آديتي باوا/ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد-
قبل أسبوعين، اعتقلت السلطات الأمريكية الملياردير "توم باراك"، وهو صديق قديم لـ"دونالد ترامب" وأكبر جامع تبرعات لحملته الرئاسية عام 2016، وذلك بتهمة العمالة لحكومة أجنبية هي دولة الإمارات.
لكن المثير للاستغراب أنه لم يحدث نقاش حول تورط الإمارات في مخطط آخر للتدخل في سياسات الولايات المتحدة، ويبدو أن السر في ذلك يكمن في الصمت الرهيب لمؤسسات الفكر والرأي الأمريكية التي تهتم عادة بفضائح السياسة الخارجية الأمريكية التي من هذا النوع.
وتمتلك هذه المراكز تأثير كبير على توجيه النقاشات بشأن السياسة الخارجية الأمريكية، باعتبارها من أكبر اللاعبين في مجال الأبحاث والآراء والتي توجه قرارات الأعضاء الرئيسيين في حكومة الولايات المتحدة.
صمت مريب
وسابقا، ركزت مراكز الفكر على النفوذ غير المشروع للدول الأخرى، مثل روسيا والصين، ويمكنك أن تبحث عن "التدخل الروسي" على مواقع المؤسسات البحثية البارزة مثل "أتلانتك كاونسل" وستكتشف عشرات المقالات والتقارير والتعليقات للباحثين حول التدخل الروسي في الديمقراطية الأمريكية، كما كتبت مؤسسات ذات انتماءات أيديولوجية مختلفة عن عمليات النفوذ الصينية.
وبالرغم أن لائحة اتهام "باراك" تؤكد أن ديكتاتورية أجنبية دبرت حملة نجحت في التأثير على رئيس الولايات المتحدة في قضايا السياسة الخارجية الرئيسية، إلا أن أبرز مراكز الفكر المعنية بالسياسة الخارجية كانت صامتة بشأن دور الإمارات في عملية التأثير غير المشروعة هذه.
ويأتي ذلك في أعقاب الصمت المطبق للمؤسسات الفكرية تجاه تورط الإمارات في تقديم أكثر من 3.5 مليون دولار من المساهمات غير القانونية في حملات من 2016 إلى 2018، فضلا عن إنفاق الإمارات 2.5 مليون دولار على حملة سرية لتحريض الكونجرس ضد منافستها قطر في عام 2017.
إذن، لماذا يُقابل تدخل نظام استبدادي مثل الإمارات في السياسة الأمريكية، بشكل مختلف عن التدخل من قبل أنظمة استبدادية أخرى مثل روسيا والصين؟ السبب واحد وهو المال.
ارتباط التمويل بالصمت
لا توجد دكتاتورية أخرى في العالم تمنح مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية أموالاً أكثر من دولة الإمارات، ويُلاحَظ أن العديد من المؤسسات الفكرية التي لا تزال صامتة هي نفس المؤسسات البحثية التي تلقت دعمًا ماليًا كبيرًا من الإمارات.
وعلى سبيل المثال، وفقًا لأحدث تقرير مالي لمؤسسة "أتلانتك كاونسل"، فقد تبرعت سفارة الإمارات في واشنطن بما لا يقل عن مليون دولار للمنظمة بين عامي 2019 و 2020.
وبعد فترة وجيزة، عقد "أتلانتك كاونسل" منتدى الطاقة العالمي السنوي الرابع بالشراكة مع "شركة بترول أبوظبي الوطنية" وغيرها من شركات الطاقة النووية والبترول.
وقبل ذلك، تلقت "أتلانتك كاونسل" ما لا يقل عن 4 ملايين دولار من الإمارات بين عامي 2014 و 2018، وفقًا لتحليل الإفصاحات المالية التي أجراها "مركز السياسة الدولية". وأتاح هذا التمويل للإمارات فرصة التعليق على إصدارات "أتلانتك كاونسل" قبل نشرها.
وتصدرت "أتلانتك كاونسل" عناوين الأخبار في مارس/آذار عندما انتقد 22 من موظفي المركز علنًا أطروحة قدمها زميلان لهم من نفس المركز، بدعم من الملياردير "تشارلز كوك"، بدعوى أن تمويله تسبب في انحياز لروسيا في الأبحاث.
وبالرغم من هذا النقد الصريح للتمويل من مواطن أمريكي، فإن "أتلانتك كاونسل" لم تتحدث عن اتهام الإمارات مرة أخرى بإدارة عملية نفوذ غير مشروعة داخل الولايات المتحدة، وفق ما ورد في لائحة اتهام "باراك".
