محمد أبو رزق - الخليج أونلاين-
بعد حالة من التوتر التي سادت العلاقات السعودية الأمريكية منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع 2021، عادت واشنطن للحديث عن "إعادة ضبط" العلاقات بينهما، وتجاوز الخلافات.
ويحمل التأكيد الأمريكي حول إعادة ضبط العلاقات مع السعودية تغيراً كبيراً في سياسة بايدن تجاه الرياض، خاصة أنه وعد خلال حملته الانتخابية بـ"نبذ" المملكة نتيجة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
وقررت الولايات المتحدة، وفق تصريح وزير خارجيتها أنتوني بلينكن (الجمعة 10 يونيو)، "ضبط العلاقات" مع الرياض، معتبراً أن علاقاتهما "مهمة للغاية في حل الأزمة اليمنية".
وبيّن أن شراكة مهمة جداً تربط الولايات المتحدة بالمملكة، وأن هذه الشراكة تشمل العديد من الجوانب، وبضمن ذلك مكافحة التطرف والتعامل مع إيران، موضحاً أن "القرار الأمريكي يهدف لتأكيد أن العلاقة بين البلدين تحقق المصالح المشتركة لهما بشكل أفضل".
ويريد بايدن من إعادة ضبط العلاقات مع السعودية، تخفيف أزمة نقص إنتاج النفط والتي تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية، وإحياء الجهود السلمية في المنطقة.
مشكلة في العلاقات
وحول المقصود من واشنطن حول حديثها عن "إعادة ضبط العلاقات" مع الرياض، يؤكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية، إبراهيم علوش، أن إعادة الضبط تعني وجود مشكلة في العلاقات، وأنها لا تعمل بشكل طبيعي أو سليم.
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يقول علوش: "المطلوب الآن حول العلاقات الأمريكية السعودية البدء من جديد، بمعنى إعادة التشغيل، وهذا مؤشر على الرغبة بتحسين العلاقة مع السعودية أمريكياً.
ويتعلق الموضوع، حسب علوش، بأزمة أوكرانيا وضرورة زيادة إنتاج النفط السعودي، كما يرتبط استراتيجياً بالصراع على آسيا وفيها في مواجهة الصين وروسيا.
ويضيف: "ثمة جهود أمريكية لتشكيل تكتل اقتصادي آسيوي يمتد من تركيا إلى إندونيسيا ويشمل الهند ودولة الاحتلال الإسرائيلي، كما لا بد للدول الخليجية من أن تكون جزءاً منه من المنظور الأمريكي".
وبدأت ملامح إعادة ضبط العلاقات السعودية الأمريكية تظهر، حيث بدأ الحديث عن زيارة بايدن إلى المملكة التي كان مقرراً أن تكون نهاية الشهر الجاري "ضمن رحلة مجدولة مسبقاً إلى أوروبا وإسرائيل"، وفقاً لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
إلا أن بايدن أعاد إثارة الغموض مجدداً، من خلال قوله إنه لم يقرر بعدُ ما إذا كان سيتوجه إلى المملكة.
وقال بايدن، وفقاً لما نقلته وكالة "رويترز"، (السبت 11 يونيو الجاري): "لم أقرر بعدُ ما إذا كنت سأتوجه إلى السعودية، وإذا زرتها فليست لها علاقة بالنفط، بل بالجهود السلمية في المنطقة".
مؤشرات إعادة الضبط
وسبق تلك الخطوات إجراء بايدن، في فبراير الماضي، مكالمة هاتفية مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ناقشا خلالها "ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية"، وفقاً لمضمون المكالمة الصادر عن البيت الأبيض.
كما سبق زيارة بايدن المقررة إلى السعودية العديد من الزيارات المعلنة وغير المعلنة من مسؤولي البلدين، في محاولة لتهيئة الطريق أمام لقاء محتمل بين بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتحسين العلاقات.
حيث عقد ولي العهد السعودي، خلال مايو الماضي، لقاء مع وفد من أعضاء الكونغرس الأمريكي يضم نواباً عن الحزب الجمهوري في العاصمة الرياض.
وأفادت وكالة الأنباء السعودية "واس" بأنه جرى خلال الاستقبال استعراض علاقات الصداقة بين البلدين، إضافة إلى عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك.
