علاقات » اميركي

السعودية والإمارات في مواجهة ضغوط أمريكية

في 2022/03/17

وكالات-

تَحذر معظم الدول الحليفة والشريكة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط من اتخاذ مواقف قد تنعكس سلبا على اقتصاداتها سواء فيما يتعلق بالطاقة أو الغذاء، إلى جانب التمسك بسياسة التحالفات البعيدة عن واشنطن.

وارتبطت دول عدة في المنطقة بعلاقات استراتيجية مع كل من الصين وروسيا منذ أن تبنّت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، فك الارتباط باستثناء إسرائيل، مع معظم دول المنطقة، والدول الخليجية الست تحديدا.‎

ولا تزال السعودية والإمارات ملتزمتين بموقف ثابت من العملية العسكرية الروسية التي بدأت في أوكرانيا بتاريخ 24 فبراير/ شباط الماضي، وهو الوقوف بعيدا عن الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة التي تدعم كييف، أو إلى جانب موسكو.

ضغوط أمريكية

ما زالت السعودية والإمارات تواجهان ضغوطا أمريكية لزيادة ضخ النفط في السوق العالمية لمنع ارتفاعات جديدة متوقعة في أسعاره التي وصلت إلى أقل من 140 دولارا للبرميل الواحد، وهو سعر يقترب من أعلى سعر سجله عام 2008 عندما بلغ 143 دولارا.

قد تكون السعودية الدولة الوحيدة من البلدان المنتجة للنفط، إضافة إلى روسيا، تمتلك فائضا نفطيا له القدرة على تعويض النقص في السوق للحفاظ على مستوى محدد من أسعاره في السوق العالمية، وإمكانية استثمار هذه الميزات سياسيا.

وتعتقد السعودية أن هناك توازنا بين المعروض من النفط في السوق العالمية والطلب عليه.

لكنّ محللين غربيين متخصصين في الطاقة يرون أن السعودية وكذلك الإمارات، لن تستجيبا لرغبات الولايات المتحدة في تصدير كميات إضافية من النفط إلى السوق العالمية لتجنيبهما تبعات قرار الإدارة الأمريكية منع توريد النفط من روسيا على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

علاقات ابن سلمان وبوتين

إلى جانب ذلك، يعتقد خبراء أمريكيون في العلاقات بين الرياض وواشنطن، أن العلاقات القوية بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دفعت المملكة إلى تبني سياسات أكثر انفتاحا على موسكو في مجالات اقتصادية وعسكرية.

وجاءت هذه السياسات بعد عدة قرارات اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فيما يتعلق بتوريد الأسلحة إلى الرياض بذريعة “انتهاكات سعودية مفترضة” في الحرب باليمن، حيث تقود تحالفا عربيا لدعم الحكومة الشرعية التي يرأسها عبد ربه منصور هادي منذ عام 2015.

وأشارت تقارير صحافية، إلى أن بايدن كان يعتزم زيارة السعودية للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز، وتشجيع المملكة على زيادة صادراتها من النفط، لكن زيارة كهذه ستتطلب لقاء ولي العهد، وهو ما سيعزز مكانته الدولية الأمر الذي يلقى معارضة واضحة في الكونغرس ومن مسؤولين أمريكيين في مراكز صنع القرار، إضافة إلى أن زيارة كهذه من غير المتوقع أن تحقق أهدافها، وفق خبراء في العلاقات الأمريكية السعودية.

مصالح متبادلة

ولا تزال علاقة الإدارة الأمريكية بكل من السعودية والإمارات محكومة بالمصالح المتبادلة من وجهة نظر الدولتين، بينما تحاول إدارة بايدن ممارسة المزيد من الضغوط وفرض استجابتهما دون أن تتقدم خطوة إلى الأمام سواء فيما يتعلق بمفاوضات الملف النووي الإيراني الذي تبدو إدارة بايدن تسعى لتقديم المزيد من التنازلات في مقابل موافقة طهران على توقيع اتفاق جديد، وهو ما لا يتفق مع رؤية الرياض وأبو ظبي، أو ما يتعلق بتصنيف جماعة الحوثي اليمنية مرة أخرى على “لائحة الإرهاب” بعد أن أزالتها إدارة بايدن مطلع العام الماضي.

وتتعرض البنية التحتية للطاقة والمطارات والمنشآت الحيوية السعودية لهجمات مستمرة من جماعة الحوثي المدعومة من طهران، كما أن الجماعة استهدفت مواقع حيوية في إمارة أبو ظبي مرتين خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، دون أن تفي الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه الدولتين الحليفتين لها طوال عقود.

وتتضح سياسة الضغط المتبادل بين الولايات المتحدة وكل من الإمارات والسعودية بعدم التزامهما بالعقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على روسيا واستمرار التعاملات المالية مع المصارف الروسية.

