علاقات » اميركي

صفقة مقاتلات إف-35 الأمريكية للإمارات.. لماذا الآن؟

في 2020/11/05

إيما سوبرييه | معهد دول الخليج العربية –

منذ اللحظة التي أعلنت فيها الإمارات وإسرائيل تطبيع العلاقات بينهما، ثار الجدل حول احتمال شراء أبوظبي طائرات مقاتلة من طراز "إف-35" من الولايات المتحدة.

ووسط هذا الجدل، أعربت قطر أيضا عن اهتمامها بشراء الطائرة المقاتلة.

وبينما يرى بعض المحللين أن توقيت الطلب يمكن أن ينسف الصفقة، ليس فقط على الإماراتيين ولكن ربما على الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، فإن الأمر لا يبدو كذلك.

في 29 أكتوبر/تشرين الأول، تم الإعلان عن المفاوضات بشأن صفقة الإمارات حيث أبلغ الرئيس "دونالد ترامب" الكونجرس بشكل غير رسمي باحتمال بيع ما يصل إلى 50 طائرة مقاتلة من طراز "إف-35" إلى الإمارات كجزء من صفقة أسلحة بقيمة 10.4 مليارات دولار.

لكن هناك العديد من الأسباب التي قد توقف تقدم أبوظبي، بما في ذلك تقلص ميزانيتها الدفاعية الناجم عن جائحة فيروس "كورونا" وتراجع عائدات النفط، والمشهد السياسي الخلافي في الولايات المتحدة، وعدم وجود حاجة ملحة لهذه القدرات.

ومع ذلك، من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن التوقيت منطقي للغاية، تحتاج شركات الدفاع إلى تأمين الصفقات واسترضاء مساهميها في سياق التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي من المرجح أن يلحق خسائر كبيرة بالصناعة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

بدا الطريق صعبًا بشكل خاص بالنسبة لشركة "لوكهيد مارتين"، التي واجهت انتقادات متكررة بشأن برنامج "إف-35" واضطرت إلى إبطاء عمليات التسليم في عام 2020 حيث عطل الوباء سلسلة التوريد الخاصة بها.

ويعكس الإعلان أيضًا طموح "ترامب" في تقديم إنجازات للجمهور الأمريكي لمساعدته في إعادة انتخابه.

لقد أخطر "ترامب" الكونجرس وأعلن عن الصفقة قبل 5 أيام من الانتخابات، وبعد يومين فقط من تقديم تشريع من الحزبين في مجلس النواب يسعى إلى ضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في الشرق الأوسط والذي يعتبر شرطا أساسيا قبل بيع طائرة "إف-35".

وقبل أسبوع من إخطار الكونجرس، أشارت المصادر إلى أن الهدف كان الحصول على اتفاق مبدئي بحلول اليوم الوطني لدولة الإمارات في 2 ديسمبر/كانون الأول، مشيرة إلى أن إدارة "ترامب" تدرس كيفية المضي قدمًا في البيع مع الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.

ويمكن القيام بذلك عن طريق بيع المزيد من الأسلحة إلى تل أبيب، وهو ما قد يفسر سبب عدم معارضة إسرائيل لصفقة "إف-35".

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للصفقة أن تفيد الصناعات الدفاعية الإسرائيلية.

وبالنسبة للإمارات، فإن قصة "إف-35" لها أصداء لقصة سابقة مماثلة لطائرة مقاتلة أخرى وهي الـ"رافال" التي كان الرئيس الفرنسي وشركة "داسو" للطيران متفائلين بشأن بيعها إلى الإمارات بين عامي 2009 و2011.

ولا تزال هذه الصفقة عالقة ولم تتحقق بعد ما يقرب من عقد من الزمان (بالرغم من أن أبوظبي ساعدت في تمويل شراء مصر لها).

وكما كان الحال في ذلك الوقت، فإن معظم النقاش الدائر حول بيع الطائرات المقاتلة جاء من الدولة المصدرة وليس من الإمارات.

