علاقات » اميركي

رفع السرية عن دعوى الجبري.. هل ضاق الخناق الأمريكي على بن سلمان؟

في 2020/11/04

متابعات-

ما هي التداعيات المتوقعة لموافقة القاضي في المحكمة الفيدرالية في العاصمة واشنطن، على طلب ضابط الاستخبارات السعودي السابق "سعد الجبري" برفع السرية عن مستندات الدعوى التي رفعها ضد ولي عهد المملكة "محمد بن سلمان"؟ وإلى ماذا تؤشر؟

يتصدر هذا السؤال اهتمامات مراقبي الشأن السعودي حاليا، في ظل احتمالات مرجحة لتضمن مستندات القضية وثائق جديدة من شأنها "توريط بن سلمان" في مزيد من القضايا، والدخول في دائرة مفرغة، فضلا عن ترجيحات محللين سياسيين لتغير نهج الإدارة الأمريكية، كليا أو جزئيا، إزاء العلاقة مع الرياض بعد انتخابات الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، أيا من كان الفائز بها.

ويعود طلب "الجبري" إلى 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويؤكد فيه أن مستندات الدعوى تضم وثائق سرية يرى أنها تتضمن "أدلة" على تواطؤ "بن سلمان" في محاولة خطفه وتعذيبه وقتله داخل الولايات المتحدة.

وأظهرت وثيقة لمحكمة واشنطن، بتاريخ الخميس 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنها أرسلت مذكرة ورسائل استدعاء لـ"بن سلمان"، عبر "واتساب" باللغتين العربية والإنجليزية، في 22 سبتمبر/أيلول الماضي.

كما تضمنت وثائق المحكمة صورة للرسائل المرسلة عبر "واتساب"، تُظهر وصولها والاطلاع عليها من قبل المرسل إليه.

وأمر قاضي المحكمة الاتحادية في واشنطن "تيموثي كيلي" المدعى عليه "بن سلمان" بالرد على دعوى "الجبري" قبل 7 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وكان "الجبري" قد أقام دعوى ضد ولي العهد السعودي أمام القضاء الأمريكي، تتهمه بتشكيل فريق باسم "مجموعة النمر" لترتيب "قتله" خلال إقامته في مدينة بوسطن الأمريكية عام 2017، ومحاولته على مدى أشهر نشر عملاء سريين في الولايات المتحدة في محاولة لتعقب مكانه.

وعندما فشلت تلك المحاولات أرسل "بن سلمان" فريقا آخر لاغتيال "الجبري" في كندا، بعد أسبوعين فقط من اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي"، حسب الدعوى، التي تضمنت أوراقها نص رسالة من ولي العهد السعودي يطلب فيها من ضابط المخابرات السابق العودة للمملكة خلال 24 ساعة وإلا سيقتل.

وبحسب الدعوى ذاتها؛ فإن استهداف "بن سلمان" لـ"الجبري" يعود إلى اعتقاد ولي العهد السعودي بأن علاقات الضابط السعودي السابق الوثيقة مع مجتمع الاستخبارات الأمريكي تقف في طريقه لتعزيز النفوذ والسلطة بين المسؤولين في واشنطن.

آليات قانونية

في وقت سابق، أصدرت المحكمة الفيدرالية في واشنطن أمر استدعاء قضائي بحق ولي العهد السعودي في قضية محاولة اغتيال "سعد الجبري".

وذكرت وسائل الإعلام آنذاك أن استدعاءات المحكمة شملت 13 شخصا بينهم مسؤولون بارزون على رأسهم "أحمد عسيري" و"بدر العساكر" و"سعود القحطاني".

ومن المرجح أن "بن سلمان" لن يمثل أمام المحكمة، وعليه فإن مسار الدعوى سيستمر بحضور محاميي الدفاع عن ولي العهد السعودي، وهو ما يقره القانون الأمريكي.

ومن هذا المنطلق، بدأت السعودية في الأسابيع الأخيرة في التحرك قانونياً لحماية المملكة وولي العهد، في إطار استعدادتها للتغييرات السياسية المحتملة بعد الانتخابات الأمريكية، والتي لا ترتبط بالضرورة بشخصية الفائز، حسبما يرى المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والمحلل في معهد بروكينغز "بروس ريدل".

ويشير "ريدل"، في هذا الصدد، إلى أن العديد من أعضاء الحزبين الأمريكيين، الديمقراطي والجمهوري، أدانوا الكارثة الإنسانية التي سببتها الحرب الأهلية التي تدعمها السعودية في اليمن، وانتقدوا بشدة قتل "خاشقجي"، وفقا لما نقلته صحيفة "واشنطن بوست".  

من هنا جاءت جدية "بن سلمان" في تشكيل الفريق الذي سيدافع عنه، والذي يضم المحامي "باري غيه بولاك"، المعروف بدفاعه عن مؤسس موقع ويكيليكس "جوليان أسانج"، و"مايكل ك.كيلوغ"، الذي دافع عن المملكة لمدة 20 عاما في قضايا مرتبطة بأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، و"ميتشل بيرجر"، الذي دافع من قبل عن أكبر بنك بالسعودية في اتهامات بتمويل الإرهاب وتنظيم "القاعدة".

