تومز راتفيلدرز- معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة الخليج الجديد-
بعد نحو 6 أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أطلق طوفانا من العقوبات الغربية، تركز روسيا على دول الخليج بشكل متزايد، ويتضح ذلك في التغطية الثابتة للسعودية وقطر وعُمان والكويت والإمارات والبحرين في وسائل الإعلام الروسية.
وغالبًا ما يعكس هذا المحتوى مصالح السياسة الخارجية لروسيا ونظرتها العالمية. وتُظهر رسائل البروباجاندا الروسية بشأن أكبر دولة في الخليج؛ السعودية، ازدواجية في السرديات المتعلقة بعلاقة المملكة بالولايات المتحدة.
السعودية كحليف قوي للولايات المتحدة
لطالما قدمت وسائل الإعلام الروسية المملكة في إطار سردية عن القوى العظمى والدول التابعة لها، معتبرة أن النفوذ الأمريكي جعل السعودية بمثابة "دمية". وعلى سبيل المثال، تحدث مقال في "أوراسيا ديلي" في 2 أغسطس/آب المنصرم عن "التبعية الكاملة" التي تظهرها السعودية للولايات المتحدة. وبالمثل، حث مقال في 16 أغسطس/آب في صحيفة "إزفيستيا" إلى عدم التفاؤل بشأن الاستثمارات التي قام بها الملياردير السعودي الأمير "الوليد بن طلال" في صناعة النفط والغاز الروسية.
واستشهد المقال بتعليق "سيرجي ديميدينكو"، عميد الأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة، والذي قال إن روسيا ينبغي ألا تتوقع الكثير من تعميق العلاقات الاقتصادية مع السعودية لأن نخبتها الاقتصادية مرتبطة للغاية بالنخبة الاقتصادية الأمريكية، مؤكدا أنه جرى دمج المملكة بشكل وثيق في النظام المالي العالمي، لذلك لن تخاطر بالتعرض للعقوبات الأمريكية.
علاوة على ذلك، نشرت وكالة الأنباء الروسية "إيتار تاس" تعليقًا من المعلق العسكري "فيكتور ليتوفكين" ورئيس مكتب التحليل العسكري والسياسي "ألكساندر ميخائيلوف"، تحدثا فيه عن اهتمام السعودية بمنظومة الدفاع الجوي الروسية "S-400"، لكنهما أشارا ضمنيًا إلى أن المملكة لن تشتري هذه المنظومة بسبب الضغط الأمريكي.
وأخذت بعض الوسائل الإعلامية نغمة أكثر عدائية حيث صورت السعودية كأداة يمكن استخدامها لإرضاخ روسيا. وعلى سبيل المثال، ففي 27 مايو/أيار الماضي سلطت صحيفة "موسكو تايمز" الضوء على تقرير موقع "أكسيوس" عن زيارة منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض "بريت ماكجورك" ومبعوث الطاقة في وزارة الخارجية "عاموس هوشتاين" إلى السعودية.
وذكرت صحيفة "موسكو تايمز" أن الولايات المتحدة والسعودية تستعدان لصفقة سرية من شأنها أن تهبط بأسعار النفط العالمية مما يهدد بركود حاد في روسيا على غرار ما شهده الاتحاد السوفييتي بعد عام 1985. وفي تأكيد على التأثير المحتمل لمثل هذه الصفقة الأمريكية السعودية، جادل المقال بأن الركود كان أحد العوامل التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي.
وأولت وسائل إعلامية روسية اهتمامًا خاصًا لزيارة "بايدن" إلى الشرق الأوسط والتي تم تأطيرها على أنها فشلت فشلا ذريعا. ففي 21 يوليو/تموز الماضي، عرضت صحيفة "برافادا" مقابلة مع "أرييل كوهين" من مركز "أتلانتك كاونسل"، والتي قال فيها إن "بن سلمان" أبدى تجاهلا لطلب "بايدن" زيادة إنتاج النفط.
أما موقع "Lenta.ru" فقد وصل به الأمر إلى حد نشر مقال عن السياسة الخارجية يقارن زيارات "بايدن" و"بوتين" للشرق الأوسط، وجادل بأن السعوديين لديهم الآن توافق مصالح أكبر مع الروس مقارنة بالولايات المتحدة.
وأخيرًا، ناقشت وسائل الإعلام الروسية أيضًا تجارة النفط المباشرة بين روسيا والسعودية. ففي 27 يوليو/تموز الماضي، نقلت وكالة "سبوتنيك" تحليلًا نشره في الأصل مفكر أمريكي حول زيادة الصادرات النفطية الروسية إلى السعودية مجادلًا بأن العقوبات الغربية تؤدي إلى نتائج عكسية.
وباستخدام الفجوات المالية الحالية داخل هيكل العقوبات، لا يزال بإمكان روسيا تصدير النفط بسعر أقل إلى السعودية التي تستخدم النفط الروسي للاستهلاك المحلي، ما يساعدها على توفير المزيد من النفط للتصدير بأسعار مرتفعة، وبالتالي فإن هذا الوضع يعد مربحًا للجانبين.
وتم تأطير هذه القضية كجزء من حرب وقود أكبر بين روسيا والغرب، عملت فيها روسيا والسعودية بفعالية لإلغاء تأثير العقوبات الغربية وتسببتا في تعرض واشنطن وبروكسل إلى خسائر.
السرديات المزدوجة
أظهرت رسائل البروباجاندا الروسية إلى حد كبير هاتين السرديتين المكملتين لبعضهما إلى حد كبير. فمن ناحية، سعت إلى تعزيز وجهة نظر القيادة الروسية وتأطير السعودية كتابع خطير للولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، أشارت بعض وسائل الإعلام الروسية إلى أن السعودية ترفض بشكل متزايد النفوذ الأمريكي وتسعى إلى بناء علاقات بناءة مع روسيا.
ويمكن تفسير ازدواج الروايات بالحرب في أوكرانيا وضرورة الحفاظ على صورة انتصار روسي في الفضاء الجيوسياسي.
ويبدو أن القيادة الروسية تحاول إقناع الجماهير - خاصة داخل روسيا - بأنه حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة غير راغبين في المشاركة في نظام العقوبات الدولي وإدارة ظهرهم لموسكو. وتروج موسكو حاليا لفكرة تحول العالم إلى نظام متعدد الأقطاب تؤكد بموجبه روسيا مكانتها ونفوذها.
ونظرًا لأن الصراع في أوكرانيا غالبًا ما يُقدّم في روسيا باعتباره حربا ضد الغرب، فإن موسكو تحاول استغلال الموقف السعودي لإظهار الضعف التدريجي للعدو.