السفير وليام روبوك/ معهد دول الخليج في واشنطن – ترجمة الخليج الجديد-
خلال الشهرين الماضيين، اتخذت الإدارة الأمريكية سلسلة من الخطوات لتحسين العلاقات مع الإمارات والسعودية.
وفي مارس / آذار الماضي، التقى وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" مع ولي عهد أبوظبي آنذاك "محمد بن زايد" في المغرب، وهو اجتماع ورد أنه تضمن اعتذارًا عن تأخر التفاعل الأمريكي مع هجمات المتمردين ضد الإمارات.
وفي منتصف أبريل/نيسان، التقى مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "وليام بيرنز" مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في جدة للتأكيد على رغبة الولايات المتحدة في إصلاح العلاقات.
وفي مايو/أيار الجاري، سافر وفد أمريكي رفيع، بقيادة نائبة الرئيس "كامالا هاريس" ومشاركة "بلينكن" و"بيرنز" ووزير الدفاع "لويد أوستن" والمبعوث الرئاسي الخاص للمناخ "جون كيري"، إلى أبوظبي لتقديم التعازي في وفاة رئيس الإمارات "خليفة بن زايد آل نهيان". وكان الهدف من من هذا الوفد الكبير نقل الأهمية التي توليها الولايات المتحدة للعلاقة مع الإمارات.
وتأتي هذه التطورات وسط تقارير تفيد بأن الرئيس "جو بايدن" يفكر في زيارة الرياض في يونيو/حزيران، ومن المحتمل أن تتزامن هذه الزيارة مع اجتماع مجلس التعاون الخليجي.
ويبدو أن هذا النشاط الدبلوماسي رفيع المستوى يهدف إلى معالجة مخاوف هذه العواصم الخليجية.
لقد انزعج الإماراتيون منذ شهور من تجاهل واشنطن لهجمات الحوثيين في يناير/كانون الثاني ضد أبوظبي والتي أسفرت عن مقتل 3 أشخاص؛ حيث رفضت الولايات المتحدة إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، ولم توافق على رفع الشروط والقيود المفروضة على صادرات الأسلحة إلى الإمارات بما في ذلك الطائرات المقاتلة "إف 35".
ويرتبط التوتر بين واشنطن والرياض بالاتهامات الأمريكية المستمرة بشأن مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" وموقف "بايدن" من "بن سلمان" وانتقاد الولايات المتحدة ا للحرب في اليمن وتجاهل واشنطن لموقع المملكة في الشرق الأوسط.
ويشكّل ارتفاع أسعار الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة للتعبير عن الاستياء الخليجي، وفي الوقت ذاته يشجع واشنطن على معالجة هذا الاستياء.
لكن تدهور العلاقات بين واشنطن وحلفائها الخليجيين الرئيسيين بدأ منذ فترة طويلة حيث انخرطت دول الخليج منذ سنوات في خطط التنويع الاستراتيجي بعد أن شعرت بتراجع الولايات المتحدة عن العمل بشكل حاسم في المنطقة؛ وصعود الدور الصيني في الخليج، وعودة روسيا لممارسة نفوذ إقليمي كبير واستعدادها لحماية حلفائها.
وأظهر سقوط الرئيس المصري الأسبق "حسني مبارك" والانسحاب الأمريكي الأخير من أفغانستان أن الولايات المتحدة مستعدة لإدارة ظهرها للحلفاء القدامى مما يشكك فيها كشريك استراتيجي موثوق.
ويرى البعض أن ميل الإدارة الأمريكية الحالية لإصلاح العلاقات مع الرياض وأبوظبي يتناقض مع الوعود الانتخابية لـ"بايدن"، لكن لا يمكن تحميله كامل المسؤولية حيث يعود بعضها إلى فشل إدارة الرئيس السابق "دونالد ترامب" في الرد على إيران بعد هجمات سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص، وإلى ميل الرئيس الأسبق "باراك أوباما" تجاه إيران أثناء وبعد مفاوضات الاتفاق النووي.
لكن إذا أدت السياسة الأمريكية تجاه إيران وانعدام الثقة في الولايات المتحدة إلى توتر على الجانب الخليجي، فإن قضية الصين كانت سببا في التوتر على الجانب الأمريكي. وكان هناك شعور في واشنطن بانعدام الشفافية فيما يتعلق بالصفقات التي تعقدها العواصم الخليجية مع الصين.
