يوسف حمود - الخليج أونلاين-
بخطوات متسارعة يكثف المسؤولون في السعودية وأمريكا من تحركاتهم خلال الأسابيع الأخيرة من أجل إصلاح العلاقات المتوترة بين البلدين منذ انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، مع توقعات بزيارة الأخير قريباً إلى الرياض.
وتسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإصلاح العلاقة مع السعودية، وأصبحت الرغبة في تحسين العلاقات أكثر إلحاحاً بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، في محاولة لإقناع الرياض بزيادة إنتاج النفط لمواجهة ما خلفته الأزمة.
ولعل الموقف الحالي يُظهر كيف تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في زعزعة تحالفات العالم، وهو ما أجبر الولايات المتحدة على إعادة ترتيب أولوياتها، خصوصاً مع السعودية حليفتها الكبرى في الشرق الأوسط. فهل يصلح البلدان ما أفسدته الخلافات السياسية؟
بايدن في الرياض
يبدو أن كل المعلومات تشير إلى زيارة وشيكة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية أواخر شهر يونيو القادم، للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية، (24 مايو 2022)، عن دبلوماسي غربي في العاصمة السعودية الرياض (لم تذكر اسمه) قوله: إن "اتفاقاً مبدئياً تم بين الرياض وواشنطن على أن يصل الرئيس الأمريكي إلى جدة خلال الأسبوع الأخير من شهر يونيو المقبل".
وأوضح أن بايدن سيلتقي خلال الزيارة بالعاهل السعودي الملك سلمان، وولي عهده، دون مزيد من التفاصيل.
وفي 19 مايو 2022، نقلت قناة "سي إن إن" الأمريكية عن مصادر قولها إنه من المرجح أن يلتقي بايدن بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للمرة الأولى خلال الشهر المقبل.
ووفقاً للقناة، أجرى المسؤولون في إدارة بايدن محادثات مع الإدارة السعودية، خلال الشهور الماضية، من أجل ترتيب اللقاء المباشر الذي سيجري بين الجانبين.
كما نقلت وكالة "بلومبيرغ" عن مصادر أن الرئيس الأمريكي قد يلتقي ولي العهد السعودي، وذلك على ما يبدو لإنهاء التوتر المتصاعد بين البلدين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، أواخر فبراير الماضي.
ونقلت أيضاً عن مسؤول في البيت الأبيض أن بايدن قد يزور الشرق الأوسط لحضور قمة لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، خلال يونيو المقبل، وهو نفس الشهر الذي يفترض أن يزور فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي.
تحركات متعددة..
لا يتوقف الأمر عند التسريبات الإعلامية، فالتحركات الدبلوماسية بين الجانبين لم تتوقف، كان أبرزها لقاء جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، (24 مايو)، مع وفد من أعضاء الكونغرس الأمريكي يضم نواباً عن الحزب الجمهوري.
وأفادت وكالة الأنباء السعودية "واس" بأنه جرى خلال الاستقبال استعراض علاقات الصداقة بين البلدين، إضافة إلى عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك.
ونشرت الوكالة لقطات مصورة للحظة لقاء الأمير محمد بن سلمان 3 نواب جمهوريين عن ولايات يوتا وبنسلفانيا وميتشغان.
وفي واشنطن، يقود خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، لقاءات منذ 17 مايو، كان أبرزها مع وزيري الدفاع لويد أوستن، والخارجية أنتوني بلينكن، حيث ناقش مع أوستن مراجعة الشراكة السعودية الأمريكية والتعاون العسكري الاستراتيجي المستمر بين البلدين، فيما أكد بيلنكن التزام واشنطن الدائم بتعزيز دفاعات السعودية.
كما بحث الأمير خالد بن سلمان مع قائد القيادة الوسطى الأمريكية الفريق أول مايكل كوريلا، التنسيق الدفاعي المشترك، وسبل مواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة بشكل مشترك.
ومنتصف مايو 2022 قال موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي، إن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وليام بيرنز، التقى مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة، حيث تناولا زيادة إنتاج النفط، وكذلك العلاقة السعودية الصينية، وملفات أخرى.
من جانبه كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي (25 مايو) أن اثنين من كبار مستشاري الرئيس الأمريكي يجريان زيارة سرية إلى السعودية؛ للتنسيق حول لقاء يخص المنطقة.
ونقل الموقع، عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين -لم يسمهم- قولهم: إن بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض، وأموس هوتشستين، مستشار الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة، وصلا إلى السعودية، لعقد اجتماعات مع مسؤولين سعوديين كبار.
