أحمد شوقي- راصد الخليج-
هناك مقولة تتردد كثيرا في اروقة السياسة تنطبق من مثل شعبي شهير، وتقول ان "المتغطي بالامريكان عريان"، وذلك تعبيرا عن هشاشة التحالف مع امريكا وعدم تمتعه بالموثوقية واعتباره نوعا من المقامرة، بسبب دأب امريكا على خيانة حلفائها والتخلي عنهم عند تعارض مصالحها مع استمرارية التحالف.
والامثلة كثيرة على ذلك وخاصة، ما يتعلق بتحالف امريكا مع الديكتاتولايات وتخليها عن زعماء هذه الديكتاتولايات عند نشوب حروب او ثورات، وكذبك نقضها للمعاهدات والاتفاقات.
وحديثا اكتسبت المقولة وجاهة مضافة، بعد تغير التوازنات وتراجع القوة الامريكية والذي احدث تبدلا في الموازين الجيو استراتيجية، نجم عنه تغير اولويات امريكا وتخليها عن بعض القوى العميلة واستبدال تحالفاتها وفقا للترراجع او حتى نقض التحالفات برمتها.
هذا يقودنا ايضا الى الحديث عن تحالفات دول الخليج والتي اعتمدت النمط والروح الامريكية، حيث اتسمت ايضا بالهيمنة ورعاية الديكتاتوريات وجرى عليها ما جرى من سنن التحالفات الامريكية من تخلي عن الحلفاء، وكذلك ما حدث من تراجع للقوى، مما جعل المقولة تنسحب ايضا على الخليج ليقال ان "المتغطي بالخليج" عريان!
وهنا يمكننا نناقش الامر من زاويتين:
الاولى تتعلق بتراجع اقتصاد الخليج، وهو الاساس الذي اعتمدت عليه دول الخليج في بسط هيمنتها ورعاية اتباعها.
القانية: هي الغدر بالحلفاء وعدم موثوقية التحالف وعقده بشكل مبدئي.
اولا: التراجع الاقتصادي:
في احدث التقارير، ذكرت مجلة "الإيكونوميست" في دراسة نشرتها على موقعها الرسمي، أن "عصر النفط قد انتهى لدى دول الخليج العربية، وأنها لم تعد قادرة على سد العجز في ميزانياتها بسبب انخفاض أسعار النفط.
وتوقعت أيضا، أن تستنزف دول مجلس التعاون الخليجي احتياطاتها البالغة تريليوني دولار بحلول عام 2034، وفقا لما أشارت إليه توقعات صندوق النقد الدولي".
وهو ما يعني تقليص الفائض المالي المستخدم في الهيمنة وزرع النفوذ في دول اخرى، والتخلي عن تمويل ورعلية انظمة تابعة للخليج، وكذبك قوى سياسية ووسائل اعلامية واشخاص من المرتزقة، فكل ذلك سيتأقر بلا شك بعد تفرغ الخليج لمستجدات الوضع الاقتصادي وما سينجم عنه من ازمات داخلية محتملة.
وهو ما يرفع الغطاء عن قوى وشخصيات وربما دول تعتمد بشكل كبير على الخليج.
ثانيا: المناورة وعدم موثوقية التحالف
ربما اثبتت حوادق كثيرة ان الخليج تخلى عن حلفاء له في محطات فاصلة، ولم يخض معارك للدفاع عن حلفائه اما لعدم تحمل كلفة المواجهة، واما لاستنفاذ الغاية والفائدة من التحالفات، ولعل حلفاء الخليج في اليمن يتقاتلون سويا اليوم ولعل تيارات تكفيرية لمست تخليا عنهم بعد دعم وتمويل وتسليح ، ولكن الملف الابرز والذي يفرض نفسه جليا الان هو ملف سد النهضة الاثيوبي.
فرغم ان هناك تحالف معلن بين السعودية والامارات ومصر، وان هناك مساعدات كبرى قدمتها الدولتان الخليجيتان، الا انه وفي ملف وجودي بهذه الخطورة، لا يوجد الدعم العملي سوى ببيانات صحفية، رغم امتلاك السعودية والامارات اوراق ضغط، بل ومشاركات فعلية في الاستثمار باثيوبيا وفي تمويل السد ذاته وفقا للتقارير.
وسنكتفي هنا بايراد مقتطفات من تقرير مصري نشرته بوابة الاهرام في عام 2017، وهي وسيلة مملوكة للدولة وليست معارضة، ومما جاء بها نصا:
(الحديث عن المستثمرين العرب في إثيوبيا لا يمكن أن يمر دون ذكر اسم رجل الأعمال السعودي محمد العمودي، وهو إثيوبي الأصل، الذي احتل المرتبة الثالثة بين الأثرياء العرب بثروة 13.5 مليار دولار في 2015، وهو يُعتبر "ذراع المملكة" الطولى في إثيوبيا التي وصفها الكتاب العرب في كتاباتهم القديمة بـ"الأراضي الضائعة".)
واورد تقرير الاهرام نقلا عن مجلة "فوربس" المتخصصة في الاقتصاد، تأكيدها أن العمودي يمتلك مجموعة من الشركات المتخصصة في الإنشاءات والزراعة والطاقة بالسعودية وإثيوبيا في آن واحد، منذ أن بدأ الاستثمار في مجال العقارات والنفط في حقبة السبعينيات من القرن الماضي.
وأضافت المجلة التي اشتهرت بتقدير ثروات المشاهير والأغنياء أن العمودي يعتبر أكبر مستثمر فردي بإثيوبيا وشركته "النجمة السعودية للتنمية الزراعية" زرعت آلاف الأفدنة بمحاصيل شتى للمستهلكين في إثيوبيا والسعودية والشرق الأوسط، وهو يصدر البن إلى شركة "ستاربكس" العالمية، وأوراق الشاي إلى الشركة المنتجة لـ"ليبتون"، كما يملك في "أديس أبابا" فندق (the African Union Grand Hotel).
