يوسف حمود - الخليج أونلاين-
رغم الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الضغط على الدول المصدرة للنفط، وتحديداً السعودية والإمارات، من أجل رفع مستوى إنتاج النفط للحفاظ على استقرار الأسعار وتقليل المخاوف العالمية، فإنها لم تفلح في ذلك، بل وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع الدولتين الخليجيتين.
ولعل موقف السعودية والإمارات الأخير مع تحالف "أوبك بلس"، والمتمثل بعدم الانصياع للضغوط الأمريكية، يشير إلى أن إدارة بايدن تواجه تحدياً كبيراً، خصوصاً مع الضغوطات الداخلية التي تتعرض لها.
ومع تعالي الأصوات المطالبة بسحب القوات الأمريكية وأنظمة الصواريخ الدفاعية من السعودية والإمارات، تطرح تساؤلاتٌ مفادها لماذا لا تستطيع القوات الأمريكية الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وكيف سيتخلص بايدن من الضغوطات الداخلية في الوقت الحالي؟
تصاعد الأصوات
منذ يوم 5 أكتوبر 2022، تصاعدت الأصوات المطالبة بسحب القوات الأمريكية من السعودية والإمارات، رداً على قرار أوبك بلس خفض الإنتاج مليوني برميل يومياً.
وعلى أثر ذلك قدم ثلاثة أعضاء في مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يقضي بإزالة الأصول العسكرية الأمريكية المهمة المتمركزة في السعودية والإمارات.
والنواب الثلاثة هم الديمقراطيون توم مالينوفسكي عن ولاية نيوجيرسي، وشون كاستن عن ولاية إلينوي، وسوزان وايلد عن ولاية بنسلفانيا، حيث قالوا: "عقب دعمهما (الرياض وأبوظبي) لقرار أوبك بلس، لا نرى أي سبب يدعو القوات الأمريكية والمتعاقدين إلى الاستمرار في تقديم هذه الخدمة إلى البلدان التي تعمل بنشاط ضدنا".
وفي 8 أكتوبر قالت صحيفة أمريكية، إن مجموعة من النواب الديمقراطيين الأمريكيين اقترحوا مشروع قانون ينص على سحب جميع القوات من السعودية، إضافة إلى سحب أنظمة الدفاع الصاروخي.
وأشارت إلى أن النواب توم مالينوفسكي وشون كاستن وسوزان وايلد، تقدموا بمشروع "قانون الشراكة الشديدة"، وينص على انسحاب جميع القوات الأمريكية من كل دول الشرق الأوسط، إلى جانب أنظمة الدفاع الصاروخي، وضمن ذلك أنظمة "باتريوت" و"ثاد".
وجاء في البيان: "التراجع الحاد في إنتاج النفط بالسعودية والإمارات، على الرغم من مغازلة الرئيس بايدن لكلا البلدين في الأشهر الأخيرة، عمل عدائي تجاه الولايات المتحدة وإشارة واضحة على أنهما اختارتا جانب روسيا في صراعها مع أوكرانيا".
لا خطط للانسحاب
ويبدو أن الضغوطات تتزايد على الإدارة الأمريكية، وهو ما دفعها إلى الخروج بتصريح على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، الذي قال إن الولايات المتحدة لا تعتزم سحب قواتها من المملكة العربية السعودية والإمارات، ولا وقف صفقات الأسلحة مع الرياض ردّاً على قرار "أوبك+" خفص إنتاج الخام.
وأضاف برايس في مؤتمر صحفي، أن العلاقات الأمريكية السعودية متعددة الأوجه وتتصل بـ"إسرائيل" والوضع اليمني والهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة هناك.
وأوضح أن الولايات المتحدة تمتلك أدوات للتعامل مع قرارات "أوبك+"، وأنها تتواصل مع السعوديين بانتظام وبشأن عديد من القضايا.
وأضاف: "ليست لدينا خطط لنقل قواتنا وأنظمة الدفاع الصاروخي من السعودية والإمارات لمناطق أخرى".
فيما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: إن بلاده "تدرس عدداً من خيارات الرد" بخصوص علاقاتها مع السعودية بعد اتفاق الرياض مع الأعضاء في أوبك+ على تخفيضات أكبر في إنتاج النفط، إلا أنها لن تتخذ ما يضر بالمصالح الأمريكية"، حسب قوله.
