أشرف كمال - الخليج أونلاين-
جاء ترشيح الرئيس الأمريكي جو بايدن اسماً جديداً لشغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى المملكة العربية السعودية ليؤكد متانة العلاقات بين البلدين، رغم حالات الفتور التي تسيطر عليها بين وقت وآخر.
وأعلن البيت الأبيض، الجمعة 22 أبريل 2022، أن الرئيس بايدن رشّح مايكل راتني سفيراً لدى المملكة، وذلك بعد أكثر من عام من شغور المنصب. وقال في بيان: إن "راتن عمل مؤخراً قائماً بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة في القدس المحتلة".
وشغل المرشح لمنصب السفير الأمريكي الجديد في الرياض منصب القائم بأعمال واشنطن في "إسرائيل"، وكان مبعوثاً أمريكياً خاصاً لسوريا، ونائباً لرئيس البعثة في سفارة الولايات المتحدة في قطر.
وكان عدم تعيين سفير أمريكي في الرياض خلفاً للسفير السابق جون أبي زيد، الذي استقال في يناير 2021، جزءاً من حالة الفتور التي سيطرت على العلاقات منذ وصول بايدن للحكم، مطلع العام الماضي.
وكان "أبي زيد" آخر سفير أمريكي معين في السعودية، وقد رشح لهذا المنصب في 13 نوفمبر 2018، ووافق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي في 10 أبريل 2019، وقد أدَّى اليمين في 30 أبريل 2019، وقدَّم أوراق اعتماده رسمياً إلى الملك سلمان في 16 يونيو 2019، ثم استقال في 20 يناير 2021.
ومنذ ذلك الحين تشغل مارتينا سترونغ منصب القائم بأعمال البعثة في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالرياض. وقد عملت سابقاً في العراق مستشارةً للشؤون السياسية في بغداد، ومستشارة سياسية للجيش الأمريكي في البصرة.
تأكيد لقوة العلاقات
ويبدو ترشيح ر انتي لشغل منصب السفير محاولة للرد على الأحاديث المتواترة بشأن تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية بسبب موقف الأخيرة من الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو الموقف الذي تراه واشنطن يصب في مصلحة موسكو.
وقد نقل العديد من الصحف الغربية عن مصادر أن رفض المملكة ضخ مزيد من الخام لتعويض الفجوة التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا في سوق الطاقة العالمية يمثل أحد أسباب الخلاف بين البلدين.
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في الـ19 من أبريل الجاري، إن مسؤولين أبلغوها بأن اللقاء الذي جمع ولي عهد الرياض الأمير محمد بن سلمان ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في سبتمبر 2021، اتسم بالنفور.
وقال المسؤولون إن ولي العهد السعودي أبلغ سوليفان بأنه لا يريد سماع حديث زيادة إنتاج النفط مرة أخرى، لكن الجانبين سريعاً ما فنّدا هذه التسريبات، وأكدا قوة العلاقات ومتانتها.
ويوم الخميس 21 أبريل 2022، نفت سفارة السعودية في واشنطن وجود توتر في العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، وقالت إن العلاقات بين البلدين "قوية وتاريخية".
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" عن السفارة السعودية في واشنطن قولها: "إن هناك اتصالات يومية بين مسؤولي البلدين على المستوى المؤسسي، وإن هناك تنسيقاً مشتركاً بشأن قضايا مشتركة مثل الأمن والاستثمارات والطاقة".
وأضافت: "على مدار الـ77 عاماً الماضية من العلاقات السعودية الأمريكية، كان هناك العديد من الخلافات ووجهات النظر المختلفة حول العديد من القضايا، لكن هذا لم يمنع البلدين أبداً من إيجاد طريقة للعمل معاً لتحقيق المصالح المشتركة لكليهما".
وما تزال الولايات المتحدة تعتبر المملكة، التي تتصدر قائمة مصدري النفط عالمياً، شريكاً استراتيجياً في منطقة الشرق الأوسط. وقد أكدت مراراً دعمها حماية أمنها وقدرتها على الدفاع عن نفسها.
