متابعات-
على مدار الأسابيع الأخيرة ظهر توتر كبير في العلاقات السعودية الأمريكية، تجلى ذلك في رفض الرياض دعوات واشنطن رفع إنتاج النفط للسيطرة على الأسعار، فضلاً عن سعي القيادة السعودية لتنويع شركائها الدوليين، خصوصاً في مجال الأسلحة الدفاعية.
ووجدت السعودية نفسها وحيدة في مواجهة جماعة الحوثي وممولها الرئيسي إيران، وسط تراجع كبير من حليفتها أمريكا، حيث يعتبر الدفاع عن أراضي المملكة من الهجمات، خصوصاً تلك القادمة من الحوثيين في اليمن، التي تتسبب بضرب مصالح السعودية الاقتصادية، أمراً سيادياً بالنسبة للرياض.
ومع تزايد التوتر بين الرياض وواشنطن، وسط ارتفاع منسوب الهجمات الحوثية على السعودية، وجدت أمريكا في ذلك طريقاً لمحاولة استعادة العلاقات بين الجانبين من خلال إرسال منظومة دفاعات جوية للمملكة، بعدما كانت قد سحبت عدداً منها سابقاً، ليأتي السؤال هنا عن مدى أهمية هذه الخطوة في إعادة الثقة والتقارب بين البلدين.
عودة الباتريوت
بالتزامن مع تكثيف الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران، هجماتهم ضد السعودية قالت صحيفة أمريكية إن واشنطن أرسلت عدداً كبيراً من بطاريات أنظمة الدفاع الجوي "باتريوت" إلى السعودية لصد هجمات جماعة الحوثي باليمن المدعومة من إيران.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، في 20 مارس 2022، تأكيدهم أن إرسال البطاريات جرى الشهر الماضي.
وأضافت أن الحكومة السعودية لطالما طلبت أنظمة "باتريوت" من واشنطن، خاصةً ضد هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ التي يشنها الحوثيون، مشيرة إلى أن تلبية الطلب تأخر بسبب بروتوكولات أمنية طويلة.
ولم تتطرق الصحيفة إلى عدد البطاريات التي استلمتها السعودية.
وجاءت هذه الأنباء بعد ساعات من إعلان السعودية أن منشآت نفطية في المملكة تعرضت لاعتداء بطائرات مسيرة، وأن إحدى الهجمات تسببت في حريق محدود، في وقتٍ قال التحالف العربي إنه يحتفظ بحق الرد بانتظار المباحثات اليمنية اليمنية في الرياض نهاية الشهر.
توتر مستمر
الخطوة الأمريكية جاءت مع توتر مستمر كان قد بدأ مع تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية مطلع عام 2021، ورفضه التواصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وإلى جانب ذلك فإن قرارات بايدن بمراجعة صفقة الأسلحة للسعودية التي تصل قيمتها إلى نصف مليار دولار، والمجمدة حتى اليوم، ورفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب، ساهم كثيراً في هذا التوتر.
وتعتقد السعودية أن عليها أن تعتمد على نفسها في حماية أمنها ومصالحها، خصوصاً بعد أن تخلت واشنطن عنها بعد استهداف منشآت أرامكو عام 2019، وهجمات أخرى أضرت بمصالح السعودية النفطية والمدنية.
وعملت السعودية مؤخراً على تطوير قدراتها الصاروخية محلياً كبديل عن الاعتماد على مظلة الحماية الأمنية للولايات المتحدة، وتوجهها إلى دول أخرى تنافسها كروسيا والصين.
كما أن اندفاع الولايات المتحدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران عبر مفاوضات فيينا المستمرة منذ شهور، دفع السعودية ودول الخليج الأخرى لإعادة النظر في مدى التزام واشنطن بحمايتها وحماية أمن الممرات المائية في الخليج العربي والبحر الأحمر من التهديدات الخارجية، الإيرانية تحديداً.
علاقة استراتيجية..لكن!
يرى الكاتب والباحث السياسي السعودي مبارك آل عاتي، أن العلاقات الأمريكية السعودية هي "علاقات استراتيجية وتاريخية"، مشيراً إلى أن البلدين متمسكان بها "بغض النظر عن الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض".
ويشير إلى أن المملكة ودول الخليج "تؤمن بأن العلاقات التي بنيت طوال ثمانية عقود يجب أن تستمر، ويجب معالجة ما اعتراها من فتور، وما اعتراها أيضاً من قصور من الإدارة الامريكية من خلال إحياء واجباتها في حفظ أمن المنطقة للتصدي للهجمات الإرهابية والتصدي لزعزعة إيران لأمن واستقرار دول المنطقة".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يرى "آل عاتي" أيضاً أن إرسال الولايات المتحدة الأمريكية للباتريوت "خطوة جيدة"، مشيراً إلى أن المملكة تأخذها بمقابل مالي "ولا تتلقى أي مساعدات من أي دولة، حيث تمكنت من إيجاد مصادر أخرى متعددة تشتري منها".
ويؤكد أن المطلوب من الإدارة الأمريكية "الكثير لعودة العلاقات كما كانت، خصوصاً أنها تهرول مسرعة لتحسين علاقاتها مع النظام الإيراني"، معتقداً أن تسهيل حصول طهران على البرنامج النووي عبر اتفاقية 5+1 "هو "للإضرار بالمنطقة".
