واشنطن بوست-
قالت الباحثة الأمريكية إيلين وولد، مؤلفة كتاب “سعودي إنك: بحث المملكة العربية السعودية عن الربح والقوة” إن الولايات المتحدة والسعودية ليستا دولتين حليفتين ولن تكونا أبدا.
وعلقت في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” قائلة إن صحيفة “نيويورك تايمز” سألت المرشحين الديمقراطيين للرئاسة الأمريكية سؤالا مفاده: هل لا تزال تعتبر السعودية حليفا بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والحرب في اليمن؟ مضيفة أن السؤال قام على افتراض خاطئ؛ لأن السعودية لم تكن من الناحية الفنية، أبدا بلدا حليفا للولايات المتحدة. فلم يوقع البلدان أبدا اتفاقية دفاع مشترك، ولم تتجاوز العلاقات بين البلدين حدود الشراكة الضيقة في موضوعات معينة.
ومع ذلك استمرت الأسطورة القائلة إن السعودية والولايات المتحدة حليفان بُنيت علاقتهما واستمرت بسبب قوتين دافعتين، وهم الأمريكيون الذين امتلكوا وأداروا شركة النفط في المملكة، والدولة السعودية نفسها.
ولا ريب فإن هذا يبالغ في أهمية التفاعل الأمريكي- السعودي الذي بدأ في لقاء قصير بين ملك السعودية والرئيس فرانكلين دي روزفلت لتعزيز مصالح البلدين. ولكن هذه الأسطورة تغطي على واقع الشراكة المترددة.
وتعتقد وود أن الاعتراف بهذه الحقيقة سيساعد صناع السياسة اليوم وغدا على إعادة تخيل المصالح والعلاقات الأمريكية في المنطقة. فقد أنشئت السعودية عام 1932 بعدما قضى الملك عبد العزيز 30 عاما وهو يقاتل ويفاوض ويتزوج من أجل بناء تحالفات لتوحيد الجزيرة العربية.
وجاء أول لقاء دائم من الولايات المتحدة بعد عام من إنشاء المملكة، عندما تفاوضت شركة “ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا” على عقد حصلت فيه على تنازلات للتنقيب عن النفط مع مستشاري الملك.
وفي ذلك الوقت لم يكن لدى الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية أو تمثيل في المملكة، والتي لم تكن بأهمية مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
وفي عام 1945 قرر روزفلت تغيير برنامجه بعد مؤتمر يالطا، للقاء الملك فاروق والإمبراطور الأثيوبي هيلا سيلاسي، وتمت إضافة الملك عبد العزيز للبرنامج حيث التقيا معا لخمس ساعات. ووصف البيت الأبيض اللقاء بأنه مثل بقية اللقاءات، وبناء على رغبة الرئيس القائمة على جمع قادة العالم معا قدر الإمكان.
وبعد تسعة أعوام كتب العقيد ويليام إي إيدي، ضابط المخابرات والدبلوماسي الذي كان مترجما في لقاء الملك والرئيس، كتيبا صغيرا بعنوان “أف دي أر يلتقي مع ابن سعود”. ورأى إيدي في ذلك اللقاء أهمية لأنه كان علامة مهمة في حياته. واعترف هو الآخر أن أهمية اللقاء بالنسبة لروزفلت كانت من أجل معرفة موقف الملك من الهجرة اليهودية إلى فلسطين في ظل الانتداب البريطاني.
ولكن هاري هوبكنز، وزير التجارة في إدارة روزفلت ومستشاره للشؤون الخارجية، لم ير في اللقاء مع عبد العزيز إلا جلسة روتينية ولم يترك تأثيره على السياسة الأمريكية، وبالتأكيد لم يكن بداية لتحالف.
وأكدت التحركات الأمريكية فيما بعد موقف هوبكنز. ففي الوقت الذي دخلت فيه السعودية الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء بعد أسبوعين، إلا أن المملكة لم تسهم أبدا في الجهود الحربية. وفي الحقيقة لم يأت القرار بطلب من روزفلت، بل بدافع المصلحة السعودية. فقد أدى الإعلان لمنح المملكة مقعدا في الأمم المتحدة. وفي آب/ أغسطس 1945، أرسل الملك عبد العزيز وزير خارجيته، ابنه البالغ من العمر 41 عاما، إلى الولايات المتحدة لبناء علاقات مع الرئيس هاري ترومان، وتم تجاهل الزيارة من الحكومة الأمريكية المشغولة في ذلك الوقت.
وأرسلت الولايات المتحدة في عام 1946 سفيرها إلى السعودية، ولكنه أُجبر مثل بقية المبعوثين الأجانب على الإقامة في جدة التي تبعد عن العاصمة الرياض 500 ميل. ففي ذلك الوقت كان السفراء الأجانب غير المسلمين يقيمون في المدينة الساحلية هذه فقط أو في مقر شركة أرامكو في الظهران. واستقبلت الظهران قاعدة جوية أمريكية ظلت مهملة لـ17 عاما، بدءا من عام 1946.
