ذي إنترسبت- ريان جريم، كين كليبنشتاين - ترجمة الخليج الجديد-
من خلال رفع أسعار الطاقة وزيادة معدلات التضخم العالمية، يحاول ولي عهد السعودية الأمير "محمد بن سلمان" الانتقام من الديمقراطيين بشكل عام والرئيس الأمريكي "جو بايدن" على وجه التحديد؛ بسبب السياسة غير الودية الذي يتبناها الحزب الديمقراطي بشكل متزايد تجاه المملكة.
بدا أن "بايدن" نفسه يلمح إلى ذلك، خلال جلسة حوارية مع شبكة "سي إن إن" الأخبارية الأمريكية الشهر الماضي؛ حيث أرجع ارتفاع أسعار الغاز إلى "سياسة خارجية" من إحدى الجهات، مضيفا: "هناك الكثير من الأشخاص في الشرق الأوسط الذين يريدون التحدث معي، لست متأكدا من أنني سأتحدث معهم".
كان "بايدن" يشير بشكل واضح إلى رفضه لقاء ولي العهد والاعتراف به كحاكم فعلي للسعودية بسبب دوره في القتل المروع للصحفي "جمال خاشقجي"، في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وجاءت هذه الخطوة تالية لتعهد "بايدن" خلال مناظرة مع الرئيس "دونالد ترامب" (إبان الحملة الانتخابية) بجعل "بن سلمان"، "منبوذا"، بما يمثل تراجعا حادا عن العلاقات الدافئة التي نسجها "ترامب" مع المملكة الصحراوية وولي العهد.
في عام 2017، خالف "ترامب" التقاليد باختياره العاصمة السعودية الرياض كقبلة لأول زيارة خارجية له إثر فوزه بالرئاسة، وسرعان ما أعلن عن صفقة سلاح بأرقام قياسية مع المملكة. ولاحقا، بعد اغتيال "خاشقجي"، أحد كتاب الأعمدة في صحيفة "واشنطن بوست"، وتقطيع جثمانه بوحشية داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، شكك "ترامب" في تورط "بن سلمان" في الجريمة، قائلا: "ربما فعل وربما لم يفعل". وبعد أن أطلع مدير وكالة المخابرات المركزية بإدارته الكونجرس على دلائل تورط "بن سلمان" بالجريمة، تحدثت تقارير صحفية عن أن "ترامب" تفاخر بجهوده لحماية ولي العهد، قائلا: "لقد أنقذت مؤخرته". ومنذ ذلك الحين، تم توجيه الاتهام للمستشار البارز لحملة "ترامب"، "توم باراك"، بتهمة العمل كعميل غير مسجل لدولة الإمارات أقرب حليف للسعودية.
في يونيو/حزيران 2018، مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، طلب "ترامب" من السعودية ومنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، التي تتزعمها المملكة، خفض أسعار الطاقة من خلال زيادة إنتاج النفط، وامتثلت المملكة لذلك. ولاحقا، انخفضت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها عام 2020 وسط جائحة "كورونا"، الذي أدت إلى انخفاض الطلب على الخام إلى مستويات قياسية. لكن الأسعار عاودت الارتفاع بمجرد تراجع حدة الوباء وإعادة فتح الاقتصاد، فطلب "بايدن" في أغسطس/آب من "أوبك" زيادة الإنتاج مرة أخرى.
هذه المرة رفض "بن سلمان"، الغاضب لأنه لم يحظ حتى الآن بمقابلة مع "بايدن"، وبسبب خطوة الانسحاب الأمريكي من الحرب في اليمن. وكواحد من أولى أعماله في الرئاسة، أمر "بايدن" بإنهاء الدعم الأمريكي لحرب السعودية والإمارات في اليمن، على الرغم من أنه حرمهما من خلال حظر دعم "العمليات الهجومية" فقط. ومع ذلك، تلقت المملكة ذلك كضربة موجعة.
"علي الشهابي"، وهو مواطن سعودي يعتبر صوتا لـ"بن سلمان" في واشنطن، أوضح ذلك في أكتوبر/تشرين الأول، عندما غرد عبر "تويتر"، قائلا: "بايدن لديه رقم هاتف الشخص الذي يتعين عليه الاتصال به إذا كان يريد أي خدمات".
وقال "الشهابي" لـ"ذي إنترسبت": "لقد بذلت السعودية الكثير من الجهد لتحافظ على تحالف أوبك+ متماسكا للعمل على مدار الأشهر الـ15 شهرا الماضية منذ أزمة هبوط أسعار العقود الآجلة للنفط إلى ما دون الصفر؛ لذا لن تتعارض مع الإجماع أو مع روسيا بشأن هذا. بجانب أن المملكة مستاءة من إلقاء اللوم عليها بسبب ما هو في الأساس مشكلة هيكلية ليست من صنعها في الولايات المتحدة والتي أعاقت إنتاجها للطاقة".
ويعتمد الاقتصاد الأمريكي اعتمادا كبيرا على الوقود الأحفوري، وفوق التكاليف التي يدفعها المستهلكون مباشرة للاستخدامات المنزلية للطاقة، فإن تكاليف الغذاء والسلع المصنعة معرضة بشدة لتقلبات أسعار الطاقة.
