(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
كشف تقرير صحيفة جلوب الصهيونية جانبًا كبيرًا من خيبة الأمل الإماراتية بعد الإندفاعة المهينة للتّطبيع مع العدو، والتي يبدو معها أنّ الإمارات قد عوّلت عليها للقفزة إلى قيادة المنطقة بما يتجاوز كثيرًا حجمها ووزنها التاريخي والجغرافي والسياسي.
ويبدو أنّ الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن قد ثار على إرث ترامب لما سبّبه من خللٍ كبير في الإقليم وفي الصورة العامة للولايات المتّحدة دوليًا، وبما تسبّب به من خطر على الأمن القومي الأمريكي، بسبب التّصعيد غير المحسوب ووضع الأمور في مسار يُنذر بحرب شاملة في إطار توازنات جديدة، وهو ما سيمرّغ أنف أمريكا في تراب المنطقة وينزع عنها بقايا هيبتها الدولية.
ولا شكّ أنّ أهم ملامح إرث ترامب فيما يتعلّق بالشّرق الأوسط، هو العلاقات الحميمة مع الإمارات والسعودية بنسختي محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، واللّتان تتميّزان بالطموح الشديد المتهوّر والمتجاوز للأعراف، بل وللمنطق والعقل!
وكانت الضّربة الأولى التي وجّهتها إدارة بايدن لهذا الإرث، هي تجميد صندوق "إبراهام"، والذي أنشأه ترامب لخدمة التّطبيع، والذي استقال رئيسه فور سقوط ترامب وتولي بايدن، واتّجه بايدن لتجميده، مجمّدا معه الأشواق والطموحات الإماراتية غير المحدودة.
وقد أفادت وسائل إعلام عبرية بأنّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ترفض تخصيص ميزانية إلى مشاريع إقليمية تشمل (إسرائيل)، بالتّزامن مع بروز توتّرات في مجال الأعمال بين (إسرائيل) والإمارات.
ونقلت صحيفة Globes الصهيونية عن مصادر مقرّبة من الملف تأكيدها أنّ إدارة بايدن علّقت حتّى موعد غير محدّد أنشطة "صندوق أبراهام" الذي تمّ إنشاؤه في عهد سلفه، دونالد ترامب، وكان من المفترض أن يخصّص استثمارات بقيمة ثلاثة مليارات دولار إلى مشاريع تنموية تشمل (إسرائيل) والدول العربية التي قرّرت تطبيع العلاقات معها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي بارز قوله، أنّ البيت الأبيض مهتمّ بتطبيق "اتّفاقيات أبراهام" وتوسيعها، لكنّه سيركّز في هذا الصّدد على البُعد الدبلوماسي، مؤكّدا تجميد أنشطة "صندوق أبراهام" حتّى موعد غير محدّد، فيما قال مصدر إسرائيلي إنّ استئناف أنشطة الصندوق ليس مطروحًا على أجندة المفاوضات بين تل أبيب وواشنطن حاليًا.
كما أوضحت الصحيفة أنّ شركة "موانئ دبي العالمية" تنتظر تطوّرات محتملة بشأن مناقصة لتطوير ميناء حيفا وتنوي المشاركة فيها، لكن أبرز "نقطة ساخنة" على الأجندة الثنائية تعود إلى مشروع خط أنابيب النّفط "أوروبا-آسيا" الذي يقضي بتمديد خط الأنابيب الذي يربط بين مدينة إيلات المطلّة على البحر الأحمر، ومدينة عسقلان المطلّة على البحر المتوسط ، إلى الإمارات، ممّا يتيح للدولة الخليجية ضخ نفطها عبر (إسرائيل) إلى أوروبا مباشرة.
وتناول تقرير الصحيفة، أنّ هناك دعوات في الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى إلغاء الإتفاقية المبرمة مع الإمارات بهذا الخصوص، بسبب معارضة وزير حماية البيئة، تمار زاندبرغ، وبعض الوزراء الآخرين للمشروع، ومن المقرّر أن تدرس محكمة العدل العليا الإسرائيلية هذه المسألة.
وأقرّت الصحيفة بأنّ الخلاف المتصاعد الجديد بشأن هذا المشروع يؤدي إلى تفاقُم العلاقات بين الدولتين، بالإضافة إلى حوادث دبلوماسية مثل إلغاء وزير خارجية إسرائيل، يائير لابيد، خلال زيارته إلى أبوظبي مؤخّرًا، لقاءات مع رجال أعمال إماراتيين بارزين.
