الخليج أونلاين-
في خضم التوتر الذي تعيشه منطقة الخليج بسبب الخلاف الإيراني الأمريكي والهجمات التي يشنها الحوثيون على السعودية، قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن سحب جزء من قوات بلاده في المنطقة وتوجيهها إلى مناطق أخرى، ما فتح أبواب التكهنات بشأن التداعيات التي قد تنجم عن هذه الخطوة.
ويبلغ عدد موظفي وزارة الدفاع الأمريكية الدائمين الموجودين في دول الخليج أكثر من 10 آلاف موظف، منهم نحو 9500 عسكري.
وفي مايو 2020، سحبت الولايات المتحدة بطاريتي صواريخ "باتريوت" من السعودية كانت قد أرسلتهما في أعقاب الهجوم على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019، بالإضافة إلى طائرات مقاتلة وعسكريين أمريكيين.
سحب جزئي للقوات
ووفق ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، 1 أبريل 2021، فقد أمر الرئيس الأمريكي بسحب بعض القوات والعتاد من منطقة الخليج، في حين تدرس واشنطن خفضاً تدريجياً آخر لهذه القوات.
وبحسب مسؤولين تحدثت معهم الصحيفة، فقد تم سحب 3 بطاريات صواريخ باتريوت، إحداها من قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية.
ويعني خفض القوات، بحسب المسؤولين، رحيل آلاف الجنود الأمريكيين من المنطقة، كما أكدوا أن الخطوة تأتي في سياق إعادة تنظيم الحضور العسكري الأمريكي حول العالم.
وأكدت المصادر أنه تم تحويل قطع عسكرية؛ منها حاملة طائرات من الشرق الأوسط لتلبية الاحتياجات بمناطق أخرى، مشيرة إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تنظر في المعدات والتدريبات التي تحتاجها السعودية.
وتابعت المصادر: "مع تحرك الولايات المتحدة نحو تقليص قدراتها العسكرية في السعودية، شكل البنتاغون في الأسابيع الأخيرة "فريق النمر" -وهو مجموعة مخصصة من خبراء السياسة الدفاعية والعسكريين- لإيجاد طرق لمساعدة المملكة على حماية منشآتها ونفطها".
وتسعى واشنطن إلى نقل عبء الدفاع عن السعودية أمام هجمات الحوثيين والمليشيات في العراق أكثر فأكثر إلى الرياض، بحسب الصحيفة.
وتمثل القوات الأمريكية في منطقة الخليج صمام أمان في مواجهة الخطر الذي تمثله إيران والجماعات المسلحة الموالية لها في عدد من البلدان، والتي تستهدف دولاً خليجية في مقدمتها السعودية.
ومنذ تنصيبه رئيساً، في يناير الماضي، أكد الرئيس الأمريكي وأعضاء بارزون في إدارته أن واشنطن ستعيد تقييم العلاقة مع السعودية، وستعمل على إنهاء الحرب الدائرة في اليمن منذ 2014، لكنهم جميعاً تعهدوا بمساعدة الرياض في حفظ أمنها وتعزيز دفاعاتها.
تعزيز التهور الإيراني
ومن المحتمل أن يعزز سحب جزء من القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة التهور الإيراني، وقد يدفع جماعات مسلحة مثل الحوثيين لتكثيف هجماتهم "التي تكثفت بشكل لافت على أهداف اقتصادية واستراتيجية في السعودية، في الشهرين الماضيين.
فقد قصف الحوثيون خلال الأسابيع الماضية وبشكل مكثف مصفاة نفط الرياض التابعة لشركة أرامكو، ومطار أبها الدولي، وقاعدة الملك خالد العسكرية، وميناء رأس التنورة، وهو أهم الموانئ السعودية لنقل النفط.
لكن الولايات المتحدة لا تزال تؤكد التزامها بالتعاون مع السعودية التي تصفها بالشريك الاستراتيجي، فضلاً عن أن المصالح السياسية والاقتصادية الكبيرة بين البلدين، وبين الولايات المتحدة ودول الخليج عموماً، تقلل من احتمالية سحب أقوى قوة في العالم يدها من المنطقة المشتعلة.
وقد يكون سحب القوات جزءاً من خطة الرئيس الأمريكي لتعزيز مواجهة القوة الصينية المتصاعدة، وتوفير قدر أكبر من القوة الأمريكية لمجابهة ما تعتبره واشنطن خطراً صينياً متصاعداً، وقد أكد المتحدثون لـ"وول ستريت"، أن القوات التي سحبت ستتجه لمناطق أخرى.
وتبدو رغبة بايدن في مواجهة الصين وروسيا هي الدافع الرئيس لتخفيف الحضور العسكري الأمريكي جزئياً في منطقة الخليج، التي ما تزال تحظى بحضور أمريكي عسكري لا يستهان به.
فهناك الأسطول الخامس الأمريكي الموجود على السواحل البحرينية، وهناك حاملات طائرات تتحرك باستمرار، سواء في مياه الخليج أو البحر الأحمر لتأمين حركة الملاحة الدولية، فضلاً عن قاعدة "العديد" القطرية التي تعد قوة أمريكية ضاربة هي الكبرى خارج حدود الولايات المتحدة.
