انسايد أرابيا – ترجمة الخليج الجديد-
تنسجم التحركات السعودية الأخيرة تجاه رئيس النظام السوري "بشار الأسد" مع الجهود الدبلوماسية لكسب إدارة "بايدن" وتحسين علاقات المملكة المتوترة مع الولايات المتحدة. بمعنى آخر، يبدو أن الهدف هو واشنطن وليس دمشق.
وقد أكدت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى أن وفدًا سعوديًا بقيادة رئيس المخابرات الفريق "خالد الحميدان" سافر إلى دمشق خلال الأسبوع الأول من مايو/أيار 2021. والتقى الجنرال السعودي في العاصمة السورية مع "الأسد" ونائبه للشؤون الأمنية اللواء "علي مملوك".
وأفادت الأنباء أن المملكة رحبت خلال الاجتماع بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية (تم استبعادها في عام 2012 بعد القمع الوحشي ضد الحراك الشعبي الذي انطلق في مارس/آذار 2011).
وأدت الحرب الأهلية إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين على مدى عشر سنوات، فيما نزح نحو 10 ملايين مواطن - أكثر من نصف السكان - داخليًا وخارجيًا، مما أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة.
وبعد فترة أكثر من عام على اندلاع الحرب الأهلية، دعت الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر دولي بهدف إيجاد حل للأزمة، والذي عُرف لاحقًا باسم مؤتمر جنيف الأول حول سوريا (عقد في 30 يونيو/حزيران 2012 في جنيف) وحضره الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن - الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - إلى جانب دول أوروبية وشرق أوسطية، بما في ذلك السعودية.
وأصدر المؤتمر بيانا ختاميا لكنه أخفق في المطالبة برحيل "الأسد". وكان فشل المؤتمر في الدعوة إلى الإطاحة برئيس النظام السوري مؤشراً على أن الحرب الأهلية ستستمر وأن القوى العظمى المعنية لديها أجندات متضاربة.
ومع تحول الاضطرابات إلى حرب أهلية واسعة النطاق، دخلت فصائل مختلفة المعركة. ودعمت الولايات المتحدة وتركيا ودول أخرى مثل السعودية بعض فصائل المعارضة. وانخرطت السعودية، على وجه الخصوص، بشدة في تسليح وتمويل جماعات المعارضة. في المقابل، دعمت روسيا وإيران و"حزب الله" اللبناني النظام السوري.
وفي عام 2015، كثفت روسيا دعمها للنظام السوري وبدأت بضربات جوية ضد جماعات المعارضة. وصعدت الولايات المتحدة تدخلها العسكري أيضًا ردًا على التهديد المتنامي لتنظيم "الدولة الإسلامية". لكن في عام 2019، أعلنت إدارة "ترامب" سحب جنودها من شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية ومنحت الجيش التركي الضوء الأخضر لتوسيع تواجده في المنطقة، ما زاد من تعقيد الوضع على الأرض.
وبحلول ذلك الوقت، أصبحت قوى كبرى مختلفة، ذات مصالح متضاربة، منخرطة في الحرب السورية. وتوالت ضربات الطائرات الحربية الإسرائيلية على مواقع داخل سوريا، فيما تواصل القصف الروسي ضد جماعات المعارضة، ووسع الجيش التركي من انخراطه في القتال؛ في الوقت الذي دفعت فيه إيران بمليشيات موالية من العراق ولبنان وأفغانستان دعماً للنظام السوري.
وقبل اجتماع دمشق في مايو/أيار المنصرم، اجتمع مسؤولون سعوديون وإيرانيون في بغداد في أبريل/نيسان لمناقشة سبل تهدئة التوتر في العلاقات بين البلدين.