وقد أثرت الضربة المزدوجة للوباء إلى جانب عدم استقرار أسعار النفط العالمية بشدة على اقتصادات دول الخليج العربية.

وفي يوليو/تموز، قدر صندوق النقد الدولي أن اقتصادات الشرق الأوسط الريعية يمكن أن تنكمش بنسبة 7.3%، ولا تزال حالة عدم اليقين بشأن تطور الوباء تلقي بثقلها على الطلب العالمي على النفط.

ومن المرجح أن يُترجم هذا الانكماش إلى تخفيضات في الإنفاق الدفاعي ومشتريات الأسلحة.

وقبل الإعلان عن هذه الصفقة البالغ قيمتها 10.4 مليارات دولار، كان منتدى الأسلحة أدرج ما يقرب من 2.2 مليار دولار ضمن المبيعات العسكرية الأجنبية لدول الخليج في عام 2020، وهو جزء بسيط من 14.2 مليار دولار كانت مسجلة في عام 2019.

ومن ثم فمن المدهش أن الإمارات قررت المضي قدمًا في هذا الشراء الكبير في هذا الوقت.

وبحسب محللين، فإن جعل هذا الاتفاق الضخم رسميًا قبل الانتخابات الأمريكية جاء كإشارة دعم لولاية "ترامب" الثانية من جانب الإمارات، بالرغم أن أبوظبي معروفة بالتحوط في رهاناتها على الساحة الدولية.

وتشير أحدث مشتريات الأسلحة الإماراتية أيضًا إلى أن أبوظبي قد حولت تركيزها من القوة الجوية إلى تعزيز قدراتها في الأمن البحري (الدوريات البحرية والاستعداد للمعركة الجوية والبحرية) وكذلك الحرب الإلكترونية وجمع المعلومات الاستخبارية.

على سبيل المثال، في عام 2019، اشترت الإمارات فرقاطتين من طراز "جويند 2500" من فرنسا إلى جانب صواريخ "إكزوجيت" المضادة للسفن وأنظمة سطح-جو البحرية من الولايات المتحدة.

وبالرغم من عدم التخلي عن تطوير القوة الجوية، فقد تحولت أبوظبي بشكل متزايد نحو أنظمة جديدة، مثل الطائرات المسلحة بدون طيار (وينج لونج2 من الصين)، والإنتاج المحلي (بي 250 المصممة والمطورة في البرازيل والتي ستكون أول طائرة عسكرية بالكامل تبنى في الإمارات)، كما قررت ترقية أسطولها الحالي من الطائرات المقاتلة من الجيل الرابع حيث أعلنت الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عن إطلاق ترقية بقيمة 929 مليون دولار إلى طائراتها المقاتلة من نوع ميراج والتي تم شراؤها من فرنسا في مطلع الألفية، ما يشير إلى عدم وجود حاجة ملحة لقدرات إضافية.

وبالنظر إلى هذه الاعتبارات، فما هي الحوافز لإعلان الصفقة الآن من وجهة نظر الإمارات؟

من ناحية، يعد شراء 50 من المقاتلات الأكثر تقدمًا في العالم قبل الذكرى الخمسين لاستقلال الإمارات في عام 2021 منسجما مع "القومية العسكرية" للدولة وسجلها الحافل في عمليات الاستحواذ على الأسلحة عالية التقنيةمما يعزز بناء "الكبرياء الوطني".

كما تعتبر أبوظبي أن هناك فائدة كبيرة من الادعاء بأن الإمارات يمكن أن تكون أول دولة في الشرق الأوسط، بخلاف إسرائيل، تعتبرها الولايات المتحدة شريكًا عسكريًا موثوقًا به بما فيه الكفاية للسماح لها بشراء "إف-35".

ومما يعزز ذلك الخلفية الإقليمية الحالية للتوترات المتصاعدة مع تركيا وقطر.

وقد تكون أبوظبي مهتمة بإظهار قدرتها على الحصول على الطائرة التي تم رفض حصول أنقرة عليها بسبب شرائها نظام "إس-400" الروسي المضاد للطائرات.