وحذّر مصدر في قطاع الأعمال في الإمارات للصحيفة من أنّ تراجع (إسرائيل) عن الإتفاق المُبرم بشأن المشروع النّفطي سيضرّ بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين وسيشكّل عامل ردع بالنسبة للشركات الإماراتية في المستقبل، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنّ تطبيق المشروع بنجاح دون عوائق سيبدّد المخاوف الإسرائيلية وسيفتح آفاقًا هائلة لتوسيع الإتفاقية.
وفي تقرير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" ، أكّد التّقرير أنّ "صندوق أبراهام" تلقّى خلال فترة بين أكتوبر2020 ويناير 2021 نحو 250 طلبًا من الإمارات ومصر والأردن والبحرين ودول أخرى من الشرق الأوسط، وتمّ اختيار 15 منها أرسلت لاحقًا للموافقة عليها إلى مقرّ DFC في واشنطن.
وأجرى الموظّفون في DFC تقييمًا لهذه المشاريع استنادًا إلى مسألة ما إذا كانت تخدم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية ويمكن أن تولد عائدًا لدافعي الضرائب الأمريكيين وأن تساعد البلدان المضيفة على التحوّل من دول متلقّية إلى دول مانحة.
وأشارت "تايمز أوف إسرائيل" إلى أنّ DFC، خلافًا عن الوكالة الأمريكية للتّنمية الدّولية (USAID)، لا تقدّم منحًا بل تقدّم قروضًا مع توقّع عائد على الإستثمار.
وأكّدت الصحيفة الإسرائيلية زيادة التّساؤلات بشأن مدى شفافية الصندوق وتسييس أنشطته.
ونقلت عن رئيس قسم التجارة الخارجية في اتّحاد المصنّعين الإسرائيليين، دان كاتريفاس، قوله للصحيفة إنّه حاول معرفة كيفية تقديم مشاريع إلى "صندوق أبراهام" فور الإعلان عنه، لكن لم تكن هناك شفافية فيما يتعلّق بعملية تقديم الطلبات أو المعايير، ولم يكن واضحًا ما هي أولويات الصندوق وما الذي سيستثمر فيه، خاصّة وأنّ منظّمي الصندوق لم يطلقوا موقعًا إلكترونيا له ولم يصدروا دعوات رسمية لتقديم العطاءات".
وهنا نحن بصدد صندوق سياسي فقط لرشوة المطبّعين، ويبدو أنّ إدارة بايدن تعمل بشكلٍ واقعي مع الميزانية الأمريكية والأزمة الاقتصادية ولا تمتلك رفاهية الرّشاوى الاقتصادية، إضافة إلى أنّها تريد إبقاء التّطبيع في الزاوية الدبلوماسية لحصد نتائج سياسية دون استفزاز محاور أخرى حليفة لأمريكا مثل مصر والأردن، حيث ستتأثّر اقتصادياتهم بالسّلب نتيجة مشروعات إماراتية إسرائيلية، وهو مضرّ لأمريكا والتي ترغب إدارتها الجديدة في الإعتماد على المحور التقليدي للـ(الإعتدال)، ممثّلاً في مصر والأردن لتهدئة الصراع في غزّة والقدس، بينما ترى أنّ المسار المعتمد على إرث ترامب سيقود للتّفجير، وهو ما لا تتحمّله أمريكا، ولا تراه في صالح ربيبتها (إسرائيل)!
وما يضفي على هذه المقاربة وجاهة، ما رشح حديثًا من تسريبات برنامج التّجسس الإسرائيلي "بيغاسوس"، وكشف تجسّس الحلفاء على بعضهم البعض، وفضح ممارسات السعودية والإمارات تمهيدًا لإسقاطهم درجات كبيرة في سلم العلاقات الحميمية مع الإدارة الأمريكية، واستبدالهما بمصر والأردن وقطر، ناهيك عن القبض على توم باراك، كبير لوبي الضغط الإماراتي في أمريكا، وتوجيه اتّهامات مشينة له بالعمالة للإمارات!
يبدو أنّ الإمارات خاب أملها في صفقة الأشواق للقيادة غير المستحقّة، ومعها خاب أمل بن سلمان، وهو ما أبرز التناقضات وأخرج الخلاف والصراع السعودي الإماراتي للعلن، بحثًا عن القيادة من أبواب أخرى، وهو ما أصبح الخليج معها ساحة للصراع الداخلي، ناهيك عن احتمالية تحوّله لجبهة حرب إقليمية، إذا أصرّت الإمارات على المُضي في شوط الخيانة والتّطبيع والعبث بالأمن الجماعي للخليج.