علاقات » اميركي

التحول الدفاعي.. فرصة أمريكا لإعادة ضبط العلاقة مع السعودية تدريجيا

في 2022/02/24

بلال صعب- معهد الشرق الأوسط -

وجد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في السعودية معضلة يجب حلها، وقد تحدث عنها وواجهها حتى قبل انتخابه رئيسا، لكنه يعلم بالتأكيد أنه لا يستطيع الوفاء بوعده الذي قطعه خلال حملته الرئاسية بجعل السعودية "منبوذة" لأن المصالح الأمريكية تتطلب خلاف ذلك.

وكانت زيارة منسق شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي "بريت ماكجورك" ومبعوث وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة "عاموس هولشتاين" إلى الرياض لإقناع السعوديين بضخ المزيد من النفط لخفض الأسعار العالمية، أحدث مثال على أهمية العلاقات مع السعودية، بالرغم من كل التصريحات حول الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة من الطاقة.

لكن "بايدن" لن يكون قادرا على تحقيق التعاون الكامل مع السعوديين، في أي قضية، حتى يتصل أو يلتقي بالحاكم الفعلي للمملكة ولي العهد "محمد بن سلمان" الذي قالت الاستخبارات الأمريكية إنه متورط في اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

ومع ذلك، لا يمكن لـ"بايدن" عكس نهجه تجاه "بن سلمان" لأنه إذا فعل ذلك فقد يزداد انقسام حكومته بشأن السعودية؛ حيث لا يبدو أن الجميع على نفس الرأي فيما يتعلق بكيفية التعامل مع المملكة.

وقد يتسبب أي انفتاح على "بن سلمان" في إشعال غضب المزيد من أعضاء الكونجرس الذين يواصلون إرسال الشكاوى إلى البيت الأبيض بشأن أي مساعدة للسعودية. ويمكنه أن يثير ذلك أيضا حفيظة قاعدة دعم "بايدن" التقدمية التي ساعدت على انتخابه.

فكيف يمكن لـ"بايدن" أن يحل هذه المعضلة؟ وكيف يمكنه التعامل مع السعودية بشكل أكثر فاعلية وحماية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة دون المساس بالقيم الأمريكية وتكبد تكاليف سياسية محلية كبيرة؟ حسنا، هناك طريقة واحدة، وأعتقد أنها قد تكون الطريقة الوحيدة الممكنة في الوقت الحالي.

ومنذ عدة أعوام، انخرطت السعودية في عملية "تحول دفاعي" تاريخية، والتي يجب عدم الخلط بينها وبين "رؤية 2030".

وبالرغم أنها غير معروفة للكثيرين لأن القيادة السعودية لم تعلن عنها بضجة كبيرة كما فعلت مع رؤية 2030، لكن خطة التحول الدفاعي السعودي الضخمة تعد أخطر محاولة لإصلاح مؤسسات الأمن القومي في المملكة منذ تأسيسها على يد "آل سعود" عام 1932.

وأشارك هنا هذا التقييم بناء على بحثي الخاص الذي دام 4 أعوام حول أهداف ونطاق وتصميم "خطة التحول الدفاعي" للمملكة، وهو جهد بحثي شمل عشرات المقابلات مع مسؤولين سعوديين وقيادات عسكرية أمريكية تعمل في السعودية وموظفين وأفراد ومديري برامج في وزارة الدفاع لديهم مسؤوليات إشراف على هذه القضية، وممثلي شركات القطاع الخاص الأمريكية المشاركة بشكل مباشر في هذه الخطة.

وأعتقد أن عملية التحول هي النسخة الخاصة بالسعوديين من قانون "جولدووتر-نيكولاس"، الذي يعد قانون الإصلاح الدفاعي الأكثر أهمية وشمولا في تاريخ الولايات المتحدة، وتم إطلاقه عام 1986. ويعد هذا التحول ماراثونا صعبا بلا شك، ويشمل عددا كبيرا من التحديات الخطيرة، لكن يحسب للسعودية أنها بدأت على الأقل.