"تغييرات قادمة"
الخبير الاستراتيجي حاتم الفلاحي قال إن وصول إدارة بايدن إلى الحكم سيترتب عليه تغييرات في السياسة الأمريكية بالمنطقة، مشيراً إلى توافق الإدارة الجديدة مع سابقتها في ضرورة تخفيف الحضور الأمريكي العسكري في المناطق الساخنة؛ لأن الولايات المتحدة لم تجنِ من هذه المناطق سوى التراجع على كافة المستويات.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال الفلاحي إن الانسحاب الأمريكي الجزئي من المنطقة يتشابه مع انسحاب أوباما من العراق، الذي منح إيران فرصة السيطرة على العراق، مضيفاً: "لا نعرف إن كان ما يحدث اتفاق تقاسم نفوذ بين الأمريكيين والصينيين في إيران، وبينهم وبين الروس في سوريا، أم أنه مجرد تقليل للحضور العسكري الأمريكي من منطلق المصالح الأمريكية فقط".
وأضاف: "ربما يكون الأمر ورقة ضغط تمارسها واشنطن على الرياض، خاصة أن إدارة بايدن اتخذت خطوات ضغط متتالية منذ وصولها؛ تمثلت في تعليق بيع أسلحة وعدم التواصل بين بايدن وولي العهد، وتعيين مبعوث أمريكي لليمن بهدف وقف الحرب، وكلها أمور تعني أن الولايات المتحدة بدأت تعتمد فعلاً سياسة التخلي عن السعودية".
ولفت إلى أن الملامح الواضحة لسياسة بايدن الخارجية تتلخص في تقديم الدعم للحلفاء، وتخفيف الوجود العسكري الأمريكي إلى أدنى درجة ممكنة، مشيراً إلى أن بايدن أعلن أنه سيقلل حضور بلاده العسكري في المناطق غير المعقدة، مع الإبقاء على قوات خاصة لتنفيذ عمليات معينة، كما أنه جعل القوة خياراً أخيراً في المنطقة، وقال إنه لن يترك في المنطقة سوى ما بين 2000 و2500 جندي لمساعدة الشركاء والانتقال من القيادة إلى الدعم في مواجهة التهديدات".
وأكد أن عملية الانسحاب لا بد أنها خضعت لدراسات مفصلة وحسابات عالية المستوى داخل البيت الأبيض، لذلك ما يجري هو جزء من استراتيجية بايدن التي وضعها للمنطقة.
ويرى الفلاحي أن الانسحاب الأمريكي دون ترتيب مع دول المنطقة يعزز من نفوذ إيران في المنطقة، ويزيد من خطرها على دول الخليج التي لا تمتلك غطاء دفاعياً يمكنها من مواجهة الخطر الإيراني المتزايد. وأكد أن هذه الاستراتيجية ستضع دول المنطقة أمام "تهديدات جدية وكبيرة، وربما تدفعها لتقديم تنازلات كبيرة لدول مثل الصين".
وسبق أن طالب أوباما، بحسب الفلاحي، قادة الدول العربية بأن عليها حماية دولها لأن واشنطن ستكتفي بتقديم الدعم وتحويل قوتها إلى مناطق أكثر أهمية بالنسبة لها. واعتبر أن إدخال "إسرائيل" ضمن القيادة المركزية بالمنطقة هو جزء من خطة الانسحاب الأمريكي، ومنح "تل أبيب" دور الحامي لمصالح واشنطن في المنطقة، وفق "الفلاحي".
التفاف أمريكي
د. ماجد التركي، رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية في الرياض، قال إن القرار هو جزء من الالتفاف الأمريكي، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية تعاني ارتباكاً في التعاطي مع الأوضاع في الشرق الأوسط.
وفي تصريح لقناة "الجزيرة" قال التركي إن إيران لم تتجاوب حتى اللحظة مع الليونة الأمريكية في الملف النووي، ووقعت شراكة استراتيجية مع الصين جزء منها عسكري يقلق دول المنطقة، معتبراً أن السلوك الأمريكي يعطي مؤشراً على تأثير الوضع الاقتصادي الأمريكي على قرارات الإدارة المتعلقة بالمنطقة.
وأشار إلى أن التعاطي الأمريكي غير القوي مع المخاطر التي تحيط بدول الخليج، وخاصة الخطر الحوثي على السعودية، سيدفع دول المنطقة إلى البحث عن مصالحها، مؤكداً أن هناك مصالح مشتركة بين الخليجيين والأمريكيين، وأنه يمكن للخليجيين البحث عن مصالحهم مع قوى أخرى.
إعادة ترتيب العلاقات
د. صالح المطيري، رئيس مركز المدار للدراسات في الكويت، قال إنه ليس متفاجئاً بالقرار؛ لأنه يأتي في سياق تخفيف الحضور الأمريكي العسكري في عدد من دول المنطقة، مشيراً إلى أن إدارة بايدن وعدت منذ فترة الانتخابات بتغيير سياسة واشنطن في المنطقة.
وأكد المطيري، في مداخلة مع "الجزيرة"، أن أمريكا تعيد ترتيب علاقاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة، وخاصة السعودية، إضافة إلى أنه قد يكون مؤشراً على قرب التوصل لاتفاق جديد مع إيران، مضيفاً أن "سحب القوات الأمريكية غالباً ما يصطدم بعقبات على أرض الواقع".
ولفت إلى أن المهم حالياً هو كيف ستتعامل دول الخليج مع هذه المخاطر المحيطة بها في ظل هذه السياسة الأمريكية، لكنه أكد أيضاً أن الولايات المتحدة لن تتخلَّ عن حضورها في الخليج بشكل كبير، معتبراً أن القرار الأخير يحمل بعداً سياسياً يتعلق بإعادة ترتيب العلاقات أو إبعاد دول الخليج عن ملف التفاوض مع إيران".