الخليج أونلاين-
بدأت التصريحات الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية مؤخراً تتخذ لهجة أقل حدة مما كانت عليه فور تولي الإدارة الجديدة السلطة، في يناير الماضي، وذلك بالتزامن من تحركات جادة لحلحلة بعض الملفات محل الخلاف بين البلدين.
وفي تطور جديد على صعيد التصريحات قال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، إن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، مشيراً إلى وجود مصالح مشتركة بين البلدين تحلق فوق كثير من الخلافات.
وكانت إدارة جو بايدن قد شنت حملة تصريحات ضد ولي العهد السعودي في بداية حكمها، وانتقدت الملف الحقوقي للممكلة، وأجازت في فبراير الماضي، نشر تقرير بشأن مسؤولية بن سلمان عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، عام 2018.
ولاحقاً علقت الإدارة الأمريكية مبيعات أسلحة للسعودية؛ سعياً لوقف الحرب اليمنية المستمرة منذ سبع سنوات، قبل أن تسمح بتمرير صفقات تتعلق بمنظومات دفاعية للرياض، تأكيداً لالتزامها بمساعدة المملكة في الدفاع عن نفسها.
لهجة جديدة
وشهدت الأيام الأخيرة لغة أكثر تصالحية من كافة الأطراف، وذلك مع دخول مفاوضات إحياء الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران مرحلة متقدمة، وأيضاً بعد اتخاذ الرياض خطوات كبيرة على طريق وقف حرب اليمن وتصحيح العلاقات مع إيران.
وقال بلينكن خلال حديث لقناة "سي إن إن" الأمريكية، نشر الثلاثاء 27 أبريل: "حينما يصل الأمر إلى موضوع خاشقجي وقتله الشنيع أعتقد أن ما رأيته هو أن الولايات المتحدة صادقت على نشر تقرير في وضح النهار أشار بوضوح إلى المسؤولين ودور ولي العهد".
وأكد الوزير الأمريكي أن واشنطن ستعمل مع ولي العهد، على الرغم من اتهامها له بالضلوع في قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي، مضيفاً: "لقد تحدثنا سابقاً عن أنه يجب علينا أن نفكر في سبل دفع مصالحنا وقيمنا بالطريقة الأكثر فعالية".
وتابع: "سواء يعجبنا هذا الأمر أم لا سنكون بحاجة إلى مواصلة العمل مع السعودية التي لا تزال شريكة في مجالات كثيرة. ومن بين الأشياء التي نحاول القيام بها، كما تعرفون، إنهاء الحرب في اليمن".
ومنذ وصوله للحكم لم يجرِ الرئيس الأمريكي جو بايدن أي اتصال بولي العهد السعودي، وقال البيت الأبيض في أكثر من إفادة إن الرئيس تواصل مع الملك سلمان بن عبد العزيز، كونه نظيره في المملكة.
توافق سعودي أمريكي
ويبدو أن المتغيرات التي شهدتها عدة ملفات مشتركة مؤخراً تركت بصمة إيجابية على العلاقات بين البلدين، خاصة أنهما تؤكدان وجود مصالح استراتيجية لا يمكن تجاهلها بينهما.
وقد أكد ولي العهد السعودي في لقاء تلفزيوني أذيع، الثلاثاء 27 أبريل، أن هامش الاختلاف مع الولايات المتحدة "طبيعي جداً"، وقال إن هناك توافقاً سعودياً مع إدارة جو بايدن في 90% من القضايا المشتركة، مشيراً إلى أن هذا الهامش قد يزيد أو يقل، بحسب الظروف".
وأكّد أن المملكة "ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية"، دون أن يشير لوجود ضغوط من عدمها.
وأطلقت السلطات السعودية عقب فوز بايدن سراح الناشطة لجين الهذلول، التي تسبب اعتقالها في توجيه انتقادات واسعة للمملكة، بيد أنها خرجت بعد قضاء فترة محكومية قضت بها محكمة سعودية، وما تزال خاضعة لتدبير احترازي يمنعها من السفر.
ومن بين أبرز الملفات العالقة بين واشنطن والرياض حرب اليمن والعلاقة مع إيران، وقد اتخذت الرياض مؤخراً خطوات لتفكيك هذه الأزمات، حيث أطلقت مباردة لوقف القتال في اليمن الشهر الماضي، رفضها الحوثيون، كما أعربت مؤخراً، بشكل لا لبس فيه، استعدادها لتصحيح العلاقات مع إيران.
وقال ولي العهد السعوي في حديثه الأخير إن بلاده تأمل في أن يقبل الحوثيون بوقف القتال في اليمن، كما أكد أن المملكة لا تريد إيران في وضع صعب، وقال إن إيران دولة جارة، وإن المملكة ترغب في إيجاد مصالح مشتركة معها.
وتزامنت هذه التصريحات مع أنباء عن وجود مفاوضات غير معلنة بين الرياض وطهران برعاية عراقية، كما طالب وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، الحوثيين بوقف حرب اليمن، وذلك خلال لقاء بمسؤولين حوثيين في مسقط، الأربعاء 28 أبريل.
