التجارية في الخليج، لكنّها لم تتمكن من جذب الكثير من الدول، لا سيّما أنّ الكثير من حلفائها يتوجّسون من جرّهم إلى نزاع مفتوح في المنطقة التي يعبر منها ثلث النفط العالمي المنقول بحراً.

مقر لتحالف عسكري أوروبي في أبوظبي

في 24 نوفمبر الجاري، أعلنت بارلي من أبوظبي أن العاصمة الإماراتية ستكون مقراً لقيادة تحالف أوروبي بحري لمراقبة التحركات في مياه منطقة الخليج، يعمل بالتنسيق مع التحالف الآخر الذي تقوده الولايات المتحدة.

وقالت الوزيرة الفرنسية خلال زيارة إلى قاعدة "السلام" البحرية الفرنسية في أبوظبي بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيسها: "حصلنا صباح اليوم رسمياً على موافقة لإقامة مقر قيادة مهمة المراقبة التي بادر إليها الأوروبيون ويجري بناؤها حالياً على الأرض الإماراتية".

وأوضحت الوزيرة أنّ هذه المهمة القائمة على مراقبة التحركات ستشمل بين 10 و15 شخصاً، وهدفها "أن نساهم نحن أيضاً في ضمان أمن الملاحة البحرية في الخليج إلى أقصى حد ممكن".

وشدّدت على أن المهمة الأوروبية "ليست منفصلة أبداً عن عمل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة"، موضحة: "سنقوم بالتنسيق مع الأمريكيين".

التناقض الإماراتي

ومع التنافس الشديد بين أمريكا من جهة وفرنسا من جهة أخرى، في مياه الخليج، ظهر إلى السطح التناقض الإماراتي من هذه الأزمة، فأبوظبي التي انضمت لتحالف أمريكا البحري تستضيف أيضاً التحالف الأوروبي بقيادة باريس.

وإلى جانب ذلك فإن أبوظبي على وفاق تام مع الطرف الذي يتهمه الحليفان بارتكابه عمليات "إرهابية" في الخليج، حيث سبق أن عقدت الإمارات لقاءات مكثفة مع الجانب الإيراني، ووقعت اتفاقيات معه.

وقال وزير الخارجية أنور قرقاش، في 10 نوفمبر الجاري: إن "دول الخليج يجب أن تكون طرفاً في طاولة المفاوضات مع إيران، ولا بد من تواجد الرؤى المشتركة، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي؛ لمواجهة الهجمات غير المقبولة التي تؤدي إلى تقويض حل السلام".

وأضاف: "التصعيد مع إيران لا يصب في مصلحة أي طرف، ولذلك نأمل من خلال الجهود أن نوجد انفتاحاً لوضع عملية سياسية ذات مغزى، تعمل على معالجة القضايا الأمنية في المنطقة".

وفي 10 نوفمبر 2019، وصفت إيران علاقاتها بدولة الإمارات بـ"الجيدة جداً"، وذلك في ظل تقارب أبوظبي السياسي والتجاري مع طهران، ومطالبتها بضرورة اللجوء للحلول الدبلوماسية وعدم التصعيد.

كما وقَّعت إيران والإمارات، في بداية أغسطس 2019، مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجال أمن الحدود البحرية، في خطوةٍ وصفها مراقبون بـ"طعنة في ظهر السعودية"، وسبق ذلك انسحاب الإمارات من اليمن بشكل مفاجئ، رغم أنها القطب الثاني في التحالف الذي شكلته السعودية لإعادة الشرعية إلى البلاد (مارس 2015). 

الموقف السعودي

ووسط تحشيد عسكري أمريكي في السعودية، بدا الموقف السعودي من التصعيد ينحو نحو التراجع، في وقت تتحدث أنباء عن وساطات لعدة دول لحل الخلافات مع إيران تفاعلت معها المملكة.

وأكد الملك سلمان بن عبد العزيز، في كلمة له في 20 نوفمبر الجاري، أن بلاده "تأمل أن يختار النظام الإيراني جانب الحكمة، وأن يدرك أنه لا سبيل له لتجاوز الموقف الدولي الرافض لممارساته إلا بترك فكره التوسعي والتخريبي الذي ألحق الضرر بشعبه قبل غيره من الشعوب".

ما سر تراجع الإمارات والسعودية؟

ويقول المحلل السياسي اللبناني محمود علوش لـ"الخليج أونلاين"، إن الإمارات بتصالحها مع إيران تعمل على "الابتعاد عن لهيب التوتر في الخليج".

وأشار إلى أن الحد الأقصى الذي يُمكن أن تصل إليه العلاقات الإماراتية الإيرانية هو "الاتفاق على تحييد الإمارات عن لهيب التوتر في الخليج مقابل ابتعاد أبوظبي أكثر عن السعودية في حرب اليمن، وهذا يُشكل مكسباً للجانبين بطبيعة الحال".

وأضاف: "التردد الأمريكي في مواجهة طهران شكّل حافزاً للإماراتيين لاتخاذ بعض الخطوات الفردية لتخفيف التوتر مع الإيرانيين، وهذه الخطوات تحظى بتأييد أمريكي؛ على اعتبار أنها تُساعد ترامب في عدم تصعيد التوتر".

وتابع: "السعودية أيضاً لم تعد متحمّسة للمضي في هذه المواجهة مع إيران؛ بسبب ضبابية الموقف الأمريكي، فضلاً عن أن السعودية تُركز الآن على إنجاح فرص التسوية مع الحوثيين، والدور الإماراتي حالياً يخدم توجهات الأمير محمد بن سلمان، الذي يبحث عن إنهاء الحرب باليمن".

كيف ردت إيران؟

في 9 نوفمبر، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بياناً قالت فيه: إن "التحالفات الأمريكية بقيت كأسماء لا أكثر على مدى التاريخ، ولم تجلب الأمن بل أدت إلى زعزعة أمن واستقرار العالم"، وفقاً لوكالة "إسنا" الإيرانية.

وأضافت أن "أمريكا تستغل أسماء بعض الدول لإضفاء الشرعية على التحالف البحري"، لافتة إلى أن "أمريكا تخفي مطامع وأهدافاً خلف عدد قليل من الدول المشاركة في التحالف، وهذا ينم عن ضعفه وافتقاره إلى الشرعية الدولية".

ودعت الخارجية الإيرانية "دول المنطقة إلى الاعتماد على قدراتها وإمكانات دول الجوار لتحقيق الأمن المستدام والشامل في المنطقة".

وأكدت أن "إيران كدولة تمتلك أطول ساحل على مياه الخليج، وستواصل بكل قوتها الحفاظ على المصالح الاقتصادية والأمنية في مياه الخليج، بما في ذلك أمن وسلامة الملاحة البحرية".