 أما بالنسبة للدوحة، ففي حين أن توقيت طلبها للحصول على طائرات "إف-35" قد يكون محاولة لتسليط الضوء على وضعها باعتبارها "حليفًا رئيسيًا محتملًا من خارج الناتو" للولايات المتحدة، فمن الممكن أيضًا أن ذلك يأتي ضمن مساعي- عن قصد أو بدون قصد - التنافس مع أبوظبي.

ولم ترد واشنطن رسميًا على الطلب القطري.

وبينما أسقط المسؤولون في تل أبيب هذا الاحتمال في بداية الأمر، قال وزير الطاقة الإسرائيلي، في وقت لاحق، إنه ليس لديه شك في أن القطريين يمكن أن يحصلوا عليه إذا أرادوا ذلك وكانوا مستعدين للدفع.

ومن المؤكد أن هذه الصفقة تعزز مكانة الإمارات على الساحة الدولية، ليس فقط بسبب المكانة التي تمنحها المقاتلة المتقدمة لأبوظبي ولكن أيضًا للسابقة التي تتضمنها الصفقة التي لا تنطوي على شروط خاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقات الإمارات مع خصمين عالميين (روسيا والصين)، حيث كان استحواذ تركيا على نظام "إس-400" الروسي وخطة البلدين للتعاون في بناء نظام "إس-500" سببا في عدم بيع الولايات المتحدة لطائرة "إف-35" لأنقرة.

وفي حين أن أبوظبي لم تعرب عن نيتها شراء هذا النظام من روسيا، لكن علاقاتها الدفاعية مع موسكو لا تقل أهمية، فقد أعلن البلدان في عام 2017 عن نيتهما العمل على تطوير طائرة مقاتلة خفيفة من الجيل الخامس، ما دفع أحد المحللين إلى المطالبة بإخضاع صفقة "إف-35" إلى الإمارات لنفس الفحص الذي جرى لتركيا لأنه قد يمنح روسيا إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية.

كما لم يولد التعاون الأخير بين الإمارات والصين في مجال الذكاء الاصطناعي وجمع البيانات الكثير من الانتقادات العامة، وبالرغم من كل الجهود التي يبذلها "ترامب" عادةً في إلقاء مشاكل العالم على عاتق بكين، فإنه لم يطرح هذا الموضوع في سياق صفقة "إف-35".

ويسلط تقرير خدمة أبحاث الكونجرس حول التفوق العسكري النوعي لإسرائيل ومبيعات الأسلحة الأمريكية المحتملة إلى الإمارات الضوء على خطر تعريض الأمن القومي للولايات المتحدة للخطر إذا أدى البيع إلى وقوع تقنية "إف-35" في أيدي الصين أو روسيا أو خصوم الولايات المتحدة الآخرين مثل إيران.

بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن دور الإمارات في الحروب في اليمن وليبيا قد أثار تدقيقًا من الكونجرس في السنوات الأخيرة، حيث أثيرت تساؤلات حول تحويلها للأسلحة إلى جهات فاعلة غير حكومية واحتمال استخدام هذه الجهات لطائرات مقاتلة أمريكية المنشأ في ضربات جوية مميتة ضد الولايات المتحدة.

في نهاية المطاف، إذا وافق الكونجرس على الصفقة ومضت قدما، فإنها ستمثل أيضًا فوزًا كبيرًا لاستراتيجية أبوظبي الحازمة لتأسيس دولة الإمارات كقوة رئيسية على المسرح الدولي.

وفي حين أن واشنطن، خاصة في ظل إدارة "ترامب"، استفادت من علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية لدفع الدول الأخرى، بما في ذلك الحلفاء، للعمل وفقًا لمصالحها، لكنها تبدو أقل ميلًا للقيام بذلك في حالة أبوظبي حتى مع استفادة الإمارات إلى أقصى حد من تعددية علاقاتها الدولية، وربما بطرق قد تشكل تحديات للمصالح الوطنية للولايات المتحدة في المنطقة على المدى الطويل.