ومن بين الموظفين الـ 22 الذين سارعوا إلى التشكيك في تمويل زملائهم، علق واحد فقط علنًا على الديكتاتورية الأجنبية التي تبرعت بالملايين إلى "أتلانتك كاونسل"، ويتجلى مرارًا وتكرارًا تورطها في التأثير على السياسة الأمريكية.
وتتطلب سياسة الاستقلال الفكري للمنظمة "موافقة جميع الجهات المانحة على أن لا تتذخل في المحتوى والاستنتاجات"، لكن يبدو أن هذا النوع من الالتزام لا يمنع الصمت بشأن التجاوزات المحتملة للجهة المانحة.
وقال متحدث باسم "أتلانتك كاونسل" عبر البريد الإلكتروني لموقع "ريسبونسبل كرافت" الأمريكي، إن "المنظمة تتعامل بشفافية بشأن مموليها ويتمتع خبراؤنا باستقلال فكري كامل، وأي حديث بخلاف ذلك سيكون خاطئًا. لقد كتب الموظفون في أتلانتك كاونسل انتقادات لسياسات الإمارات وكشفوا عن جهود التأثير، وكلها متاحة للجمهور".
لكن فحص موقع "أتلانتك كاونسل" على الإنترنت يكشف حقيقة مختلفة، حيث لا توجد تغطية نقدية للإمارات بشكل عام، ولا يوجد شيء على الإطلاق يستهدف عمليات التأثير غير المشروعة للإمارات في الولايات المتحدة والتي حدثت بينما كان "أتلانتك كاونسل" يتلقى الملايين من الإماراتيين.
ولم يستجب متحدث باسم "أتلانتك كاونسل" لطلب للحصول على دليل على الكتابة النقدية العلنية المزعومة لموظفي "أتلانتك كاونسل" بشأن الجهود الإماراتية غير المشروعة.
حالة غير فردية
لكن "أتلانتك كاونسل" ليس حالة فردية، وإنما يُلاحظ وجود هذا النمط من الصمت بشأن قضايا الأمن القومي الأمريكي التي تتهم فيها الإمارات، لدى مراكز الأبحاث والرأي الأخرى التي تنشر خبراتها في السياسة الخارجية بينما تتلقى تمويلًا إماراتيًا.
وعلى سبيل المثال، دفعت الإمارات لمؤسسة "مركز الأمن الأمريكي الجديد" 250 ألف دولار في عام 2016 لإنتاج تقرير يشجع الولايات المتحدة على السماح ببيع طائرات عسكرية مسيرة للإمارات.
وبين عامي 2016 و2017 دفعت الإمارات 20 مليون دولار لـ"معهد الشرق الأوسط" في "مساهمة سرية" كشف عنها من خلال رسائل بريد إلكتروني مسربة، واستهدف التمويل تغيير المفاهيم حول الإمارات في الولايات المتحدة.
ويعد معهد "أسبن" أيضًا متلقيا كبيرًا للتمويل الإماراتي، حيث تلقى أكثر من 5 ملايين دولار من الإمارات منذ عام 2014 ونظم فعاليات متعددة بالشراكة مع الإماراتيين.
وفي ضوء هذا السجل من التمويل الإماراتي، لا يصبح من المستغرب عدم نشر "مركز الأمن الأمريكي الجديد" أو "معهد الشرق الأوسط" أو "معهد أسبن" تحليلات أو محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد الإمارات على دورها في التأثير غير المشروع على السياسة الأمريكية وفقا للائحة اتهام "توم باراك".
ازدواج معايير خطير
في نهاية المطاف، تعد قصة "باراك" مجرد حلقة جديدة فقط ضمن سلسلة من الأحداث التي سلطت الضوء على ضرورة التزام المؤسسات الفكرية بانتقاد تجاوزات الإمارات بنفس قدر جرأتهم في التعامل مع تجاوزات روسيا والصين وغيرها من الدول.
أما ما يحدث حاليًا فهو ازدواج معايير خطير. ومع أن التزام الصمت سيحفظ تمويل هذه المؤسسات، إلا أن لجوء صناع السياسات لها للحصول على رؤى موضوعية يجعل من الضروري تجنب تضارب المصالح للحفاظ على ثقة صانعي القرار. ويعني ذلك ضرورة توجيه تحليل نقدي للإمارات يكافئ ما يوجهونه للدول الأخرى، بغض النظر الأموال التي تدفعها الإمارات لهم.