ورداً على تقرير "وول ستريت"، جددت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون، التزام الولايات المتحدة بدعم الدفاع الإقليمي للمملكة. واستشهدت بالإنجازات الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة، مثل إدانة دول الخليج العربي، ومن ضمنها السعودية، لغزو روسيا لأوكرانيا.
كما قال المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن فهد الناظر، الجمعة 23 أبريل 2022، إن العلاقات بين البلدين تقف على أرضية صلبة، مشيراً إلى أنها متنوعة وتمتد إلى ما هو أكثر من السياسة.
فتور متبادل
منذ وصوله إلى الحكم، في يناير 2021، لم يلتقِ الرئيس الأمريكي ولي العهد السعودي، ولم يُجرِ معه أي اتصال هاتفي، في المقابل قال بن سلمان في مقابلة مع مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، في مارس 2022: إنه "غير مهتم بآراء بايدن عنه".
لكن هذه الفتور لم يغير من طبيعة العلاقات بين البلدين اللذين يجتمعان في ملفات مهمة، بما في ذلك أمن الملاحة العالمية، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة الخطر الإيراني، وضمان إمدادات الطاقة العالمية، وهو الملف محل الخلاف حالياً.
وقد طلب 30 مشرعاً أمريكياً هذا الشهر الرئيس بايدن بمراجعة جديّة للعلاقات مع الرياض، على خلفية موقف الأخيرة من الغزو الروسي لأوكرانيا، والتسريبات التي تحدثت عن رفض ولي عهد السعودية إجراء مكالمة مع الرئيس الأمريكي، وعدم تلبية المطالب المتكررة بشأن زيادة إنتاج النفط.
وكانت "وول ستريت" قالت إنه جرى الترتيب لإجراء مكالمة هاتفية بين بايدن والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده، إلا أن الجانب السعودي أبلغ الأمريكيين قبيل إجراء المكالمة بأن الأمير بن سلمان لن يكون حاضراً.
على الرغم من ذلك، قال مسؤول في وزارة الخارجية السعودية للصحيفة الأمريكية إن الرئيس بايدن مرحب به إذا أراد زيارة المملكة. وقد لفتت الصحيفة إلى أن حديث الدبلوماسيين السعوديين يشير إلى أن تذويب الجليد بين العلاقات يتطلب زيارة من بايدن للرياض.
وأوضحت الصحيفة أن "الغضب السعودي من الولايات المتحدة لم يكن خلال 40 عاماً الماضية بهذا المستوى العالي حالياً". ونقلت عن أحد رجال الأعمال السعوديين قوله: "إن العلاقات بين أمريكا والسعودية ماتت، فقد حفر أوباما القبر، ووضع بايدن الغطاء على النعش".
خطوة مهمة
المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي قال إن ترشيح سفير أمريكي جديد لدى المملكة يمثل خطوة مهمة جداً لتوثيق العلاقات الاستراتيجية التاريخية بين البلدين.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال آل عاتي إن العلاقات السعودية الأمريكية التي وصلت إلى مستويات عالية من الفتور كانت بحاجة إلى هذه الخطوة المهمة، "خصوصاً بعد العديد من الخطوات الاستفزازية التي أقدمت عليها إدارة جو بايدن فور وصولها للبيت الأبيض".
ولفت آل عاتي إلى أن تعيين سفير أمريكي جديد بالرياض سيساعد على تحسين العلاقات وتلطيف الأجواء والبناء على المشتركات وتنمية العمل المشترك، وقال إن البلدين بحاجة إلى ترميم العلاقات التي أوصلها الأمريكيون إلى مستويات متدنية.
وأشار المحلل السعودي إلى العديد من الخطوات التي اتخذتها إدارة بايدن، التي أدت لتدهور العلاقات بين بلدين صديقين، ومنها: رفع الحوثيين اليمنيين من قائمة الإرهاب، والهرولة الواضحة تجاه إيران، والسعي لإحياء الاتفاق النووي بعيداً عن الثمن الذي يمكن أن تدفعه المنطقة، وأيضاً تقليص إمدادات السلاح.
وخلص إلى آل عاتي إلى أن الخطوة الأمريكية الأخيرة هي خطوة على الطريق الصحيح، وقال إنها قد تعالج المشكلات التي اعترت العلاقات خلال الفترة الماضية.