ورغم هذا الواقع، فقد تم التأكيد على أن لقاء عام 1945 كان قاعدة تحالف قريب بين البلدين، وبسبب شركة أرامكو التي كان يملكها الأمريكيون وتدير النفط في السعودية. وحتى اليوم لا تزال الشركة تواصل التأكيد في تاريخها على أهمية هذا اللقاء.
وتعتقد الكاتبة أن دوافع الشركة التي لا تحفل بالدقة التاريخية أو السياسة الخارجية، كانت تقوم إظهار علاقتها القريبة من السعوديين، كشركاء إن لم يكونوا حلفاء لتبرير إرسال آلاف الأمريكيين الذين يحتاج إليهم لضخ النفط من الصحراء. وعندما تدهورت العلاقات بين الشركة والعائلة الحاكمة السعودية في سنوات ما بعد الحرب، اعتمد مدراء الشركة على مساعدة دبلوماسيين أمريكيين للحفاظ على علاقتهم الجيدة مع الملك، ولإقناع الدبلوماسيين الأمريكيين بتقديم المساعدة لهم، في وقت لم تكن أمريكا فيه بحاجة للنفط السعودي، وكان هذا صحيحا خلال الستينات من القرن الماضي وربما بعده، كان على الشركة خلق مفهوم عن العلاقة القريبة بين البلدين.
ومع مرور الوقت انضمت الحكومة السعودية إلى أرامكو للترويج لهذه الأسطورة. ولا تزال صور لقاء الملك عبد العزيز وروزفلت على متن البارجة الأمريكية كوينسي تستخدم في الدعاية داخل السعودية وتلك الموجهة للمشاهد الأمريكي.
وتزين الصورة جدار سفارة المملكة في واشنطن. وتعلم الكثيرون في المدارس السعودية أن اللقاء كان لحظة تأسيسية في تاريخ البلدين. ولكن الواقع يقول غير ذلك، فبعد ذلك اللقاء، أقامت الولايات المتحدة علاقات تعاقدية مع السعودية. وفي أثناء الحرب الباردة تمحورت العلاقات معها حول تأمين تدفق النفط، وكانت محلا للتوتر بسبب موقف أرامكو من إسرائيل.
وتوترت العلاقات بشكل عميق في السبعينات من القرن الماضي، بعد قرار حظر النفط الذي مارسته السعودية ومنظمة أوبك ومُنع تصديره إلى الولايات المتحدة، مما أدى إلى دخول البلاد في ركود اقتصادي وارتفاع لأسعار النفط العالمية. ورغم كراهية السعودية للاتحاد السوفييتي، إلا أن الولايات المتحدة لم توقع معاهدة دفاع مشترك معها.
وفي عام 1990 بعد اجتياح صدام حسين للكويت، دعا الملك فهد وإخوانه مترددين الولايات المتحدة وتحالفا من الدول لإخراج العراقيين من الكويت. فقد خاف الملك من تحويل صدام نظره إلى السعودية. ووفرت الرياض الوقود لقوات التحالف والبنزين للمقاتلات، وكانت لاعبا ثانويا في الحرب. وبعد حرب الخليج ظلت القوات الأمريكية في السعودية لمراقبة منطقة الحظر الجوي في العراق.
واستخدم أسامة بن لادن الوجود الأمريكي في السعودية كأداة تجنيد لتنظيمه. وظل الوجود الأمريكي قضية شائكة للعائلة المالكة وسط تزايد في مظاهر التشدد بين السكان. وبالغ أسامة بن لادن في تأكيد الوجود الأمريكي في السعودية والذي لم يكن دليلا على تحالف قريب.
وفي عام 2003 عندما طلبت أمريكا السماح لها بشن الغزو ضد صدام حسين من الأراضي السعودية، وافقت بشرط خروجها بعد الإطاحة بالنظام العراقي. وستندم السعودية على هذا القرار لأن أمريكا بنت أكبر قاعدة عسكرية لها في قطر، ومع ذلك ظلت المملكة واحدا من أكبر مشتري السلاح الأمريكي.
ولعل أهم تعاون أمريكي- سعودي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، هو التعاون في مكافحة الإرهاب بين “سي آي إيه” والأمير محمد بن نايف، الذي أصبح شخصية غير موجودة اليوم في الحكومة. وفي عام 2017 منحت “سي آي إيه” الأمير ميدالية جورج تينت، مما يدل على العلاقة التعاقدية بين البلدين. ويمكن للبلدين التعاون في أهداف مشتركة، لكن تحالفا عميقا لا يزال بعيدا.
واليوم، الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم، وأصبح النفط المستورد من السعودية في أدنى مستوياته، أما العلاقات الاقتصادية بين البلدين فهي في أحسن حالاتها، ضعيفة.
ولهذا السبب تتم استعادة اللقاء بين روزفلت وعبد العزيز بشكل مستمر. وكما يكشف لنا التاريخ، فاللقاء كان تحويلة ثانوية في رحلة روزفلت. وأي علاقة خاصة حصلت فيه لم تستمر بعد وفاته. وفي الوقت حاولت فيه قوى تقديم القصة بطريقة اسطورية، لكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة والسعودية لم ولن تكونا حليفتين.