إبراهيم درويش-
قال الباحث في جامعة جورج ميسون جون هوفمان إن الولايات المتحدة ليست مضطرة لإلزام نفسها بتحالف دفاعي مع الإمارات العربية المتحدة. وقال بمقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” إن التقارير تشير إلى أن واشنطن ستقدم للإمارات العربية المتحدة اتفاقا دفاعيا رسميا يحتوي على ضمان أمنية أمريكية لأبو ظبي. ولو كانت التقارير صحيحة فسيكون أول اتفاق من نوعه بالمنطقة وخطوة للوراء في المصالح الأمريكية.
وقيل إن الولايات المتحدة أرسلت مسودة إلى الإمارات مع زيارة لمنسق البيت الأبيض في شؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغيرك ومناقشة الموضوع. وقال المعلق السياسي الإماراتي والمستشار السابق للقيادة الإماراتية عبد الخالق عبد الله إن البلدين يقتربان من توقيع شراكة “شاملة وملزمة” “لم تحصل عليها أي دولة في المنطقة حتى الآن”. وبدأ الخبراء والمحللون بمناقشة تقديم ضمانات أمنية للسعودية، وتتحدث إدارة جوي بايدن عن خطط لإنشاء وإقامة نظام دفاعي جوي متكامل في المنطقة بين الدول العربية وإسرائيل.
وبعيدا عن كونها حدثا معزولا، فالمعاهدة مع الإمارات تبدو وكأنها خطوة ممكنة من القيادة الأمريكية باتجاه سلسلة من الالتزامات الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط. ويبدو أن الرئيس بايدن وفريقه هم من يقودون وبطريقة أحادية الخطوات نحو المعاهدة مع الإمارات، بشكل لا يترك الشعب الأمريكي في الظلام فقط، بل والكونغرس كذلك. والكونغرس هم من يملك الصلاحية للموافقة على المعاهدات، وكما قال مساعد ديمقراطي بارز في مجلس الشيوخ فإن “تقديم ضمانات أمنية نيابة عن الشعب الأمريكي هو خطوة خطيرة، تحتاج للتفاعل مع وموافقة ممثلي الشعب في الكونغرس. وأنا لست متأكدا من وجود تفاعل كهذا حتى الآن”.
وتقدم النائبان الديمقراطيان رو خانا وإلهان عمر بتعديلات على قانون النفقات الدفاعية في العام المقبل والتي ستبطئ أو تمنع أياً من الاتفاقيات وتطلب إدلاء الكونغرس بدلوه فيها. ورفضت وزارة الخارجية التعليق عندما طلب منها التعليق حول وضعية الاتفاق.
ويرى الكاتب أن زيادة الالتزامات الأمريكية في الشرق الأوسط لن تخرق فقط القوانين الأمريكية القائمة والمصممة لمنع البلد من تقديم الدعم الأمني والضمانات لحكومات لديها سجل صارخ في حقوق الإنسان، بالإضافة لكونه غير منطقي من الناحية الإستراتيجية لأنه يدفع مصالح لاعبين تتناقض مع مصالح واشنطن. وأضاف الكاتب أن موضوع الالتزامات الأمريكية في الشرق الأوسط حظي باهتمام ملح بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. واستخدم حلفاء واشنطن الإقليميون، الإمارات والسعودية تحديدا، عودة النزاع بين القوى العظمى ودفعوا باتجاه الحصول على التزامات وتنازلات من الضامن الأمني الرئيس لهم. واستخدم اللاعبون قلق الولايات من خسارتها الموقع المتميز لروسيا أو الصين، رغم أن أيا من القوتين ليست قادرة أو مستعدة لملء الفراغ الأمريكي في المنطقة مما أدى لظهور ما يمكن تسميته بـ “نفوذ معكوس”. وهو ما أدى لرفض السعودية والإمارات الطلبات الأمريكية المتكررة لزيادة انتاج النفط للحد من ارتفاع أسعاره وتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة العالمي، وكذا رفض القادة السعوديون والإماراتيون الرد على مكالمات بايدن، بالإضافة لتحول الإمارات إلى ملجأ آمن للأوليغارش الروس الفارين من العقوبات. ولا يجب نسيان امتناع أبو ظبي عن التصويت في مجلس الأمن مع قرار يشجب الغزو الروسي لأوكرانيا. وترافقت هذه التحركات مع قائمة من التحليلات التي ترى أهمية إعادة الولايات المتحدة التزامها للشرق الأوسط. ووصل هذا ذروته بطلب السعودية والإمارات في آذار/مارس معاهدة تعاون أمني مع الولايات المتحدة. وفي ذلك الوقت دفعت الإمارات باتجاه “التزام أمني مؤسس” من الولايات المتحدة. وتدفع إسرائيل في واشنطن باتجاه معاهدة دفاع مع دول الخليج.
