علاقات » اميركي

"تعيشان اختباراً".. لماذا طفت الخلافات الإماراتية الأمريكية على السطح؟

في 2022/03/08

أشرف كمال - الخليج أونلاين-

كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن خلاف غير معلن بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الخلاف الذي كشفته المواقف وأكدته التصريحات.

على مدار عقود، كانت العلاقة بين واشنطن وأبوظبي تتسم بأنها "استراتيجية"، رغم وجود تباينات في بعض الملفات، غير أنها لم تصل يوماً إلى حد يجعل السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يعلن أنها "تمر باختبار".

يوم الخميس (3 مارس 2022)، نقلت وكالة رويترز عن السفير الإماراتي، يوسف العتيبة، أن العلاقات الإماراتية الأمريكية تمر باختبار، لكنه أعرب عن قناعته بأنها سوف تتجاوزه.

يبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي استدعى استنفاراً أمريكياً غير مسبوق ضد موسكو، لم يكن هو حجر الأساس في هذا الاختبار الذي يتحدث عنه العتيبة، لكنه كان بمنزلة لحظة الحقيقة بين الطرفين.

اعتمدت الإمارات- كغيرها من دول الخليج- على الولايات المتحدة بوصفها حليفاً استراتيجياً يمكنه دعمها عسكرياً وتزويدها بالسلاح، وقدمت مقابل ذلك العديد من الخدمات للبيت الأبيض، خصوصاً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.

وعندما أصبح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على وشك الوصول إلى الحكم، أعلنت أبوظبي سحب قواتها  من حرب اليمن التي تعهد بايدن بوقفها، وأبدت مرونة كبيرة في عدد من الملفات الإقليمية، فضلاً عن بناء علاقات علنية غير مسبوقة مع دولة الاحتلال.

حماية المكتسبات

حاولت الإمارات على مدار عام كامل تحقيق أكبر قدر من المكاسب من إدارة جو بايدن، لكنها في الوقت نفسه مضت قدماً في تنويع مصادر تسليحها؛ فذهبت إلى الصين وإلى روسيا، فيما بدا أنه تلويح بالاستغناء عن صفقة "إف-35" الأمريكية.

وعندما قصف الحوثيون عاصمة الإمارات ودرة تاجها السياحي دبي وهددوا بقصف "إكسبو-2020"، ساعدت واشنطن عملياً في صد مزيد من الهجمات، وقدّمت أسلحة دفاعية، وفرضت عقوبات على بعض مصادر تمويل الحوثيين.

لكن يبدو أن هذا لم يكن كافياً؛ فقد كانت أبوظبي تريد إعادة الحوثيين إلى قائمة أمريكا السوداء، التي أزالها منها بايدن، وطلبت هذا الأمر صراحة، ودفعت الجامعة العربية لتبني الطلب نفسه، لكنه لم يتحقق، فقد وعدت واشنطن بالنظر في الطلب.

كان الدعم الأمريكي للإمارات بعد تعرضها للقصف كبيراً جداً وسريعاً أيضاً قياساً بما يحدث مع السعودية، لكنه لم يكن على المستوى الذي تريده أبوظبي، صاحبة النفوذ الواسع والرغبة الجامحة في إثبات أنها ليست كالآخرين.

وعندما احتاجت الولايات المتحدة إلى صوت الإمارات في مجلس الأمن الدولي لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، امتنعت أبوظبي عن التصويت مرتين متتاليتين (25 و28 فبراير 2022)، لكنها صوتت لصالح قرار مماثل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 2 مارس 2022.

حياد بطعم الانحياز

كشف الامتناع الإماراتي عن التصويت ضد موسكو، حقيقة وجود فجوة في التفاهمات بين واشنطن وأبوظبي، وقد تعززت هذه الفرضية بعد تأكيد ولي العهد الشيخ محمد بن زايد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ذروة الحرب.

وكالة الأبناء الإماراتية الرسمية قالت إن ولي العهد أكد خلال الاتصال "ضرورة إنهاء النزاع بما يحقق الأمن القومي لكل الأطراف"، فيما قال الكرملين إنه أكد لبوتين حق موسكو في حماية أمنها.

وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، اتصل أيضاً بنظيره الروسي، سيرغي لافروف، صبيحة بدء العمليات، وأكد متانة العلاقات بين البلدين، وهو ما وصفته العديد من الصحف الغربية بأنه ميل إماراتي باتجاه موسكو.

وقد تعددت التفسيرات بشأن هذا الموقف الجديد وأسبابه، وكان التوجه العام هو أن الإمارات غير راضية عن الرد الأمريكي على استهدافها من قبل الحوثيين اليمنيين.

وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن الإمارات- ككل دول الخليج- تعيد النظر في مسألة الاعتماد على واشنطن، وتبحث عن تعديد الحلفاء ومصادر السلاح.

ويوم الخميس 3 مارس 2022، قال موقع "أكسيوس" الأمريكي إن وزارة الخارجية الأمريكية سحبت برقية كانت قد أرسلتها إلى دبلوماسييها في 50 دولة بينها الإمارات لإبلاغ السلكات أن حيادهم تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا يضعهم في "معسكر موسكو".

واقترحت البرقية - المصنفة حساسة ولكنها غير سرية - صياغات صريحة للدبلوماسيين الأمريكيين لمحاولة إقناع الهند والإمارات بتغيير مواقفهما.

