الخليج الجديد-
بالتزامن مع انشغال الرأي العام الأمريكي بمحاكمة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في مجلس الشيوخ بتهمتي "إساءة سلطته" و"عرقلة عمل الكونجرس"، ثمة ما يبدو أنها فضيحة جديدة ترتسم معالمها الآن في واشنطن حول صديقه المقرب وحليفه في الشرق الأوسط، ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان".
ويواجه "بن سلمان" اتهامات بالتورط في اختراق هاتف "جيف بيزوس" الملياردير الأمريكي مؤسس شركة "أمازون" ومالك صحيفة "واشنطن بوست"، والتي شنت حملة هجوم موسعة على الأمير السعودي على خلفية قضية مقتل "جمال خاشجقي"، والذي كان يعمل كاتب عمود لديها؛ على يد مسؤولين سعوديين داخل قنصلية بلاده في إسطنبول قبل عامين.
تدقيق جديد في واشنطن
هناك عدة عوامل تجعل اختراق هاتف "بيزوس" قضية مثيرة للاهتمام، وربما تسبب متاعب إضافية للمملكة حال ثبوت تورطها. ويأتي في مقدمة تلك العوامل أن مالك "أمازون" و"واشنطن بوست" هو مواطن أمريكي له موقع سياسي ومالي مهم تعرض للاختراق من دولة خارجية؛ بغرض الابتزاز، عبر برمجيات خبيثة تدرك أجهزة الاستخبارات خطورتها جيدا.
ويضاف إلى ذلك الدعوات التي وجهتها المقررة الأممية "أجنيس كالامارد" للسلطات الأمريكية وأعضاء مجلس الشيوخ لإجراء تحقيق رسمي في القضية، فضلا عن أخذ مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف.بي.آي" القضية على عاتقه، حيث بدأ بالفعل بالتحقيق فيها وحصول على معلومات من هاتف مؤسس "أمازون".
كما، طلب السيناتور الديمقراطي "رون وايدن" من "بيزوس" عبر رسالة مكتوبة تقديم توضيحات حيال اختراق هاتفه كي يفهم الكونجرس ما جرى، وللمساعدة في حماية الأمريكيين من هجمات مماثلة، معتبرا أن عملية الاختراق تبدو جزءا من ظاهرة متنامية.
وأضاف "وايدن" أن السعودية اشترت برمجيات اختراق من عدد من شركات التجسس، بينها شركة "NSO" الإسرائيلية، وهي ذات البرمجيات التي استخدمتها في اختراق هاتف "خاشقجي".
وسبق أن قاد "وايدن" ضغوطا على مكتب التحقيقات الفدرالي للبدء في تحقيقات بشأن تورط السعودية في التستر وتهريب مواطنيها ممن ارتكبوا جرائم على الأراضي الأمريكية.
تعاون سعودي إسرائيلي
وأمس الأربعاء، رجح خبراء من الأمم المتحدة، تورط شركة البرمجيات الإسرائيلية (NSO) و"بن سلمان"، في مخطط لاختراق هاتف "بيزوس"، الذي كان في وقت سابق من الأصدقاء المقربين من ولي العهد.
وقالت "أجنيس كالامارد"، مقررة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في قضايا الاختفاء القسري، و"دافيد كاي" موفد المنظمة لشؤون حرية التعبير، إن "لديهما معلومات تشير إلى تورط محتمل لولي العهد السعودي وشركة التجسس الإسرائيلية في الهجوم المزعوم الذي وقع في 2018".
وأضاف المسؤولان الأمميان، أن "المعلومات التي جمعاها خلال الأشهر الأخيرة ترجح أن بيزوس وأشخاصا آخرين كانوا هدفا لحملة معقدة من القرصنة والتجسس دبرتها السعودية".
وفي وقت سابق العام الماضي، قال مسؤول أمني يعمل لدى "بيزوس"، إن الحكومة السعودية، تمكنت من الوصول إلى هاتف مؤسس "أمازون"، وسربت بيانات موجودة بالهاتف إلى مجلة "ناشونال إنكويرر"، اشتملت على رسائل غرامية متبادلة بين "بيزوس" وصديقته المذيعة التليفزيونية السابقة "لورين سانشيز".