وإدراكا منها أن تصحيح المسار الدفاعي للرياض يمثل مصلحة أمريكية، فقد تدخلت واشنطن عام 2018 وبدأت في تقديم المساعدة بناء على طلب السلطات السعودية.

وأجرى متخصصون أمريكيون يعملون في وزارة الدفاع رحلات متعددة إلى الرياض لتقديم المشورة بشأن الأمور المتعلقة بتنمية رأس المال البشري والاستخبارات والموظفين واستدامة القوات.

وكانت هذه المساعدة الأمريكية مفيدة للسعوديين على مستوى التنفيذ والأفكار. لكنها كانت أيضا متواضعة ولا تزال تواجه تحديات كبيرة ليس لها علاقة بالسعوديين بل بالأمريكيين أنفسهم.

أولا، لم تعمل قيادة البنتاجون على التمكين الكامل والإشراف عن كثب على الدور الاستشاري المدني للولايات المتحدة في السعودية لضمان نجاح الخطة. وما تزال الأسباب غير واضحة.

ثانيا، هناك خلاف فكري وتنسيق غير فعال بين الطاقم العسكري الأمريكي المتمركز في السعودية ومتخصصي الدفاع الأمريكيين المرسلين من الولايات المتحدة إلى الرياض حول كيفية مساعدة السعوديين. وقد أدى ذلك مؤخرا إلى إنهاء جزء كبير من جهود الاستشارات المدنية الأمريكية للسعوديين، التي قدمها معهد الحوكمة الأمنية التابع لوزارة الدفاع، وهو أحد مكونات وكالة التعاون الأمني ​​الدفاعي المكلف ببناء القدرات المؤسسية للشركاء من الدول.

ثالثا، أصبحت "بعثة الولايات المتحدة للتدريب العسكري في السعودية"، التي تم تفويضها على مدى عقود لإجراء تعاون مع القوات المسلحة السعودية عموما (وليس الحرس الوطني السعودي الأكثر نخبوية)، المسؤولة عن مساعدة السعوديين على إصلاح القطاع الدفاعي، في حين أن البعثة مجهزة للتعامل مع الأمور التكتيكية والتشغيلية فقط، وليس لديها الخبرة ولا القدرة على تقديم المشورة بشأن الإصلاح المؤسسي، خاصة في مثل هذا المشروع الكبير والمعقد.

وهنا فإن أمورا مثل القيادة والإشراف الفعال من قبل البنتاجون على الدور الاستشاري الدفاعي للولايات المتحدة في السعودية، وتوحيد الجهود بين المستشارين الأمريكيين، وإعادة هيكلة البعثة التدريبية في المملكة، كلها مطلوبة لضمان نجاح واشنطن في مساعدة السعوديين على الدفاع عن أنفسهم ضد العدوان الإيراني المباشر وغير المباشر.

ومع ذلك، فإن التقدم نحو هذا الهدف لن يقضي على مخاوف الولايات المتحدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية والتي لا يمكن معالجتها إلا من خلال مجموعة أدوات دبلوماسية أوسع. لكن الخدمات الاستشارية الأمريكية التي تعالج القضايا القانونية المتعلقة بالاستهداف السعودي في إطار العمليات الجوية ربما تكون مفيدة بشكل خاص.

ويوجد حاليا موظفون في وزارة الدفاع الأمريكية لديهم خلفيات قانونية يعملون بشكل تعاوني مع وزارة الدفاع السعودية ويقدمون المشورة لموظفيها بشأن السياسة والقضاء العسكري والإدارة والقانون الجنائي والقانون الدولي.

ومن خلال عملية الإصلاح الدفاعي، فإن لدى إدارة "بايدن" الفرصة لإشراك السعوديين في مسائل الأمن القومي الحرجة مع حماية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة واحترام القيم الأمريكية. وهو شكل حكيم من أشكال المساعدة الأمريكية التي لا تثير الجدل السياسي، ولا تكلف دافعي الضرائب الأمريكيين الكثير من أموالهم، ولا تتطلب وجودا أمريكيا كبيرا على الأرض.

وربما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لإعادة العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، أي من خلال إعادة بناء الثقة تدريجيا بين الجانبين.