بلومبرج- حسين إبيش- ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
برزت مسألة الحيلولة دون نشوب حرب باردة محتملة بين الولايات المتحدة والصين كأولوية عليا في السياسة الخارجية لدول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، شريكي واشنطن الرئيسيين. لكن، كما يتضح من الجدل الأخير المتصاعد حول إنشاء ميناء صيني سري في الإمارات، فإن تحقيق التوازن بين القوة العظمى الحالية (الولايات المتحدة) والقوة الأخرى الصاعدة (الصين) أمر يزداد صعوبة بالنسبة للدول الأصغر.
فقد توقف بناء المنشأة الصينية بالقرب من العاصمة الإماراتية أبوظبي بسبب اعتراض واشنطن. وتصر الإمارات على أن ما يتم بناؤه هو مجرد ميناء شحن. ومع ذلك، فمن الطبيعي أن يشك المسؤولون الأمريكيون في أن الصين ربما تحاول إنشاء موطئ قدم عسكري في الخليج.
بالنسبة لدول الخليج، فإن المخاوف من إجبارها على الاختيار بين الولايات المتحدة، شريكها الاستراتيجي الرئيسي، والصين، أكبر زبون لها في مجال الطاقة، أصبحت الآن تضاهي التهديدات المنبثقة من إيران والجماعات الإسلامية التي تتراوح من "الإخوان المسلمين" إلى تنظيم "القاعدة". وتكشف هذه المخاوف الكثير عن الحقائق غير المؤكدة حول النفوذ في منطقة تعد بمثابة المركز لقطاع الطاقة في العالم.
وحتى مع تحويل الولايات المتحدة اهتمامها إلى التنافس مع الصين، ظل الخليج جزءا كبيرا من النقاش الجيوسياسي. فعندما كان الرئيس (الأمريكي الأسبق) "باراك أوباما" يدعو إلى "التحول إلى آسيا" لمواجهة صعود الصين، كان يقترح ضمنيا تحويل الموارد (العسكرية الأمريكية) بعيدا عن أوروبا والشرق الأوسط. استمر هذا الطموح في عهد الرئيسين السابق "دونالد ترامب" والحالي "جو بايدن". ومع ذلك، لم يحدث انسحاب كبير للموارد العسكرية الأمريكية من الخليج.
سبب هذا أن تركيز الولايات المتحدة اهتمامها على شرق آسيا يعني بالتبعية التخلي عن الخليج وموارد الطاقة فيه. ولا تزال معظم الاقتصادات الديناميكية في شرق وجنوب آسيا، بما في ذلك الصين، تعتمد على الطاقة المصدرة من الخليج. فالمنطقتان متشابكتان بشكل لا ينفصم.
ومع ذلك، فإن شركاء واشنطن العرب في الخليج لديهم كل الحق للقلق بشأن تراجع الالتزام الأمريكي بأمنهم. فعندما هاجمت إيران منشآت نفطية رئيسية لشركة "أرامكو" السعودية في سبتمبر/أيلول 2019، لم تتخذ إدارة "ترامب" أي إجراء على أساس أنه لم يُقتل أي أمريكي في الهجوم. وجاء الموقف الأمريكي رغم أن الهجوم أوقف إنتاج السعودية من النفط لعدة أسابيع، وأثر بشكل كبير على أسواق الطاقة العالمية. علاوة على ذلك، أثار الهجوم قلقا إزاء قدرة إيران على تنفيذ هجمات دقيقة.
كان الموقف الأمريكي من الهجوم بمثابة نقطة انعطاف، لكنه لم يكن البداية للشكوك الخليجية العربية المتصاعدة بشأن موثوقية واشنطن. لذلك، كجزء سياسة التنويع الاستراتيجي، تعمل السعودية والإمارات على توطيد العلاقات مع روسيا والصين، وتخفيف التصعيد مع الخصوم بما في ذلك إيران وتركيا، والوصول إلى شريك جديد محتمل وهو إسرائيل.
في الوقت الراهن، تحتاج هذه الدول إلى دعم أمني خارجي، والولايات المتحدة فقط يمكن أن توفره بشكل فعال. لذلك يظلون ملتزمين بالحفاظ على واشنطن كشريك استراتيجي رئيسي لهم.
لكن هناك ضرورات أخرى. فدول الخليج تحتاج إلى الصين كزبون رئيسي لنفطها، ومن أجل خططتها التنموية المتصاعدة. كما تحتاج أيضا إلى التأكد من أن إيران، التي تعمل على ترسيخ شراكة مع بكين، لن تطور علاقة حصرية مع الصين في المستقبل. فالسعودية والإمارات لن تسمحان بأن تكون إيران هي الصوت الخليجي الوحيد المسموع في بكين. إنها بحاجة إلى التحوط من المستقبل المشرق للصين عالميا وإقليميا.
وكما يظهر الخلاف حول بناء الميناء الصيني في الإمارات، سيكون من الصعب للغاية تحقيق التوازن بين شراكة استراتيجية وثيقة مع واشنطن إلى جانب الإبقاء على علاقات دافئة وودية، تتجاوز مجرد التجارة، مع بكين.
وشمل التعاون الأخير بين الإمارات والصين: الصناعات الدفاعية، وإنتاج لقاحات "كورونا"، والاستثمار والتنمية العالميين، والطاقة الخضراء، وغيرها من القطاعات التجارية غير النفطية المهمة.
في الوقت ذاته، كانت الولايات المتحدة تضغط على الإمارات لإجبارها على التخلي استخدام منتجات شركة "هواوي" الصينية في شبكات الاتصالات الخاصة بها، قائلة إن ذلك يمثل عقبة أمام إتمام صفقة سلاح بقيمة 23 مليار دولار لتزويد الإمارات بمقاتلات"إف-35" التي تصنعها شركة "لوكهيد مارتن" وطائرات من دون طيار.
يوضح هذا سبب إبداء قادة الخليج قلقهم علنا من احتمال اندلاع حرب باردة شاملة بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث سيضطرون إلى تقديم الدعم الكامل لأحدهما دون الآخر. ويوضح المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات "أنور قرقاش"، ذلك بالقول: "نحن جميعا قلقون للغاية من حرب باردة تلوح في الأفق... لأن فكرة الاختيار تنطوي على إشكالية". هذا تصريح دبلوماسي متحفظ.