هذا التداخل في عدد من الملفات دفع الإدارة الأمريكية الجديدة على ما يبدو إلى إعادة النظر في موقفها من الرياض، وتحديداً من التعامل مع ولي العهد، الذي يوصف بأنه الحكام الفعلي للمملكة.
وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي أن ولي العهد "سيكون زعيماً للسعودية لفترة طويلة مستقبلاً"، وقال: "علينا العمل مع زعماء في كل أنحاء العالم تورطوا في تصرفات نعارضها أو في بعض الأحيان نعتبرها مستهجنة. لكننا نفعل ذلك من أجل تمرير مصالحنا وقيمنا".
وسبق أن أكدت واشنطن عزمها مراجعة العلاقة مع الرياض في ظل ما يصلها من تقارير بشأن حقوق الإنسان وحرب اليمن، ويبدو أنها اكتفت بالخطوات التي اتخذتها خلال الفترة الماضية، وقررت المضي قدماً في العمل مع المملكة.
تبريد المخاوف
الدكتور خالد الجابر، مدير مركز مينا للدراسات، قال: إن "هناك تحولات كبيرة في سياسة الولايات تجاه العديد من قضايا الشرق الأوسط، خاصة في ظل تقدم مفاوضات الملف النووي مع إيران، بشكل ملحوظ".
وأضاف الجابر في تصريح لـ"الخليج أونلاين": إن "تمرير أي اتفاق مستقبلاً مع إيران يرتبط بتبريد مخاوف العديد من دول المنطقة، ولا سيما السعودية وإسرائيل، مشيراً إلى أن تصريحات بلينكن الأخيرة تصب في اتجاه تخفيف المخاوف السعودية".
ويرى الجابر أن "تصريحات بلينكن الأخيرة، وأيضاً التصريحات الأمريكية بشأن مخاوف إسرائيل، تهدف بالدرجة الأولى إلى تبريد مخاوف الدول التي تعرف الولايات المتحدة أن أي اتفاق مع إيران لن يرضيها".
ويعتقد مدير مركز مينا للدراسات أن "لدى الولايات المتحدة مخاوف جدية من ردة فعل خليجية عكسية إذا شعروا بالخوف على مصالحهم عبر تطوير العلاقات مع روسيا أو الصين، الخصم الجديد القوي للولايات المتحدة".
الخليجيون، وخاصة السعودية، قد يتجهون لإبرام اتفاقات مع الصين، وقد يشترون منها الأسلحة -كما يقول الجابر- الذي لفت إلى أن السعودية هي أكبر مستورد للسلاح في العالم، فضلاً عن أنها أكبر مصدر للنفط عالمياً.
كما أوضح الجابر أن "واشنطن تنظر بجدية إلى إمكانية تحول النفط وشراء الأسلحة إلى آلية ضغط سعودية فاعلة خلال أي مواجهة مقبلة، خاصة أن حرب اليمن ما تزال مستمرة والتهديد الإيراني ما يزال قائماً".
ورغم التصريحات الإيجابية الأخيرة التي أطلقتها السعودية بشأن إيران، فإن واشنطن تدرك تماماً أن الملف الإيراني سواء على مستوى التهديدات أو الملف النووي هو ما يشغل الرياض ويحدد طريقة تعاملها مع الولايات المتحدة.
بناء على ما سبق، يعتقد الجابر أن سياسة واشنطن القادمة ستكون محددة بهذه الأمور، خاصة أنهم يعتبرون أن أقصى ما يمكن عمله في ملف خاشقجي هو نشر التقرير المخابراتي المتعلق بمسؤولية ولي العهد عن هذا الأمر.
وأكد في هذا السياق أن الحديث الدائر حالياً هو إنهاء الحرب في اليمن، مشيراً إلى أن "هذا الأمر يمثل رغبة مشتركة بين واشنطن والرياض، وهو ما أدى لتغير اللغة الأمريكية تجاه الأصدقاء في المنقطة".
وتوقع المحلل السياسي أن تشهد الفترة المقبلة "تقارباً أكبر بين الولايات المتحدة والرياض في العديد من الملفات العالقة في منقطة الخليج، خاصة أن إدارة بايدن لا يمكنها فعل أكثر مما فعلته مع الرياض في مختلف القضايا الخلافية".
وقالت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، الأربعاء 28 أبريل، إن إدارة بايدن سترسل هذا الأسبوع وفداً إلى المنطقة لتهدئة مخاوف الحلفاء من أي اتفاق محتمل مع إيران.
وفي فبراير الماضي، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، أن السعودية عمود أساسي في بنية الأمن الإقليمي، إضافة إلى أنها "شريكة في مكافحة الإرهاب ومواجهة التصرفات الإيرانية المزعزعة للاستقرار".
وأكدت الخارجية الأمريكية مؤخراً أن تحديد نوعية الأسلحة التي يتم بيعها للرياض مرهون بالظروف، وقد أكدت هذا الأسبوع أنها لا يمكن أن تتخلى عن الرياض وهي تتعرض لهجمات يومية.