يوسف حمود - الخليج أونلاين-
على الرغم من أن الحديث عن حصول السعودية على صواريخ باليستية من الصين ليس بجديد، فإن التطورات المتسارعة والمخاوف الأمريكية من خطوات مماثلة، قد برزت مؤخراً مع توتر العلاقات بين واشنطن والرياض.
ويعد الصراع الإقليمي بين السعودية وإيران هو الدافع الرئيس إلى تطوير الرياض تكنولوجيا الصواريخ الباليستية واستيرادها، واللجوء إلى امتلاكها، بعيداً عن المصدر الرئيس السابق الولايات المتحدة، التي قلصت مؤخراً مبيعاتها من الأسلحة للمملكة.
وساهمت الأزمة الأخيرة بأوكرانيا في إضفاء مزيد من التوتر بين واشنطن والرياض، حيث لجأت الأخيرة إلى الصين، وتجاهلت مطالب أمريكا برفع إنتاجها من النفط، وهو ما زاد من مخاوف الأخيرة من توسع العلاقات الصينية السعودية، لتتصاعد التساؤلات حول ما إذا كانت الرياض ستمضي قدماً في استيراد الأسلحة من بكين رغم ضغوطات الولايات المتحدة؟
ضغوطات أمريكية
في خطوة تم الكشف عنها مؤخراً، طلبت الولايات المتحدة الأمريكية، من السعودية عدم المضي قدماً في شراء أسلحة من الصين، متوقع وصولها نهاية شهر مايو الجاري (2022) ضمن برنامج سري.
ويقول موقع "ذا إنترسبت" الإخباري الأمريكي في 13 مايو 2022، إن مدير المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) وليام بيرنز، زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بمدينة جدة، في اجتماع وصفته بـ"السري" و"غير الاعتيادي".
ووفقاً للموقع الأمريكي، فإن الحكومة السعودية تخطط لاستيراد "صواريخ باليستية" من الصين، في وقت لاحق من شهر مايو الجاري، كجزء من برنامج سري أطلق عليه اسم "التمساح".
وذكر أن الاجتماع شهد طرح عدة موضوعات أخرى تثير قلق الولايات المتحدة، وعلى رأسها علاقة الرياض المتنامية مع بكين.
مساعدة صينية
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن خطوات سعودية باتجاه الصين، فخلال السنوات الماضية، تحدثت وسائل إعلام أمريكية عن تكثيف السعودية تعاونها مع الصين لتطوير صواريخها الباليستية.
شبكة "سي إن إن" الأمريكية قالت في تقرير لها (23 ديسمبر 2021)، إن ثلاثة مصادر مطلعة على أحدث المعلومات الاستخباراتية كشفت أن السعودية تنشط بالتعاون مع الصين على تطوير تلك الصواريخ، ناشرةً صوراً عبر الأقمار الصناعية، قالت إنها لأحد المواقع والذي يجري حالياً تصنيع الأسلحة فيه.
وقالت المصادر إنه تم إطلاع المسؤولين الأمريكيين في عديد من الوكالات، وضمنها مجلس الأمن القومي، في الأشهر الأخيرة، على معلومات استخباراتية سرية تكشف عن عمليات نقل متعددة واسعة النطاق لتكنولوجيا الصواريخ الباليستية الحساسة بين الصين والسعودية.
وأضافت الشبكة أن صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها، تشير إلى أن السعودية تقوم بالفعل بتصنيع صواريخ باليستية في موقع تم إنشاؤه مسبقاً بمساعدة صينية، وفقاً للخبراء الذين حللوا الصور، والمصادر التي أكدت أنها تعكس تطورات تتفق مع أحدث تقييمات الاستخبارات الأمريكية، وأخبروا الشبكة بأن هذه الصور "أول دليل لا لبس فيه، على أن المنشأة تعمل على إنتاج صواريخ".
تحذيرات أمريكية..وتجاهل سعودي
ولعل واشنطن قد أصدرت تحذيرات حول هذا الأمر، حيث حذّرت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أفريل هاينز، من جهود الصين وروسيا لتحقيق تقدم مع شركاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، مشيرة إلى السعودية والإمارات كأمثلة، وفقاً لوسائل إعلام أمريكية.
وفي 2018، حذّر مجلس الشيوخ الأمريكي السلطات السعودية من شراء الأسلحة والمعدات العسكرية من روسيا والصين، مشيراً إلى أن إقدام الرياض على عقد مثل هذه الصفقات سيضر بعلاقاتها مع واشنطن.
لكن السعودية على الرغم من ذلك، تجاهلت تلك التحذيرات، خصوصاً بعد توتر العلاقات الأخير مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث تعتقد الرياض أن الأخير تركها وحيدة في مواجهة الهجمات الصاروخية للحوثيين المدعومين من إيران.
وكان أبرز تلك الخطوات، تعميق علاقاتها مع الصين، والتي تمثلت أخيراً وبشكل واضح وعلني، بتوجيه السعودية دعوة للرئيس الصيني، شي جين بينغ، لزيارتها، وفقاً لما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال"، (14 مارس 2022).
وسبق أن وقعت الصين والسعودية اتفاقاً خلال زيارة الملك سلمان لبكين عام 2017 من أجل إنشاء مصنع طائرات حربية بدون طيار في المملكة ضمن عدة اتفاقات مشتركة وُقّعت بين البلدين قيمتها 60 مليار دولار، فيما تبادل مسؤولو البلدين الزيارات على مستوى رفيع في المجال العسكري.
هل تضغط واشنطن؟
يتحدث الخبير العسكري والاستراتيجي إسماعيل أيوب عما تمتلكه السعودية من ترسانة يصفها بـ"الكبيرة" من الصواريخ الصينية.
يقول أيوب في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن هذه الترسانة من نوع "صواريخ دونج فينج، التي تعني (رياح)، والتي عملت الرياض على صناعتها بالصين وربما أيضاً في مجمعات داخل السعودية".
وحول طلب واشنطن من الرياض عدم استيراد الأسلحة من الصين، يرى أنه "ليس واقعياً، خصوصاً في مسألة الصواريخ"، مشيراً إلى أن "السعودية في تهديد دائم من قبل إيران التي تمتلك وتجاهر ليلاً ونهاراً بامتلاكها منظومات عديدة من صواريخ أرض/أرض، خاصة طويلة المدى".
ويؤكد أن "عدم تزويد السعودية بصواريخ أرض/أرض غربية، دفعها منذ عقود إلى استيراد الصواريخ من الصين وصناعتها"، معتقداً في الوقت ذاته عدم طلب أي دولة في العالم من الرياض أن تُحجم عن شراء مثل هذه الصواريخ.
ويوضح: "ربما يكون هناك تجميد بحسب ما تطلبه الولايات المتحدة"، مستبعداً أن تقطع السعودية علاقتها في هذا مع الصين، "لأنه أمر غير واقعي ولن تقوم به"، خصوصاً أن الأسلحة الصينية وصواريخها موجودة منذ سنوات ولديها خبراء يشرفون عليها، وفق حديثه.
كما يعتقد أيضاً أن الصين ليست لديها أسلحة في السعودية غير الصواريخ؛ لكونها هي التي كانت تنقص الرياض، كاشفاً أن "السلاح الأمريكي هو السلاح الرئيس في المملكة العربية السعودية ويأتي بعده السلاح البريطاني والألماني والفرنسي".