وقبل شهر من ذلك، اتهم "بيزوس" مالك "إنكويرر" المتخصصة في نشر الفضائح، بابتزازه بالتهديد بنشر صور حميمة يزعم أن مؤسس "أمازون" أرسلها إلى "سانشيز".
وفي عام 2018، رفع المعارض السعودي، "عمر عبدالعزيز"، المقيم في كندا دعوى ضد (NSO) اتهمها خلالها بمساعدة الحكومة السعودية في التنصت والتجسس عليه ومراقبة الرسائل التي تبادلها مع "خاشجقي" الذي قُتل قبل شهرين من رفع الدعوى داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وقال "عبدالعزيز" عبر صفحته على "تويتر": "دفعت السعودية أكثر من ٥٥ مليون دولار لشركة إسرائيلية للتجسس على وعلى ناشطين آخرين.. اليوم نقاضيها أمام المحاكم".
وحينها قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن هذه الدعوى تمثل خطوة إضافية لكشف دور شركة "إن أس أو" والحكومة الإسرائيلية التي منحت الشركة تراخيص لبيع برمجيات خبيثة تعرف باسم "بيجاسوس" إلى الحكومات الأجنبية.
تتبع مصدر الاختراق
وفي تقرير تناول تفاصيل جديدة عن واقعة اختراق هاتف "بيزوس"، كشفت "سي إن إن" الأمريكية أن "الأمر استغرق سنة لتتبع مصدر الاختراق".
ونقلت الشبكة الأمريكية عن مصدر مطلع قوله إن مُحققي الأمم المتحدة لم يتمكنوا من الوصول المباشر إلى هاتف "بيزوس"، لكنهم دققوا بشكل واسع النطاق الأبحاث التي أجراها خبراء مستقلون استأجرهم "بيزوس"، يتبعون شركة (FTI) العاملة في مجال الأمن السيبراني.
وأضاف المصدر أن استنتاجات الأمم المتحدة اعتمدت على فحص واسع النطاق لتحليل شركة (FTI).
وأوضح المصدر قائلا: "تم تقييم تقرير الشركة من قبل 4 خبراء مستقلين مختلفين حددوا ثغرات في عمل الشركة وأرسلوها إليها لطرح الأسئلة حولها، بعد ذلك تبادل الرسائل قبل التوصل إلى استنتاجات الأمم المتحدة".
وأضاف المصدر أن الشككوك أثيرت حول تورط "بن سلمان" عندما تلقى "بيزوس" في أواخر 2018 صورة لشخص يشبه عشيقته المزعومة من هاتف يعتقد أن ولي العهد السعودي استخدمه.
في حين كان النص المُرفق بالصورة: "الجدال مع امرأة يشبه قراءة سياسات استخدام البرامج، في النهاية عليك أن تتجاهل كل شيء والنقر بالموافقة".
وقال المصدر إن تحقيق الأمم المتحدة كشف أن ما يقارب "غيغا بايت" من البيانات تم نسخها من هاتف "بيزوس" في الأشهر التي أعقبت الملف الذي تم إرساله إليه من هاتف "بن سلمان".
وحول إذا كان شخص ما قد اخترق هاتف ولي العهد السعودي لإرسال الرسائل إلى هاتف "بيزوس"، قال المصدر لـ"سي إن إن": "كل شيء ممكن".
أزمة جديدة
ورغم أنه لم يتأكد بعد إذا كان "بن سلمان" بنفسه هو الضالع في قرصنة هاتف "بيزوس" وسرقة المعلومات التي تم استخدامها لاحقا لابتزازه، فإن المعلومات المتواترة التي جمعها مقررا الأمم المتحدة ترجح أن "بن سلمان" أو المحيطين به هم من امتلكوا الإمكانيات والدافع للقيام بذلك.