ومنذ الجلسة الحوارية لـ"بايدن" مع شبكة "سي إن إن"، ارتفعت أسعار الغاز أكثر؛ حيث وصلت الآن إلى حوالي 3.40 دولارات للجالون، وهو أعلى مستوى في 7 سنوات.
وتابع "الشهابي": "هناك احتمال أن تكون قادرا على خفضها (أسعار الغاز) والأمر يعتمد قليلا على السعودية وبعض الأشياء الأخرى في المستقبل القريب".
وأدلى "بايدن" بتصريحات مماثلة في قمة مجموعة العشرين في أكتوبر/تشرين الأول ، قائلا إن روسيا والسعودية ودول أخرى تمتنع عن إنتاج المزيد من الخام. وأضاف: "ذلك يعود بتأثير سلبي كبير على الأسر من الطبقة العاملة حتى لمجرد رحلة الذهاب إلى العمل والعودة كل يوم".
وقال أحد كبار مساعدي مجلس الشيوخ، غير المخول بالتحدث علنا، لـ"ذي إنترسبت": "لقد منحت الولايات المتحدة، من خلال سياساتنا الخاصة، سلطة لمحمد بن سلمان بمعاقبتنا اقتصاديا".
وقال "جون هوفمان"، محلل شؤون الشرق الأوسط، الذي كتب مؤخرا مقالا انتقاديا عن الإمارات و"محمد بن زايد"، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للبلاد، إن رفض "بن سلمان" إنقاذ "بايدن" من خلال فتح صنبور النفط محسوب في السياسة الخارجية.
وأضاف: "هم يعرفون بالتأكيد ما يفعلونه، وأولئك الذين يلعبون دور الأبرياء ويتصرفون وكأنها ليست استراتيجية منسقة هم إما جاهلون أو في جيوب بن سلمان وبن زايد".
وتكشف أثر سياسات النفط والاقتصاد والسياسة الخارجية هذا الأسبوع، مع مضي إدارة "بايدن" قدما في بيع أسلحة كبيرة إلى المملكة كانت عرقلتها بسبب حربها في اليمن، مع تعرضها لهجوم شديد من الناقدة البارزة للسعودية، النائبة "إلهان عمر" من ولاية مينيسوتا.
ويسلط بيع الأسلحة الضوء على المعضلة السعودية التي يواجها "بايدن"؛ لأن "بن سلمان" لا يريد الأسلحة فقط بل يريد الثناء دون صدور أي كلمة معارضة من أي ديمقراطي.
وقالت "تريتا بارسي"، نائبة الرئيس التنفيذي لـ"معهد كوينسي" والمنتقدة للسعودية، إن الخطوة التي اتخذها "بن سلمان" تهدف إلى تعزيز الجمهوريين، الذين يعتبرهم ولي العهد حليفا أكثر موثوقية. وأضافت: "أرى أنها جزء من استراتيجية سعودية أوسع لتفضيل الحزب الجمهوري؛ إذ يقدر بن سلمان أن رئيسا جمهوريا سيعيد الاستثمار في فكرة الهيمنة على الشرق الأوسط عسكريا؛ ما يجعل العلاقة مع المملكة مهمة مرة أخرى".
ودفعت التحالفات السياسية الإقليمية العديد من كبار قادة الشرق الأوسط إلى تفضيل قيادة الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة. ففي أعقاب سعي الرئيس الديمقراطي السابق "باراك أوباما" إلى الاتفاق النووي الإيراني في مواجهة معارضة من السعودية والإمارات وإسرائيل، تعزز التحالف بين الدول الثلاث.
وقالت "بارسي" إن "بن سلمان" يريد العودة إلى الأيام التي كانت فيها السعودية محصنة تماما من أي انتقاد، وتتلقى دعما أمريكيا دون طرح أي أسئلة. وأضافت: "بينما من الواضح أن بايدن لم يتخل تماما عن هذه السياسات على الرغم من تصريحاته، فإن الديمقراطيين- خاصة التقدميين- يضيفون المزيد من الاصطدام إليها وهم أكثر ترددا في إعادة تأهيل بن سلمان. لذا، فبالنسبة لبن سلمان على وجه التحديد، وكذلك حزب الليكود الإسرائيلي اليميني، والقادة في أبوظبي، فالرئيس والكونجرس من الجمهوريين أفضل كثيرا. وقد أظهرت جميع هذه الدول الثلاث بالفعل ميلا كبيرا للتدخل في السياسة الأمريكية".
قد يكون للتدخل السعودي في السياسة الأمريكية نيابة عن الحزب الجمهوري آثار عميقة على سياسات الطاقة النظيفة؛ إذ تتزايد دوافع الديمقراطيين القوية للابتعاد عن الاقتصاد القائم على النفط، الذي يمكن أن يقع ضحية للتلاعب من الخصوم السياسيين.
وقال "بايدن" خلال الجلسة الحوارية مع "سي إن إن": "الجواب في النهاية- أي خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة- هو الاستثمار في الطاقة المتجددة"، مقدما إطارا زمنيا متفائلا بدرجة غير واقعية، لكنه يصف الاتجاه الذي يخطط الديمقراطيون للذهاب إليه.
وفي غضون ذلك، يمكن أن يكون للجمهوريين قبضة ثابتة على إنتاج النفط، التي يمكنها بسهولة تحريك معدلات الموافقة أو الاقتراع العام في الكونجرس صعودا أو هبوطا حسب الرغبة. كل ما يتطلبه الأمر هو غض الطرف.