وعقد نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، في مايو الماضي أيضاً، لقاءات في واشنطن، مع وزيري الدفاع لويد أوستن، والخارجية أنتوني بلينكن، حيث ناقش مع الأول مراجعة الشراكة السعودية الأمريكية والتعاون العسكري الاستراتيجي المستمر بين البلدين، فيما أكد الثاني التزام واشنطن الدائم بتعزيز دفاعات المملكة.
وبحث الأمير خالد بن سلمان مع قائد القيادة الوسطى الأمريكية الفريق أول مايكل كوريلا، التنسيق الدفاعي المشترك، وسبل مواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة بشكل مشترك.
تصريحات ودية
من جانب آخر، بدأت التصريحات الأمريكية تأخذ منحى ودوداً مع المملكة، أبرزها حين ردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، على سؤال شبكة "CNN" في البيت الأبيض حول ما إذا كان بايدن لا يزال يعتقد أن السعودية يجب أن تصبح "منبوذة"، بالقول: "كانت المملكة شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة منذ 8 عقود، وقد التقى كل رئيس منذ روزفلت بقادة سعوديين".
وأضافت، في 8 يونيو: "الطيارون السعوديون حلقوا مع طيارينا في الحرب ضد تنظيم (داعش)، ودورياتها البحرية مع قواتنا في البحر الأحمر والخليج، والعسكريون الأمريكيون متمركزون في السعودية".
وبينت أن "الرئيس سيلتقي مع أي زعيم إذا كان ذلك يخدم مصالح الشعب الأمريكي، هذا ما يضعه أولاً، ويعتقد أن التعامل مع القادة السعوديين يفي بهذا، كما فعل كل رئيس قبله".
وحول نفس الموضوع، علّق المتحدث السابق باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، الذي عُين في مايو الماضي بمنصب المنسق لمجلس الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الاستراتيجية، إن قول بايدن بأن السعودية "منبوذة"، هو أنه "كان يرد طبعاً على مقتل جمال خاشقجي. وهي عملية قتل قامت بها هذه الإدارة في الواقع، لتطبيق إجراءات المساءلة للمملكة العربية السعودية".
وفي حين اعتبر أن "السعودية شريك مهم والرئيس يؤمن بذلك"، أوضح أن "السعوديين مفتاح في جميع أنحاء المنطقة، وبصراحة تامة، في جميع أنحاء العالم".
واستطرد: "من حيث مساعدة مصالح أمننا القومي. انظروا، طيارونا طاروا مع طياريهم وضربوا الصواريخ وضربوا أهدافاً ضد داعش وبحّارتنا وسفننا أبحروا مع سفنهم بالبحر الأحمر في مهمات مكافحة الإرهاب".
كما ذكرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، في 10 يونيو، أن مسؤولين أمريكيين بارزين -لم تسمهم- أعلموا السعودية أن واشنطن مستعدة للمضي قدماً في "إعادة ضبط" العلاقة، وتجاوز مقتل خاشقجي من أجل إصلاح العلاقات مع الرياض.
أزمة الطاقة
وإلى جانب القضايا السياسية، سارعت الولايات المتحدة أيضاً إلى إعادة التواصل وتحسين علاقاتها مع السعودية، بهدف زيادة إنتاج النفط الخام.
وسبق أن كشفت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، في فبراير الماضي، أن "المخاوف الأمريكية من جراء ارتفاع أسعار النفط دعت الولايات المتحدة إلى التواصل مع السعودية لضخ المزيد من النفط للأسواق العالمية".
وأرسل البيت الأبيض، وفق الشبكة الأمريكية، اثنين من المسؤولين إلى الرياض للضغط عليها لضخ المزيد من النفط.
وأضافت "سي إن إن" أن المسؤول قال إن السعوديين يقاومون أي تغييرات في الإنتاج بسبب التزاماتهم تجاه اتفاق مجموعة "أوبك+".
وأثمرت تلك الاتصالات وإعادة التواصل الأمريكي السعودي، في إعلان تحالف "أوبك+"، (الخميس 2 يونيو الجاري)، زيادة إنتاجه اليومي خلال يوليو وأغسطس المقبلين بمعدل 648 ألف برميل يومياً.
وبعد الإعلان عن الزيادة الجديدة، نقلت "رويترز" عن البيت الأبيض أن "الولايات المتحدة تقدر دور السعودية في تحقيق التوافق في (أوبك+) والمساهمات الإيجابية للإمارات والكويت والعراق".