وفي حين لم تُجرِ الولايات المتحدة اتصالات مباشرة مع السعودية، تلقى ولي العهد السعودي اتصالا هاتفيا من الرئيس الروسي في 3 مارس/ آذار الجاري، لبحث الأزمة في أوكرانيا وأسواق النفط العالمية، حيث أكد بن سلمان حرص بلاده على المحافظة على توازن أسواق النفط واستقرارها.

وساطة

ولعدم استجابة الرياض لدعوات واشنطن التي تأخذ طابع الضغط في بعض الأحيان، لجأت الإدارة الأمريكية إلى ما يشبه الوساطة عبر شخصيات على صلة جيدة بالقيادة السعودية مثل رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، الذي وصل إلى المملكة، الأربعاء 16 مارس الجاري، في محاولة لإقناعها بزيادة ضخ النفط في الأسواق العالمية والتأثير على دول أخرى في هذا الاتجاه، بينها دولة الإمارات.

لكن مع هذا، فإن فرص نجاح مهمة جونسون تبدو ضئيلة، حيث لا تزال السعودية تتمسك بسياسات مجموعة “أوبك بلس”، كما أنها رفضت دعوات مماثلة من الإدارة الأمريكية.

ضغط سعودي

ويميل مراقبون إلى أن السعودية ممثلة بولي عهدها تحاول استغلال الحرب في أوكرانيا لمزيد من الضغوط التي لا يستبعد أن تكون أقل حدة في حال غيّرت إدارة بايدن موقفها من بن سلمان، سواء ما يتعلق بتبعات قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أو توريد الأسلحة النوعية والمعدات التي تحتاجها الرياض في حربها باليمن، أو الكف عن توجيه الاتهامات بـ”انتهاك حقوق الإنسان” في المملكة، إضافة إلى اتصال أو لقاء مباشر بين بايدن وبن سلمان.

وتنتقد منظمات حقوقية دولية، السعودية في ملف حقوق الإنسان، بينما ترفض الرياض المساس باستقلال قضائها، مؤكدة تمسكها بتطبيق القانون ودعم حقوق الإنسان، معتبرة ذلك مجرد “أكاذيب”.

وتعطي الإدارة الأمريكية تبريرات لعدم إجراء بايدن أي اتصال بابن سلمان، من منطلق أن الرئيس الأمريكي لا يحادث إلا نظراء له، أي أنه يمكن أن يجري اتصالات مع الملك سلمان، وليس ولي العهد.

وحافظت منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، ومجموعة “أوبك بلس” التي تضم أعضاء المنظمة ودولا أخرى من خارجها أبرزها روسيا، على موقف موحد من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتمسك بأساسيات السوق النفطية المتمثلة باتفاق الجزائر لعام 2016 الذي يعتمد أساسا خفض الإنتاج التدريجي للمحافظة على الأسعار في السوق العالمية.

الموقف الإماراتي

وتلتزم الإمارات التي هي ثالث أكبر دولة منتجة للنفط في “أوبك” بعد السعودية والعراق، بالسياسات النفطية السعودية سواء داخل المنظمة أو في تحالف “أوبك بلس” بما يعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين الخليجيتين.

ولم تعط السعودية أي مؤشرات على استعدادها لتغيير سياساتها النفطية، ربما حفاظا على علاقاتها مع روسيا، كما أن دولة الإمارات التي تمتلك فائضا نفطيا أعادت تفسير تصريحات سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة.

وقال العتيبة إن بلاده تريد زيادة إنتاج النفط وستشجع دول “أوبك” على زيادة الإمدادات، فيما أكد وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل بن محمد فرج المزروعي، التزام بلاده باتفاق “أوبك بلس” وآليته الحالية لتعديل الإنتاج الشهري، حسب تصريح أدلى به لوكالة الأنباء الرسمية “وام”.

ويرى مراقبون، أن الموقف الإماراتي الذي أعلنه وزير الطاقة والبنية التحتية لا بد أن يكون قد اتُخذ بالتنسيق مع السعودية، وأن كلا البلدين يرفضان أن يتخذا قرارات تلحق ضررا بحليفتهما روسيا داخل تحالف “أوبك بلس”.

وعلى ما يبدو، فإن كلا من السعودية والإمارات تسعيان إلى الابتعاد عن الانحياز إلى أحد طرفي الحرب في أوكرانيا.

ومن المتوقع أن تواصل الدول الخليجية عموما، والسعودية والإمارات على وجه خاص رفض الضغوط الأمريكية ومقاومة الدعوات للعمل على الحد من تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا على أسعار النفط العالمية عبر ضخ المزيد من النفط.

وللدول الخليجية مصلحة حقيقية في حماية مصالحها الاقتصادية، والاستفادة من ارتفاع أسعار النفط في تحقيق أرباح ضخمة بما يخفف من أعباء العجز المالي في ميزانياتها.