مجرد دعاية
يرى المحلل العسكري والاستراتيجي إسماعيل أيوب، أن المنظومات الدفاعية الأمريكية في السعودية والإمارات، هي بالأساس "ليست لحماية السعودية أو الإمارات، بل لحماية القوات الأمريكية الموجودة هناك".
ويؤكد أن وجود هذه القوات في منطقة الخليج، هدفها الأول والأخير "مصلحة أمريكية وليست لمصلحة خليجية"، مشيراً إلى أن أي حديث عن سحب منظومات أو قوات، "مجرد كلام عابر".
وأرجع "أيوب" سبب ذلك في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى "أمنيات المنافسين كروسيا التي تُمني النفس بأن تسحب أمريكا قواتها ومنظوماتها من الخليج؛ لكي تحل محلها وتحتل الصدارة الأمنية في تلك المنطقة"، واصفاً الأمر بأنه "حلم من أحلام روسيا".
ويجدد حديثه بالقول: "بخصوص سحب القوات مجرد دعاية إعلامية، أما العقيدة القتالية الغربية الأمريكية، فيجب أن تكون هناك قوات أمريكية في كل بقعة من بقاع الأرض، لكي تستمر الهيمنة الأمريكية على كل الأرض، إلى عقود قادمة".
ويضيف المحلل العسكري: "لذلك من غير الوارد حدوث ذلك الأمر من أي دولة في المنطقة"، لافتاً إلى أن حماية الدول الخليجية "تعتبر مجرد أمر ثانوي فقط، لأن هذه الدول، خصوصاً السعودية والإمارات، بإمكانها شراء أي منظومة جوية لحماية أراضيها وفي أي وقت، وبإمكانها الاستغناء عن هذه المنظومات".
وفي ما يتعلق بارتباط قضية أوبك بلس بالسياسة الأمريكية، يقول أيوب: "أي قرار برفع أو خفض إنتاج النفط مرتبط بسياسة واشطن، فمعظم تلك الدول الموجودة في المنظمة النفطية مرتبطة بالولايات المتحدة، ولا يمكن أن يمر قرار دون موافقتها".
وتابع: "ليست هناك مصلحة لأي دولة من الدول النامية في أن تكون عدواً لأمريكا لا بالمعني السياسي ولا العسكري ولا الاقتصادي"، مضيفاً: "لذلك فإن أسعار النفط ورفع الأسعار وخفضها أو الإنتاج مرتبط بالقرار الأمريكي".
ويعتقد أن القرار الأمريكي الصادر عن أوبك بلس "لأمريكا مصلحة فيه، حيث تضغط اقتصادياً على كثير من بلدان العالم بالنفط كأوروبا واليابان والصين"، موضحاً: "تلعب أمريكا دوراً كبيراً من خلال أسعار النفط، لذلك أعتقد أن لأمريكا مصلحة من خفض إنتاج النفط".
الوجود الأمريكي
وتتضارب التصريحات الأمريكية بشأن بقاء قواتها في المنطقة أو الانسحاب منها مع الضغوطات التي تتعرض لها إدارة بايدن منذ توليه الحكم في يناير من العام الماضي.
وأعلن البنتاغون في نوفمبر الماضي، أنه سيجري تحليلاً إضافياً لاحتياجات القوات في الشرق الأوسط، وإجراء تحسينات بآسيا والمحيط الهادئ، وفي مقابل ذلك أكدت الخارجية الأمريكية أن الواقع لن يتغير.
وتمثل القوات الأمريكية في منطقة الخليج صمام أمان في مواجهة الخطر الذي تمثله إيران والجماعات المسلحة الموالية لها في عدد من البلدان، والتي تستهدف دولاً خليجية في مقدمتها السعودية.
ومنذ تنصيبه رئيساً في يناير الماضي، أكد الرئيس الأمريكي وأعضاء بارزون في إدارته أن واشنطن ستعيد تقييم العلاقة مع السعودية، وستعمل على إنهاء الحرب الدائرة في اليمن منذ 2015، لكنهم جميعاً تعهدوا بمساعدة الرياض في حفظ أمنها وتعزيز دفاعاتها.
وتبدو رغبة بايدن في مواجهة الصين وروسيا هي الدافع الرئيس إلى تخفيف الحضور العسكري الأمريكي جزئياً في منطقة الخليج، التي ما تزال تحظى بحضور أمريكي عسكري لا يستهان به.