الخليج أونلاين-
مع خسارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية التي عقدت مطلع نوفمبر 2020، وفوز منافسه الديمقراطي جو بايدن الذي شغل منصب نائب الرئيس في إدارة اوباما، قد تكون المنطقة مرة أخرى على أعتاب تغييرات جديدة خصوصاً فيما يتعلق بحرب اليمن وتسليح السعودية والإمارات.
ومن المرجح أن يعتمد بايدن، مواقف أكثر تقليدية بشأن حقوق الإنسان التي تتعرض لانتهاكات عدة في دول خليجية وصفقات الأسلحة، خصوصاً مع تعهده في برنامجه الانتخابي باتخاذ سياسات مختلفة عن إدارة ترامب.
وسيكون سجل الرياض بشكل خاص، في مجال حقوق الإنسان والجريمة الوحشية التي راح ضحيتها في 2018 الصحفي السعودي جمال خاشقجي الكاتب بصحيفة واشنطن بوست واعتقال الناشطات، وكذلك حرب اليمن، نقاط توتر بين إدارة جو بايدن الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية، والسعودية، إضافة إلى ما يتعلق بشراء أبوظبي لطائرات إف35.
السعودية مع ترامب وبايدن
يبدو الوضع الذي يواجه كلاً من الولايات المتحدة والشرق الأوسط، بما في ذلك منطقة الخليج، مختلفاً تماماً، في 20 يناير 2021، عندما تبدأ الولاية الرئاسية الأولى للفائز رسمياً بالانتخابات الأمريكية جو بايدن.
والقضية التي تشغل البال في السعودية، هي كيف سيتعامل بايدن مع صفقات الأسلحة، وكذا صواريخ طهران الباليستية ودعمها لقوى إقليمية تعمل لحسابها، في أي محادثات لإحياء الاتفاق النووي الدولي مع إيران الذي انسحبت منه واشنطن في 2018، خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
وفي حين أن الرياض وحلفاءها الخليجيين كانوا يفضلون إدارة ترامب التي منحتهم الأولوية للصفقات المربحة بدلاً من قضايا حقوق الانسان، فإن فوز بايدن ربما يعيد الفتور مع الرياض الذي كانت تعيشه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان بايدن نائباً له، وهو ما يفسر تأخر المملكة في تهنئة الرئيس المنتخب.
وخلال تولي ترامب الحكم، اعترض على اتخاذ مجلس النواب الأمريكي، إجراءات لمعاقبة الرياض بسبب حقوق الإنسان، وفي مقدمتها إيقاف مد السعودية للسلاح، واستخدم كل الوسائل لمنع ذلك.
بايدن وتعهداته
في برنامجه لانتخابات الرئاسة، دعا بايدن، إلى إنهاء دور الولايات المتحدة في الصراع باليمن، فيما يمثل تراجعاً واضحاً عن سياسة اتبعتها إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما الذي كان بايدن نائباً له.
وتعهد بايدن بوقف التدخل في حرب اليمن عن طريق وقف دعم السعودية والتوقف عن تسليحها، كما تعهد حينها بعدم مواصلة سياسة إدارة ترامب "التي تمنح شيكاً على بياض وتدعم الممارسات الاستبدادية، والمنافسات الداخلية، والحروب بالوكالة، وتعرقل الانفتاح السياسي في جميع أنحاء المنطقة".
وتعهد البرنامج الديمقراطي بإنهاء "الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، والعمل على وقف الحرب"، واعتبر أن مسؤولية المجتمع الدولي تتطلب أن يتم وقف "أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ، وعلى الولايات المتحدة دعم الجهود الدبلوماسية، لا عرقلتها".
ويؤمن الديمقراطيون أن الوقت حان "لإعادة التوازن في أدوات تنفيذ السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، من خلال دعم الشراكات والعلاقات المختلفة بعيداً عن التدخل العسكري، ويجب أن تكون الدبلوماسية هي حجر الأساس لجعل المنطقة أكثر سلاماً واستقراراً وحرية".
وتعهد الديمقراطيون كذلك بإنهاء "مسار ترامب نحو الحرب مع إيران، مع إعطاء الأولوية للدبلوماسية وخفض التصعيد والحوار الإقليمي".
إعادة التوازن
يعتقد الباحث في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية سيف مثنى، أن بايدن سيسعى لإعادة التوازن للولايات المتحدة خاصة فيما يخص الحلفاء، وبعض الاتفاقيات التي خرج منها ترامب وأبرزها الاتفاق النووي الايراني.
ويرى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن "لن يكون حمامة سلام مع إيران"، موضحاً في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن المؤسسة الأمريكية "تسعى لإعادة هذا التوازن ولملمة ما بعثره ترامب، وستكون هناك في الوقت ذاته ضغوطات ضد إيران".
وفيما يخص إلغاء عقود التسليح مع السعودية أو بيع الإمارات طائرات "إف-35"، يستبعد "مثنى" حدوثه مبكراً، قائلاً: "قد يحدث التقليل من الدعم وتقليص بيع الاسلحة لكن لا أعتقد توقيفها، فالأمن القومي قاعدة أساسية في المؤسسة الامريكية، والحفاظ على بعض التوازنات".