وتضمنت البرقية التي قالت واشنطن إنها أرسلت عن طريق الخطأ "ضرورة العمل على إقناع الإمارات بتغيير موقفها، والتوضيح أن الاستمرار في الدعوة للحوار بمجلس الأمن، ليس موقفاً محايداً، بل يضعك في معسكر روسيا المعتدي في هذا الصراع".

في اليوم نفسه، وفي رسالة ضمنية تعكس عدم رضا أبوظبي عن الدعم العسكري الأمريكي لمواجهة هجمات الحوثيين، قال السفير الإماراتي لدى واشنطن، إن بلاده منفتحة على الانخراط في أنشطة دفاعية مع جميع الدول والشركات.

وكانت العتيبة أكثر وضوحاً عندما تحدث عن صعوبة إنتاج نظام دفاع يمكنه منع هجمات الطائرات المسيّرة، التي هي ركيزة القوة الحوثية.

في تغريدة على موقع تويتر (27 فبراير 2022) ، قال المستشار الرئاسي الإماراتي، أنور قرقاش، إن الدولة الخليجية "تعتقد أن الانحياز إلى جانب واحد لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف"، وأن أولوية الإمارات هي "تشجيع جميع الأطراف على اللجوء إلى العمل الدبلوماسي".

صحيح أن الإمارات انضمت إلى الأغلبية الساحقة التي أيدت قرار إدانة الغزو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الأربعاء 2 مارس 2022، (141 دولة أيدت القرار)، إلا أن التصويت أمام مجلس الأمن الدولي أكثر أهمية كما يقول محللون.

لا تصدر الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات ملزمة، رغم أهمية قراراتها من الناحية القانونية والنفسية، في حين تمتلك موسكو حق "النقض" أمام مجلس الأمن الدولي.

وبحسب أندرياس كريج، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات الأمنية في "كينجز كوليدج لندن"، فإن التصويت المتباين للإمارات "يعكس عملاً متوازناً" اختارت تبنيه تجاه الأزمة الأوكرانية وقضايا السياسة الخارجية الأوسع.

وفي تسليط الضوء على حرص الإمارات العربية المتحدة على دعم روسيا في الوقت الذي تبدو فيه محايدة في الصراع، أشار كريج، في تصريح لموقع قناة "الجزيرة" الإنجليزية (الخميس 3 مارس 2022)، إلى أن تصويتها لصالح قرار الجمعية العامة الأكثر رمزية كان لأنه "أقل احتمالية لاستعداء روسيا" مقارنة بقرار مجلس الأمن الدولي.

ويرى جورجيو كافييرو، رئيس "معهد تحليلات الخليج"، إن الإمارات تنظر إلى الدور المحتمل لروسيا والصين اللتين تتحركان لسد الفراغ الذي خلّفه الأمريكيون. 

على الرغم من ذلك اتخذت الإمارات العديد من الخطوات الرمزية، لكنها تعكس محاولة الحفاظ على التوازن في الوقت نفسه؛ فقد ألزمت الأوكرانيين بالحصول على تأشيرة دخول للبلاد على عكس ما كان معمولاً به.

وأوقف بنك "المشرق" إقراض البنك الروسية وبدأ مراجعة موقفه في السوق الروسية تجنباً للعقوبات، وكان أول بنك بالمنطقة يقدم على هذه الخطوة.

أسباب الخلاف

الباحث في الشأن الإقليمي، محمد الآغا، يؤكد أن العلاقات بين الدول بشكل عام تمر بمراحل عدة، تكون في بعضها قوية واستراتيجية، وقد تمر بالفتور والقطيعة وحد النزاعة، وعلى هذا الأساس يمكن وصف العلاقات الأمريكية الإماراتية، فهي استراتيجية تاريخياً.

وترى الإمارات، وفق حديث الآغا لـ"الخليج أونلاين"، أن الولايات المتحدة شريك قوي لها في منطقة الخليج العربي، لما تمتلكه واشنطن من قوة عسكرية قادرة على ضبط الأمن وحماية مسارات نقل النفط والطاقة في المنطقة.

بيد أن الإمارات ترى أن المهدد الرئيسي لأمنها قادم من إيران وأذرعها في المنطقة - بحسب الآغا - وهو ما لا تراه الولايات المتحدة خطراً كبيراً عليها، حيث توجهت إدارة جو بايدن لطهران لعقد اتفاق على برنامجها النووي، وهو ما تراه أبوظبي يضر بمصلحتها، لذلك قامت بتوطيد علاقاتها مع وسيا والصين.

ويضيف في هذا الصدد: "تعتمد الإمارات على المظلة الأمريكية في الحماية، ألا أنها يوجد لديها مخاوف من إدارة بايدن، خاصة بعد انسحابه من أفغانستان، وتركيزه على الملف الصيني، وعقد اتفاق نووي مع إيران، وهو ما يزيد شكوك أبوظبي حول أمنها القومي ومستقبله".

كما اوضح أنه "خلال الفترة الأخيرة زاد شعور الإحباط لدى الإمارات هو بطء تنفيذ صفقة الطائرات الأمريكية من طراز أف 35، خاصة أنها قادة التطبيع مع دولة الاحتلال في منطقة.

وبعد الأحداث التي تعرضت لها الإمارات خلال الهجمات الحوثية في يناير الماضي، يبين الباحث في الشأن الإقليمي أن أبوظبي "سعت إلى دفع الولايات المتحدة لتصنيف جماعة الحوثي كتنظيم إرهابي، وأرادت أن تسمع وترى من واشنطن سلوكاً على الأرض يفسر على تساؤلاتها حول أمنها".