وفي وقت سابق، نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، أن الأمير خالد موجود بواشنطن لقيادة الوفد السعودي في لجنة التخطيط الاستراتيجي المشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية.
وقال الموقع إن اللقاء ذو أهمية؛ حيث تحاول الولايات المتحدة تحسين العلاقات مع السعودية، في الوقت الذي تدفع فيه المملكة إلى زيادة إنتاجها النفطي، وقبل زيارة الرئيس بايدن القادمة للشرق الأوسط في نهاية يونيو.
تفاطعات وخلافات..
الخبير في الشأن الخليجي د ميثاق خير الله جلود يقول إن العلاقات الأمريكية السعودية تمر بمرحلة من الفتور المعلن وغير المعلن منذ نحو عشر سنوات، وخصوصاً منذ عهد الرئيس باراك أوباما، الذي انتهج سياسة تجاه المنطقة كانت مثار استياء كثيرين وخصوصا السعودية.
وأضاف "جلود"، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن السياسة نفسها استمرت في عهد دونالد ترامب الذي حاول مراراً التقليل من شأن السعودية ومارس تجاهها سياسة غير واضحة، وخصوصاً في الأزمة اليمنية، رغم أنه انسحب من الاتفاق النووي الإيراني وهو أمر كان جيداً للرياض.
أما في عهد الرئيس بايدن، يضيف جلود، فقد استمرت العلاقات في تقاطعات وخلافات ظاهرها قضايا من قبيل مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكنها في الواقع خلافات تستند إلى أسباب أخرى غير معلنة.
ويعود الخلاف، بحسب جلود، إلى ثلاثة ملفات رئيسية هي: الأزمة اليمنية التي ترى الرياض أن واشنطن خذلتها فيها بشكل كبير، ثم ملف إيران النووي وسياسة الولايات المتحدة تجاهه، وأخيراً سياسة السعودية النفطية التي تتعارض مع المطالب الأمريكية المتكررة بزيادة الإنتاج.
ومن جانب آخر، فإن العلاقات السعودية الأمريكية تصنف على أنها علاقات استراتيجية طويلة الأمد وتعود لأربعينيات القرن، فضلاً عن الاستثمارات السعودية الضخمة في بورصة وول ستريت الأمريكية؛ لكونها ثاني أكبر مستثمر خارجي بعد الصين.
وعليه؛ فإن جلود يستبعد وصول الطرفين إلى مرحلة القطيعة؛ بالنظر إلى أن كلاً منهما بحاجة إلى الآخر في ملفات بعينها، ولو في المدى القريب على الأقل. كما أن هناك تحركات قريبة تشير إلى أن الجانبين يتجهان لطاولة الحوار من أجل معالجة الخلافات.
وأشار إلى زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ويليام بيرنز للرياض وزيارة نائب وزير العهد السعودي الأمير خالد بن سلمان لواشنطن، معتبراً أن هذه الزيارات تمهد لزيارة ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان لواشنطن قريباً.
وأعرب جلود عن قناعته بأن زيارة "بن سلمان" المرتقبة للولايات المتحدة ستناقش الملفات الثلاثة سالفة الذكر على وجه التحديد، وأنها ربما تنهي الخلاف وتعود بالعلاقات إلى ما كانت عليه من قوة.
توتر السنوات الأخيرة
وتخيم حالة من التوتر على العلاقات منذ وصول بايدن للبيت الأبيض، مطلع 2021، وذلك بالنظر إلى الانتقادات الحادة التي وجهها للمملكة خلال حملته الانتخابية فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وبعد وصوله إلى الحكم لم يجر بايدن أي اتصال هاتفي مع "بن سلمان"، فضلاً عن سماحه بنشر تقرير استخباري يثبت موافقة الأخير على اختطاف أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وقد قلّص بايدن الدعم الأمريكي للمملكة ضمن جهوده لإنهاء حرب اليمن، لكنه واصل تقديم الأسلحة الدفاعية، وقد أعاد مؤخراً بطاريات صواريخ "باتريوت" لدعم قدرات السعوديين على صد هجمات الحوثيين.
لكن تمسك الرياض بعدم ضخ مزيد من النفط لتهدئة مخاوف السوق العالمية من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على إمدادات الطاقة وحظر الولايات المتحدة وبريطانيا للنفط الروسي دفع واشنطن نحو حلحلة الخلافات.
وكان أبرز تلك الخطوات مطلع العام الجاري، حينما أعادت واشنطن تكثيف الدعم العسكري للسعودية، في أعقاب هجمات صاروخية نفذها الحوثيون على المملكة، وكانت كمؤشرات عملية في إطار سعي واشنطن لتحسين العلاقات مع حلفائها الخليجيين، وخصوصاً الرياض.