وتلحق هذه الادعاءات المزيد من الأضرار بالعلاقات بين قطب التكنولوجيا "جيف بيزوس" والرياض، وأيضا بسمعة المملكة في نظر القوى الأجنبية والمستثمرين.
وتضررت سمعة ولي العهد والمملكة بشدة، عقب جريمة مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، في عام 2018 رغم الإطاحة بمسؤولين بارزين مقربين من ولي العهد من صدارة المشهد السعودي، عقب الحادث، والإعلان مع محاكمتهم في محاكمات سرية، وصفها الكثيرون بالمسرحية.
نفي سعودي
ويبقى من اللافت أن النفي السعودي الرسمي لواقعة اختراق هاتف "بيزوس" جاء متناقضا، تماما كما كان النفي السعودي الأولى للتورط في مقتل "خاشقجي".
وفي البداية، نفت السفارة السعودية في واشنطن لكل ما ورد في الإعلام الأمريكي والبريطاني حول اختراق "هاتف بيزومس" واصفا التقارير بالسخيفة.
لكن بعد ساعات نقلت "رويترز" عن وزير الخارجية السعودي قوله إن حكومة بلاده ستحقق في صحة المزاعم بشأن اختراق هاتف مالك "واشنطن بوست".
بخلاف ذلك، أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية نقلا عن مصادر خاصة داخل السعودية أن مقربين من ولي العهد أكدوا حدوث عملية الاختراق بالفعل، ولكن لم تؤكد المصادر إذا ما كانت العملية تهدف إلى الابتزاز أم لا.
وبعد 18 يوما من الإنكار والتفسيرات المتضاربة، أعلنت الرياض مقتل "خاشقجي" داخل القنصلية، إثر "شجار" مع أشخاص سعوديين، وأوقفت 18 مواطنا ضمن التحقيقات، دون كشف المسؤولين عن الجريمة أو مكان الجثة.
نهاية الصداقة
وتعود العلاقة بين "بن سلمان" و"بيزوس" إلى أبريل/نيسان عام 2018 خلال آخر زيارة للأول للولايات المتحدة الأمريكية، وخلال الزيارة، تبادل الأمير السعودي مع مالك "أمازون" أرقام الهواتف، فيما بادر الأمير الشاب بالتواصل مع الأول في اليوم ذاته وفقا لتقارير أمريكية.
وبعد أقل من شهر على التعارف، أرسل "بن سلمان" إلى "بيزوس" مقطعا مصورا عبر تطبيق "واتساب"، احتوى على ملف الاختراق الذي تبين أن مصدره برمجية "بيجاسوس" الإسرائيلية للتجسس، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
وأرجعت الصحيفة سبب اختيار "بن سلمان" لهاتفه لتنفيذ عملية الاختراق هو أن "بيزوس" لن يشك فيه.
وأوضحت الصحيفة أن "بن سلمان" أرسل رسالة لـ"بيزوس" في أواخر 2018 أي بعد اغتيال "خاشقجي"، بالتزامن مع حملة "واشنطن بوست" ضده، قال لها فيها أنه على علم بتفاصيل حياته الشخصية.
أعقب ذلك قيام مجلة "ناشونال إنكويرر" الأمريكية في مطلع 2019 بنشر تفاصيل ورسائل نصية متعلقة بالحياة الشخصية لـ"بيزوس"، وكانت "إنكويرر " المعروفة بقربها من الرئيس "ترامب"، قد نشرت عددا خاصا عن المملكة يلمع صورة ولي العهد خلال جولته للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي مارس/آذار 2019 اتهم مستشار "بيزوس" الأمني الحكومة السعودية باختراق هاتف الملياردير الأمريكي وتعريضه للابتزاز، وبالتزامن مع ذلك، بعث ولي العهد السعودي رسالة عبر "واتساب" إلى مالك "واشنطن بوست" طلب منه فيها عدم تصديق ما يقال عن السعودية في إشارة إلى حملة التحريض ضده التي قيل إن الرياض تقف وراءها.