وتصاعدت الاحتكاكات بين أبوظبي وواشنطن مع وضع قائمة من القيود والشروط على تسليم طائرات "إف 35" للإمارات مخافة أن تتعرض هذه التكنولوجيا الحساسة للخطر من خلال الأصول الصينية في المنطقة.
وساعدت المخاوف الأمريكية بشأن الصين في تفاقم الاستقطاب بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن الخليج، مما أدى إلى تقييد مجال المناورة أمام الإدارة الحالية لمعالجة مشاكل هذه العلاقات في وقت مبكر.
ويعكس التحوط الاستراتيجي في الرياض وأبوظبي المخاوف من عدم وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها الأمنية، وبالرغم أن واشنطن لم تكن قلقة بشأن سياسة التحوط الاستراتيجي الخليجية خاصة أنها تركزت في البداية على تعزيز العلاقات مع دول أوروبية مثل فرنسا أو المملكة المتحدة، لكن شبح صعود الصين غير حسابات الولايات المتحدة.
هناك أيضًا شعور بين بعض المراقبين في واشنطن بأن التحوط - والرسائل المرتبطة به - قد تحول في بعض الأحيان إلى رفض للهيكل الواسع للسياسة الأمريكية.
لا يوجد مكان تتجلى فيه الحافة المزدوجة لسلوك التحوط الاستراتيجي أكثر من قضية أوكرانيا.
وأعرب أحد المسؤولين الأمريكيين السابقين عن تفهمه لوجهات النظر الخليجية الأولية بشأن أوكرانيا، لكنه رأى أنه يجب على القادة الخليجيين إعادة حساباتهم خاصة مع دعم الولايات المتحدة والناتو لأوكرانيا بشكل كبير والتعثر المستمر للجهود العسكرية الروسية.
يشكك آخرون في الولايات المتحدة في حدوث تغيير كبير في حسابات الخليج بشأن أوكرانيا، باعتبار أن تصورات هذه الدول تشكلت من خلال تقييم مفاده أن الولايات المتحدة وحلف الناتوهما السبب في الأزمة الحالية نتيجة تجاهل مخاوف روسيا فيما يتعلق بتوسيع الناتو.
ومن وجهة نظر بعض دول الخليج، فإن حرب أوكرانيا تظهر ازدواجية في المعايير الأمريكية تتجلى في الرد القوي على غزو أوكرانيا مقارنةً بالاستجابة الضعيفة بشأن سوريا وكذلك المعاملة المختلفة لأزمة اللاجئين الناتجة في الحالتين.
وبالتالي، لدى كل من الولايات المتحدة ودول الخليج الرئيسية روايات تساعد في تفسير تآكل هذه العلاقة المهمة، لكن الحقيقة الأساسية هي أن السعودية والإمارات بحاجة إلى الولايات المتحدة، كما إن الولايات المتحدة بحاجة إليهما.
ولا يمكن للتحوط الاستراتيجي أن ينفي أو يحل محل الاعتبارات الأساسية للأمن القومي.
ومهما كانت الاختلافات في المصالح والروايات التي يجلبها كل جانب إلى طاولة المفاوضات، ومهما كانت الاختلافات في الأنظمة السياسية والأعراف الثقافية، فهناك تراكب للمصالح المشتركة التي تجعل من الضروري وقف الفتور وإصلاح العلاقات.
لقد قطعت الخطوات الأمريكية الأخيرة بعض الشوط نحو تحسين العلاقات، وستحقق زيارة "بايدن" القادمة أيضًا زخما سياسيا كبيرا (بالرغم أن الإدارة ستحتاج إلى الحذر من خلق تصور عن ضعفها).
ولكن هذه الجهود التحسينية ينبغي أن تكون من الطرفين، حيث إن الكثيرين في واشنطن سيبحثون عن بعض الإشارات الإيجابية من الخليج ردًا على مبادرات الولايات المتحدة لتصحيح مسار السفينة.
ويتوقع هؤلاء من حلفاء الولايات المتحدة أن يفهموا أن أي إدارة أمريكية بحاجة إلى معالجة الشواغل المحلية.
ولن يكون هذا التحسن في العلاقات سهلا أو كاملا. وستكون هناك معارضة في أوساط معينة من المؤسسة السياسية ووسائل الإعلام في الولايات المتحد
ومع ذلك، فإن المبررات لمثل هذا التحسين واضحة والتقدم جار بالفعل؛ وأدت الدبلوماسية الفعالة والتركيز المستمر على الحقائق التي تواجه علاقات الولايات المتحدة بكل من السعودية والإمارات إلى تمهيد الطريق لمزيد من إصلاح التدهور الكبير في هذه العلاقات.