والنتيجة هي ظهور تحالف أمنى إقليمي ناشئ بدعم من الولايات المتحدة. وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانس أن إسرائيل تقوم وبرعاية أمريكية ببناء شبكة دفاع جوي اسمها تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط (ميد). ولا توجد تفاصيل عن التحالف سوى تعاون على مستويات عالية بين إسرائيل والإمارات والبحرين ومصر لخلق آلية كهذه. وهناك محاولات لجلب السعودية إلى التحالف. وفي لقاء عقد قبل فترة بالنقب حضره مسؤولون من أمريكا والبحرين ومصر والمغرب والإمارات وإسرائيل ناقشوا فيه منبرا صمم لتوسيع الاندماج والتعاون الأمني بالمنطقة. وأخبر مسؤولون إسرائيليون موقع “أكسيوس” “هذه بداية تحالف إقليمي”، وستكون إضافة السعودية له محل نقاش أثناء زيارة بايدن للمنطقة. كما وسيتم طرح موضوع تطبيع المملكة علاقاتها مع إسرائيل.
وفي الكونغرس تقدم مشرعون بمشروع قرار يدعو وزارة الدفاع العمل على تقديم استراتيجية تدمج شبكة الدفاع الجوية في الشرق الأوسط والتي ستقوم بناء على النائب جيمي بانيتا “بحماية شركائنا في المنطقة والبناء على الشراكة الموجودة عبر اتفاقيات إبراهيم”. ومع أن التحالف الأوسع يستغرق وقتا للظهور إلا أن الموضوع المباشر ويجب التصدي له هو الاتفاق الذي قيل إنه قدم للإمارات وربما امتد للسعودية ولماذا يجب على إدارة بايدن التخلي. وقال إن مستويات الدعم الأمني الأمريكي للسعودية والإمارات تتناقض مع عدد من القوانين الأمريكية. أولا، يحظر على الإدارة تقديم الدعم لأنظمة متورطة في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، فبند 502 بي من قانون الدعم الخارجي ينص “لا مساعدة أمنية قد تقدم لبلد أو حكومة متورطة في أشكال متناسقة مع القانون الدولي لانتهاكات حقوق الإنسان”. وأكد على أهمية لعب الولايات المتحدة الدور على نشر وتشجيع وزيادة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية حول العالم بدون أي تفريق للون، عرق، لغة أو دين”. ويعكس هذا قانون ليهي، وبندين من الأحكام القانونية في وزارة الخارجية التي “تمنع الحكومة الأمريكية من استخدام المال لدعم وحدات في قوات الأمن الأجنبية، مع وجود أدلة موثوقة على أن هذه الوحدات أصدرت أوامر لخرق حقوق الإنسان”.
ويقول الكاتب إن السعودية والإمارات تعتبران من الدول التي تقع في مرتبة أدنى من روسيا في مؤشر فريدم هاوس للحرية، فكلاهما متورط في انتهاكات حقوق الإنسان ويدعمان أنظمة مستبدة تمارس نفس الشيء. وامتنع البلدان عن نقد الإبادة التي تمارسها الصين ضد المسلمين الإيغور، وتشاركان في حرب اليمن. والمهم أيضا أن كلا الدولتين خرقتا قوانين أمريكية داخل أمريكا. ففيما يتعلق بالإمارات فقد اتهم توماس باراك، مدير لجنة تنصيب دونالد ترامب بالتصرف كعميل لدولة أجنبية والتأثير على سياسات ترامب ومواقفه. وكشف المدعون الأمريكيون أن المسؤولين الإماراتيين وجهوا باراك وأنه حاول الدفع بترشيح وتعيين المرشحين للمناصب المهمة في الحكومة. وفي نهاية العام الماضي اعترف ثلاثة مسؤولين أمنيين سابقين بالعمل لصالح الإمارات واختراق عدة شبكات انترنت في أمريكا. وعليه فتعاون أمني سيعزز من التصرفات اللاشرعية لمن يطلق عليه شركاء الولايات المتحدة وما يفعلونه داخلها.
ورغم ما تحمله هذه التحركات من إشكاليات قانونية إلا أن محللين يرون أن ما يقوم به بايدن متجذر في الواقعية والبراغماتية. وبعد معاينة عميقة فمضاعفة الوجود الامريكي المنطقة سيترك آثارا عكسية. فمن المنظور الإستراتيجي، فأي تحرك سيعزز مخاطر التزام الولايات المتحدة بالمشاكل البنيوية للشرق الأوسط، ديكتاتورية الأمر الواقع، بدون أي منفعة، وبخاصة ما يتعلق بأسعار النفط المرتفعة. وبحسب الكاتب فلأن الأنظمة الديكتاتورية تعتبر وبشكل متأصل غير مستقرة نظرا لعدم شرعية حكمها، وهناك أبحاث أكاديمية تظهر أن الدول الشمولية عادة ما تبني تحالفات لا تمتع بمصداقية. ولا تعني القواعد والمعاهدات والقوانين الكثير عندما تكون السلطة مطلقة. وهي مهتمة بشكل رئيسي بالحفاظ على النظام وإظهار القوة، فهي مسؤولة عن التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي نظرا لتحكمها بموارد الدولة ومنحها لنخبة ضيقة. والدعم القوي من الولايات المتحدة هو ما يدفع هذه الحكومات للتصرف بدون خوف، في الداخل والخارج. ولن تفعل الضمانات الأمنية سوى وضع صفة الرسمية على التزامات أمريكا للاعبين مما يخلق المزيد من التظلمات وعدم الاستقرار.