ويوضح: "نعلم أن النظام الإيراني لا يؤمن بأية اتفاقيات ولا أعراف ولا معاهدات، وها هي الأسلحة الإيرانية بأيدي التنظيمات الإرهابية تقصف بها المدن السعودية".
كما يؤكد أحقية "كل دولة أن تعمل لما تراه في مصلحة أمنها الوطني، وأن تعدد أيضاً تحالفاتها، وأن تلتفت لمصالحها الوطنية ومصالح شعبها ومصالح الشعوب الأخرى"، لافتاً إلى أن هذا ما تنتهجه السعودية.
ويضيف: "السعودية ودول الخليج أصبحت جادة في العمل على سد ثغرة اختفاء واندحار أمريكا عن المنطقة، وهي اليوم تدرك أنها معنية حقيقة بأمنها وأمن أشقائها، وهم مدركون أيضاً أن باستطاعتهم إقامة علاقات متعددة مميزة مع كل القوى الدولية دون التفريط في علاقاتهم السابقة".
وحول التوتر مع أمريكا مؤخراً، يرى أنه نابع "من تباين آراء حول النفط وأسواق الطاقة ورؤيتها بعدم تسييسه، وإبعاده عن سوق النخاسة السياسية وضرب مصالح الدول الأخرى، خصوصاً أنه المدخول الرئيسي الاستراتيجي الأول لعملية التنمية في السعودية ودول الخليج وهي لا تستغني عن هذا المدخول، ولا يمكن أن تخفض أسعارها وتزيد كمياتها".
واتهم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بـ"التعامل بعدم مسؤولية مع حلفائها المقربين"، متسائلاً: "فكيف مع دول الخليج التي عانت كثيراً من الانكفاء الأمريكي ومن التعاملات الغربية"، مشيراً إلى أنها اليوم "تتصدى لحماية مصالحها".
ويلفت أيضاً إلى أن قرارات إدارة بايدن منذ الحملة الانتخابية وحتى اليوم "كانت كلها غير مشجعة، بل تصب في مصلحة أعداء المنطقة"، معتبراً أن الطريق الوحيد لاستعادة تلك العلاقات يأتي من بوابة "إصلاح ما ارتكبته من أخطاء أدت إلى هذا التوتر، وإلى ضعف العلاقات ما بين الكتل الخليجية وما بين الحلفاء الاستراتيجيين كأمريكا".
خلافات معقدة
بدوره يتشارك الباحث في العلاقات الدولية، د. عادل المسني، مع ما طرحه "آل عاتي"، من أن الخلافات مع المملكة "لن تتوقف عند سحب أو إرسال الباتريوت"، مشيراً إلى أنه أعقد من ذلك بكثير.
ويقول "المسني"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "بالنظر إلى تصورات إدارة بايدن على خلفية مقتل خاشقجي والملف الحقوقي، فإن هذا الأمر لم يتغير لدى الإدارة تجاه السعودية".
ويضيف: "إضافة إلى ذلك فإن التوتر جاء من تغير استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بحماية دول الخليج وسحب قواتها من المنطقة، في وقت تشهد فيه توتراً غير مسبوق، وتهديداً خطيراً لأمنها القومي من قبل إيران".
ولفت بقوله: "لعل اقتراب التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران يعكس أولويات الغرب في سياق الأزمة الأوكرانية، والإفراج عن الغاز والنفط الإيرانيين وإبعادهما عن النفوذ الروسي يعزز هذه المخاوف لدول الخليج بشكل يؤثر على العلاقات أكثر مع واشنطن".
أما فيما يتعلق بإرسال الباتريوت مرة أخرى فيقول إنه لا يأتي لدعم المملكة، "بل يندرج في سياق دعم احتياج واشنطن والغرب للنفط السعودي وضمان تدفقه في ظل ارتفاع الأسعار إزاء ارتدادات العقوبات على روسيا".
سحب الباتريوت..والبحث عن بديل
وكان من ضمن أسباب التوتر بين الجانبين سحب واشنطن معظم منظومات الدفاع الجوي من قواعدها في السعودية، وإعادة نشرها في دول آسيوية أخرى لمواجهة التهديدات الصينية.
ونشرت وكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية، في سبتمبر الماضي، تقريراً مفاده أن إدارة الرئيس جو بايدن سحبت عدداً من الأنظمة الأمريكية المضادة للصواريخ "باتريوت" من "قاعدة الأمير سلطان الجوية" بالسعودية.
واستضافت هذه القاعدة، خارج العاصمة الرياض، عدة آلاف من القوات الأمريكية عقب هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة المفخخة عام 2019 على شركة "أرامكو" السعودية للطاقة.
وفي منتصف سبتمبر الماضي أيضاً، أعلنت رئاسة الأركان اليونانية أن فريقاً من قواتها المسلحة توجه إلى السعودية لتسليم بطاريات دفاع جوي موجهة تستخدم في أنظمة صواريخ "باتريوت".
وأوضحت الأركان اليونانية، في بيان، أن وزير الدفاع نيكوس بانايوتوبولوس، ونائبه نيكوس هاردالياس، ورئيس الأركان كونستيندينوس فلوروس، شاركوا في حفل توديع الفريق.
وفي أبريل 2021، كشف وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، عن توقيع بلاده اتفاقاً لتزويد السعودية بنظام "باتريوت" للدفاع الجوي، بهدف "حماية منشآت الطاقة الحيوية" في المملكة.