وجاءت هذه التطورات السريعة مع استئناف الإدارة الأمريكية الجديدة اجتماعاتها مع إيران في فيينا، في محاولة لإحياء الاتفاق النووي. وفي غضون ذلك، كانت الولايات المتحدة تعيد تقييم موقفها تجاه السعودية. وأكدت الخارجية الأمريكية أن الرئيس "بايدن" سيتعامل مع العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبد العزيز"، مرسلاً رسالة واضحة إلى نجله ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، مفادها أنه غير مرحب به في الشؤون الدبلوماسية.
كما أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية للسلطات السعودية أنها ترغب في رؤية نهاية للحرب في اليمن. ولمنع تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، تراجعت واشنطن عن قرار إدارة "ترامب" تصنيف جماعة "الحوثي" الموالية لإيران كمنظمة إرهابية.
وأبلغت إدارة "بايدن" السعوديين أنها تريد رؤية تحسن في سجل حقوق الإنسان في المملكة. ولا بد أن هذا الطلب كان مصدر قلق للعائلة المالكة السعودية، بالنظر إلى الضغوط الدولية التي يواجهونها بالفعل في قضية مقتل الصحفي "جمال خاشقجي".
وعلى خلفية هذه التطورات، شرع المسؤولون السعوديون في حملة تهدف إلى إعادة ضبط خيارات السياسة الخارجية الخاصة بهم، مع الأخذ في الاعتبار التقارب الدبلوماسي الجديد الذي يحدث بين اللاعبين الرئيسيين في المنطقة.
بينما يُتوقع قريبًا اتخاذ إجراءات مصالحة جديدة بين الرياض ودمشق، إلا أنه لا ينبغي النظر إلى تخفيف التوتر السياسي في سوريا على أنه حل للأزمة، حيث لا تزال سوريا ساحة لعب تغري العديد من القوى الدولية والإقليمية للتنافس على النفوذ.
وورد أن وزير الخارجية الأمريكي، "أنتوني بلينكين"، أشاد باللقاءات السعودية الإيرانية. وفي مقابلة مع "الفاينانشيال تايمز"، نُقل عن "بلينكين" قوله "إذا كانوا يتحدثون، أعتقد أن هذا أمر جيد بشكل عام".
وإدراكًا منهم لاستياء الولايات المتحدة من الحرب الجارية في اليمن، يعتقد المسؤولون السعوديون أن إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية سيقنع الإيرانيين بالضغط على الحوثيين للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وفي الوقت نفسه، لم يتوقف الحوثيون عن مهاجمة المدن السعودية والمنشآت النفطية ومواقع البنية التحتية الأساسية الأخرى بطائرات بدون طيار وصواريخ بعيدة المدى قدمتها إيران.
ويعتبر الهدف النهائي للسعودية هو إقناع إيران باستخدام نفوذها على الحوثيين لوضع حد للحرب المستمرة في اليمن. ومن المؤكد أن نهاية هذا الصراع العسكري ستشكل بادرة حسن نية يمكن أن تمهد الطريق لمفاوضات سلسة بين الولايات المتحدة وإيران.
وفي إطار مساعيها الدبلوماسية لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، قد يكون تقارب السعودية مع سوريا من أجل وضع حد لحرب اليمن خيارًا سهلاً لأنه من المعروف جيدًا أن النظام الملكي السعودي لم يكن سعيدًا بالحركات المؤيدة للديمقراطية في سوريا.
وقد بدأ حلفاء المملكة - مصر والإمارات والبحرين - بالفعل مثل هذا التقارب قبل عامين. وأعادت الإمارات مؤخرًا فتح سفارتها في دمشق، في خطوة لم تتقبلها المملكة.
أخيرًا، تظل إعادة ضبط السياسة الخارجية أسهل بكثير بالنسبة للسعودية من إجراء تغييرات على سياساتها الداخلية. وسيكون من الصعب للغاية الدفاع عن انتهاكات حقوق الإنسان داخل المملكة، لكن تمهيد العلاقات مع سوريا وإيران قد يوفر فرصًا أكبر.