تداعيات محتملة

فريق الدفاع عن "بن سلمان" يضم محامين يمثلون السعودية ضد القضايا التي تم رفعها على المملكة بسبب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وعليه فإن رفع السرية عن وثائق قضية "الجبري" تهديدا نوعيا لمساعي السعودية لحماية نفسها من المنتقدين، ليس فقط في هذه الدعوى، بل في دعوى أخرى مرفوعة ضد "بن سلمان"، منذ الشهر الماضي، بتهمة الأمر بقتل الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" وتقطيع أوصاله داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إضافة إلى دعاوى التعويض المرفوعة ضد المملكة من ضحايا هجمات سبتمبر/أيلول.

ومن شأن خسارة "بن سلمان" لهذه القضايا أن يتكبد مليارات الدولارات كتعويض، وربما إعادة مقترح قانون جاستا إلى واجهة الكونجرس الأمريكي، وهو المشروع الذي ينص على محاسبة السعودية "كدولة" باعتبارها راعية للإرهاب الذي تسبب في مقتل آلاف الأمريكيين في أحداث سبتمبر/أيلول.

كما أن "الشرعية الدولية" لـ"بن سلمان" ستكون على المحك وفق هكذا سيناريو، باعتبارها الشرعية الوحيدة التي تمكنه من ممارسة السلطة حاليا، في ظل نظام ملكي مطلق، وانهيار منظومة "التوافق الأفقي" التي طالما اعتمد عليها ملوك السعودية كقاعدة لحكم المملكة بموازنة توزيع مناصب السلطات على فروع عائلة "آل سعود".

فولي العهد السعودي يتبنى نموذج دولة مركزية تتركز فيها السلطة بفرع واحد من العائلة (آل سلمان)، مع استمرار صلاحياتها المطلقة، وهو ما أفقده حتى رصيده الداخلي من تأييد أبناء عمومته.

ويتبنى صحفيون غربيون، كالبريطاني "ديفيد هيرست"، رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، إمكانية بلوغ محاكمة "بن سلمان" أمام القضاء الأمريكي إلى أبعد مدى، لدرجة أنه وصف "الجبري" بأنه الوحيد قادر على "إسقاط" ولي العهد السعودي.

وربما يتسبب رفع السرية في القضية إلى تداعيات أخرى سياسية، خاصة أن المستندات التي قدمها ضابط الاستخبارات السعودي السابق إلى المحكمة الأمريكية تتضمن عديد الوثائق الحساسة، التي قد تكشف مزيدا من جرائم فريق "بن سلمان" القابض على مقاليد السلطة بالرياض.

ويدعم هذا السيناريو أن الدعوى القضائية المرفوعة ضد الأمير السعودي الشاب في المحاكم الأمريكية تستند إلى علم مسؤولين أمريكيين كبار بتفاصيل محاولة اغتيال "الجبري" وغيرها من الجرائم، وفقا لما أوردته "واشنطن بوست".

وإذا كان فريق اغتيالات تابع لسلطة "بن سلمان" قد حاول اغتيال "الجبري"، فإن ذلك يعني خشية ولي العهد من ملفات يحملها ضابط الاستخبارات السعودي السابق، الذي كان مقربا من من ولي العهد السابق وزير الداخلية، الأمير "محمد بن نايف"، بما يحمله ذلك من ترجيح المزيد من الفضائح السياسية، ليس فقط للدولة السعودية، بل لشخص "بن سلمان" أيضا، حسب تقدير الباحث السياسي "علاء بيومي".

ومن بين مضامين الوثائق التي يتوقع الإفراج عنها، التي أشارت إليها "ميدل إيست آي"، رفض "الجبري"، في سبتمبر/أيلول 2015، طلبا من "بن سلمان" لاستخدام إدارة المباحث التابعة لوزارة الداخلية السعودية في القيام بعمليات انتقامية خارج إطار القانون ضد بعض أبناء الأسرة الحاكمة المقيمين في أوروبا بسبب انتقاداتهم العلنية.

وتقول ادعاءات القضية إن "الجبري" رفض الطلب خوفا على صورة السعودية ومصالحها، وهو ما دفع "بن سلمان" إلى تكوين "فرقة النمر" من 50 من رجال الأمن والاستخبارات المنتمين إلى مؤسسات حكومية مختلفة، للقيام بأي أعمال يطلبها منهم، بما في ذلك خطف المعارضين واغتيالهم وتعذيبهم.

ولذا فإن رفع السرية عن الدعوى يقدم مؤشرا على أن الخناق الأمريكي ضاق على "بن سلمان" أيا من كان الفائز بانتخابات الرئاسة، استنادا إلى معطيات جديدة، تتجاوز "الحماية" التي حصل عليها ولي العهد السعودي عمليا في ولاية "دونالد ترامب"، وتستند إلى تشابك القانون والمصالح الاستراتيجية للسعودية وأمريكا مع أهداف شخصية لـ"بن سلمان" بات عليه دفع فواتيرها.. وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة على الأرجح.