واضاف تقرير الاهرام ان (دخل العرب إلى جبهة إثيوبيا متأخرين لكن في ظل فوائضهم المالية الضخمة التي تشكلت قبل هبوط عوائد النفط، باتوا يشكلون رقمًا كبيرًا في معادلة الاستثمار، حتى أن حكومة "ديسالين"، لم تخجل من مطالبة مستشار العاهل السعودي في زيارته الأخيرة علنًا بالمساهمة في تمويل سد النهضة.
تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثالثة بين المستثمرين الأجانب، في إثيوبيا بنحو ٢٩٤ مشروعا، وفقا لوزارة الزراعية ا
لسعودية، حيث تستثمر حاليًا نحو 5.2 مليار دولار في إثيوبيا تتركز بشكل خاص في الزراعة والإنتاج الحيواني.
يمتلك رجال الأعمال السعوديون استثمارات كبيرة في مزارع البن في إثيوبيا، الذي تستورد منه الرياض نحو 80 ألف طن سنويا، مما يجعلها أكبر مستوردي البن الإثيوبي في العالم.
تشكل واردات الرياض من البن الإثيوبي نحو 18% من إجمالي صادرات البن في دول العالم كافة، حيث يصل حجم الواردات إلى نحو 122.27 مليون دولار، بينما تأتي الإمارات كثاني أكبر الدول المستوردة للبن الإثيوبي.
تستورد الرياض المواشي الحية واللحوم من إثيوبيا بإجمالي 47.465 مليون دولار، بخلاف منتجات زراعية بقيمة 13.429 مليون، وزهور بقيمة 7.262 مليون ، وسمسم بقيمة 2.404 مليون، وكذلك 1.129 مليون من المعادن.
تمتلك إثيوبيا ثروة حيوانية هائلة تُقدر بـ44 مليون رأس بقر، و32 مليون رأس خراف، و29 مليون ماعز، وتمنحها هذه الثروة المرتبة الأولى في إفريقيا من حيث امتلاك رؤوس الماشية، والعاشرة على مستوى العالم).
ولخصوص الامارات ذكر تقرير الاهرام:
(تحتل الإمارات مرتبة متقدمة في الاستثمار بإثيوبيا فعدد مشروعاتها الاستثمارية المرخص لها بالعمل تصل إلى نحو 92 منها 33 مشروعاً قائماً، إلى جانب 23 قيد الإنشاء، فيما حصلت 36 شركة إماراتية على التراخيص اللازمة للعمل، وهي في مرحلة التجهيز.
ووفقاً لإحصاءات هيئة الاستثمار الإثيوبية ووزارة الاقتصاد الإماراتية، فإن حجم استثمارات "أبناء زايد" في إثيوبيا تقدر بنحو 3 مليارات دولار.
ومن أشهر الاستثمارات الإماراتية القائمة هناك مصنع شركة الخليج للصناعات الدوائية "جلفار" الذي تم تدشينه قبل 3 سنوات، وعانت الشركات المصرية منذ بدء "جلفار" في إنتاج الدواء، حيث منعت وزارة الصحة الإثيوبية 11 مصنعًا للأدوية المصرية من التصدير إلى أسواقها دون إبداء أسباب رغم تقديم مصر تخفيضًا بنسبة 10% على الأدوية التي تشتريها إثيوبيا من الهند والصين.
وبينما يمتلك رجال أعمال إماراتيون مصنع رأس الخيمة للسيراميك الذي بدأ إنتاجه في 2015، فإنه من المقرر أن يتم افتتاح فندق "حياة" بأديس أبابا العام الحالي وهو رأسمال إماراتي.
في الرابع من ديسمبر الماضي، وقعت إثيوبيا والإمارات اتفاقية تعزيز وحماية الاستثمار المتبادل، استغرق التفاوض حولها خمسة أشهر، وتهدف لتوفير الحماية للمستثمرين الإماراتيين وتسمح لهم بالانخراط في مختلف القطاعات في إثيوبيا دون خوف من أي إجراءات مستقبلية تهدد استثماراتهم.
بحسب سفارة إثيوبيا في الإمارات، فإن قيمة الصادرات الإثيوبية إلى الإمارات تواصل الارتفاع باستمرار، إذ قفزت من 14 مليون درهم فقط في 2002 إلى 300 مليون درهم في 2013، وقفزت الصادرات الإماراتية من 180 مليون درهم إلى 1.5 مليار درهم في الفترة ذاتها.)
قم تناول التقرير دور قطر يالقول:
( وتحاول قطر جاهدة إزاحة السعودية كأكبر مستثمر خليجي في إثيوبيا، فبعد أيام من زيارة مستشار العاهل السعودي لأديس بابا، كان وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن في العاصمة الإثيوبية، في إشارة للتنافس الخليجي على "الكعكة الإثيوبية".
رئيس الوزراء الإثيوبي استقبل، قبل شهور، وفدًا من رجال أعمال قطريين تعهدوا بضخ 8.5 مليار دولار استثمارات، وفى أبريل 2013، قام الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى، بزيارة إلى أديس أبابا، كانت الأولى لحاكم قطرى منذ استئناف العلاقات بين البلدين فى أكتوبر 2012، كما زار وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم، أديس أبابا بعدها بشهر واحد).
كل هذا الدعم الخليجي لاثيوبيا، ولم يمارس الخليج ضغطا لصالح حليفه المصري!
هل كل ذلك يؤكد مقولة ان "المتغطي بالخليج" عريان؟!