وأضاف: "سيكون بايدن أكثر ميلاً لإيران وأبعد قليلاً من الإمارات والسعودية، لكن لابد أن ننظر للجانب الآخر، في أن الحزب الجمهوري يحافظ على أغلبية الشيوخ، وهذا أيضاً يحتاج من بايدن لكسب هذه الاغلبية ولو بتعيين قائداً للجيش من الحزب الجمهوري كما فعل أوباما سابقاً".
ويرى أن بايدن "قد يضغط نحو إيقاف حرب اليمن والتوجه للضغوطات السياسية، لكن ذلك سيحدث بالضغط على السعودية، لأنها بيدها هذا الملف الكبير".
لكنه أشار إلى أن ضغط بايدن سيكون لدفع السعودية نحو تهدئة التوتر مع إيران، "وهذا يعني استمرار الدعم الايراني الحوثي وبقاء الحوثي لاعباً اساسياً في اليمن والعملية السياسية".
بايدن و"إف-35"
مطلع نوفمبر 2020، أشار تونى بلينكن مستشار السياسة الخارجية لجو بايدن، إلى أن "مقاتلات إف-35، مخصصة لإسرائيل حصراً في الشرق الأوسط"، معرباً عن اعتراضه على "قرار ترامب بيع مقاتلات الشبح لدولة الإمارات، في إطار اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".
ولفت بلينكن إلى أنه "حال فاز بايدن في الانتخابات، فسيكون على إدارته النظر بجدية إلى بيع (إف 35) للإمارات"، موضحاً أنه "من أجل الحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل في المنطقة بموجب القانون الأمريكي، يتعين على الإدارة المنتخبة التالية دراسة الموضوع بجدية".
ومع فوز بايدن المتوقع في الانتخابات لم يصدر أي تصريح منه حول هذا الأمر، لكن الكثير يرون أنه يتخذ موقفاً أكثر ليونة تجاه "إسرائيل" مقارنة بإدارة أوباما، وهو ما يعني أنه ربما يقوم ببيع الطائرات للإمارات.
وأواخر أكتوبر 2020، أبلغت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، الكونغرس عزمها بيع طائرات من طراز "إف-35" للإمارات، وذلك بعد رفع "إسرائيل" الفيتو عن الصفقة، في ضوء تطبيع العلاقات بين أبوظبي و"تل أبيب".
منع بيع الطائرات
بدوره يرى أستاذ دراسات الشرق الأوسط ومدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، محجوب الزويري، أن سياسة بايدن في الستة الأشهر الأولى إلى 12 شهراً، ستركز بشكل كبير على الوضع الداخلي، ولن يلتفت للسياسة الخارجية.
وأوضح أن أول خطوة سيقوم بها "الاهتمام بالوضع الداخلي وموضوع كورونا والنتائج الاقتصادية الداخلية المترتبة على أزمة الفيروس، وكذا لملمة المجتمع الأمريكي المنقسم جداً، وخصوصاً مع ما رأيناه في الانتخابات".
لكنه في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، لا يستبعد الزويري، أن يرسل بايدن رسائل للسعودية تؤكد على مواقفه السابقة من عدم رضاه عن ملفات فيما يتعلق بحقوق الإنسان، "وسيدعو للنظر في ملفات والعقود المتعلقة بالأسلحة".
إلا أنه رغم اهتمام بايدن بالملف الداخلي، فإن الزويري يرى أيضاً أن النقطة الأساسية في السياسة الخارجية التي سيركز عليها بايدن وستكون رقم "2" في أولوياته بعد السياسة الداخلية، تتعلق "بقضية الطائرات مع الإمارات"، مشيراً إلى أنه "قد يعلق بيعها وهو ما قد يواجه بالضغوط من إسرائيل".
وأضاف: "ملف التطبيع سيكون شاقاً بالنسبة لبايدن، وهذه إحدى التركات الثقيلة التي تركها ترامب لبايدن، حيث من الصعب جداً أن يتخلى عن التطبيع والتراجع عنه، لكن قد يلجأ لوقف بيع الطائرات إف 35".
وأشار إلى أنه من الواضح أن فوزه "ربما يسهم في تخفيف التوتر في المشهد السياسي الدولي، خصوصاً مع حالة الارتياح التي أبدتها بعض الدول خصوصاً في أوروبا، وأيضاً موضوع إيران الذي سيشهد هدوءاً مؤقتاً".
ويؤكد أن العالم سيدخل في "فترة من الانتظار لإجراءات بايدن"، مضيفاً: "لكن هذا سيخلق مناخ سياسي فيه توتر قليلاً، بسبب الخطاب السياسي الذي أطلقه خلال فترة الحملة الانتخابية".
ويجدد الزويري تأكيده أن الخطوة الأساسية لدى بايدن "هي الشؤون الداخلية، في مواجهة كورونا وآثارها، خصوصاً أنها هزت سمعة الولايات المتحدة حتى في الخارج، وهو ما سيعمل على تحسينها من خلال الاهتمام بالجبهة الداخلية عبر تجاوز آثار كورونا، ثم يسعى للتعاون مع السياسة الخارجية بكل ملفاتها الأساسية".