علاقات » اميركي

ابن سلمان يقلب الطاولة | الرياض لواشنطن: لا نفط بالمجّان

في 2022/10/10

  حسين إبراهيم- 

بعدما تراجعت أسعار النفط إلى ما دون الثمانين دولاراً للبرميل في الرُبع الثالث من العام الجاري، نتيجة ما يُعتقد أنه زيادة سعودية غير رسمية للإنتاج، تمّت بترتيبات مع الأميركيين جرى التوصّل إليها خلال الأشهر الماضية، استدارت المملكة فجأة، وقادت عملية خفض قاسية للإنتاج ضمن تحالف «أوبك بلس». استدراةٌ بدت، بالنسبة إلى كثيرين، متعمَّدة، خصوصاً أنه احتُفل بها من قِبَل أنصار وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، باعتبارها «جلْداً» للرئيس الأميركي، جو بايدن، بينما عاد الأميركيون الذين أربكهم القرار إلى تهديد المملكة، بإجراءات تتراوح بين فرض عقوبات عليها، وإعادة النظر في التحالف معها. وجاء القرار السعودي بتأييد خفض الإنتاج بواقع مليونَي برميل يومياً، أو 2% من مجمل الإنتاج العالمي، على رغم أن التوصية الأساسية التي كانت تَقدّمت بها اللجنة الوزارية في المنظّمة لم تصل إلى الحجم المذكور، ليمثّل تحدّياً مباشراً لبايدن، الذي قاد عدد كبير من مستشاريه، سابقاً، حملة ضغط مكثّفة على الحلفاء في الشرق الأوسط، ومنهم السعودية، للامتناع عن الخفض، بلا جدوى؛ وليطرح علامات استفهام حول هذا التغيّر في الموقف السعودي، لا سيما وأن العلاقات مع الإدارة الأميركية سجّلت بعضاً من التحسّن، منذ زيارة بايدن إلى جدّة في منتصف تموز الماضي.

على أن الملفّات الخلافية العالقة بين البلدَين، يبدو أنها لا تزال تُلقي بحمْلها الثقيل على علاقاتهما، وعلى رأسها ملفّ «الخلافة» في السعودية، والذي يريد ابن سلمان إنهاء أيّ تذبذب أو غموض أميركي في شأنه، ومنْح وليّ العهد «صكّاً على بياض» لهندسته وفق ما يشاء، والمضيّ في طريق وراثة والدة بلا منغّصات. طريقٌ لعلّ من أبرز العقبات التي تبْقى تعترضها، الدعاوى القضائية المرفوعة ضدّ ابن سلمان في الولايات المتحدة، والتي عادت إلى الواجهة الأسبوع الماضي، عندما طلبت محكمة أميركية تَنظر دعوى مدنية أقامتها خطيبة الصحافي السعودي المقتول جمال خاشقجي، خديجة جانكيز، ضدّ وليّ العهد، من الإدارة الأميركية، إبداء الرأي في ما إذا كانت ستطلب من المحكمة منْح حصانة رؤساء الدول للأخير في موعدٍ أقصاه الثالث من تشرين الأوّل الجاري أم لا، إلّا أن الإدارة استمهلت المحكمة 45 يوماً إضافية للردّ. هذه المماطلة قد تكون استثارت وليّ العهد، منضمّةً إلى تجارب أخرى في سجلّه لم تكن مشجّعة البتّة؛ إذ سبق له أن خسر أحكاماً قضائية في دعاوى بينه وبين المعارض سعد الجبري، وأمام رجل الأعمال نادر الدوسري (الأخيرة مُقامة ضدّ وليّ العهد وليس ضدّ ابن سلمان بصفة شخصية). صحيح أن معارضين سعوديين ربطوا، أخيراً، الأمر الأميري الذي صدر قبل أيام بتعيين ابن سلمان رئيساً للوزراء، بناءً على مشورة أميركية على حدّ قولهم، بإمكانية منْحه الحصانة التي تُعطى عادة للرؤساء أو لرؤساء الوزراء، وأن وليّ العهد يعرف أن الإدارات الأميركية قد تؤثّر على القضاء - على رغم استقلاليته - في المسائل المتعلّقة بالأمن القومي، إلّا أن ابن سلمان لا يلمس إلى الآن إرادة أميركية جادّة وحقيقية لمنْحه الحصانة.

بدا الاستنفار الأميركي للردّ على «التنمّر» السعودي كبيراً

مع ذلك، تبْقى للقرار اعتبارات اقتصادية «جديرة بالملاحظة»، على حدّ تعبير الصحافي سايمون هندرسون، على رأسها اشتداد حاجة ابن سلمان إلى المال لإتمام مشاريعه ذات التكلفة المهولة، وهو ما لا يبدو أن بإمكانه تحقيقه إلّا من خلال قفزات عالية في أسعار النفط، في ظلّ تعثّر بقيّة الخطط الهادفة إلى رفد الميزانية بالأموال اللازمة لإنجاز «رؤية 2030». هذه الاعتبارات حاول وزير النفط السعودي، عبد العزيز بن سلمان، أحد أخوة وليّ العهد الذين يهيمنون على الكثير من المراكز الأساسية في نظامه، تغليفها بأن «الهدف منْع تدهور الأسعار في ظلّ الحديث عن ركود عالمي محتمَل»، معتبراً أن «الاتهامات بالانحياز إلى روسيا مهينة وغير عادلة، فأوبك بلس ليست مؤلَّفة فقط من روسيا والسعودية، وإنّما تضمّ الدول الـ13 الأعضاء في أوبك، وعشر دول من خارجها، وهؤلاء وافقوا بالإجماع على الزيادة». لكن الطريقة التي احتفى بها الموالون لابن سلمان على مواقع التواصل الاجتماعي بـ«جلْد» بايدن، والردّ على ما اعتبروه ابتزازاً غربياً للخليج والعرب عموماً، تدلّ على نوايا سعودية مبيّتة في هذا الخصوص. كما أن الأميركيين هم الأكثر خبرة في كيفية العمل داخل «أوبك»، ويعرفون التأثير السعودي الذي استعملوه لعشرات السنين، بل ويعود الكثير من الفضل إليهم بالذات، في المكانة التي تتمتّع بها الرياض داخل المنظّمة.

من هنا، كان الاستنفار الأميركي للردّ على «التنمّر» السعودي، كما وصفه عضو مجلس النواب، رو خانا، في أعلى مستوياته بعد قرار الخفض، بدءاً من بايدن الذي يئس من محاولات إقناع ابن سلمان بهدوء برفع إنتاج النفط، نزولاً إلى كلّ المستويات في الإدارة والكونغرس، والتي انشغلت في كيفية الانتقام من ولي العهد، وسط تقدير لموقع «أكسيوس» الذي يقول إنه اطّلع على أجواء الإدارة، مفاده أن الأخيرة تستعدّ لتغيير مسار العلاقة مع السعودية. وفي هذا الإطار، تردّدت دعوات من أعضاء الكونغرس لتوجيه إنذار مباشر إلى الرياض بالتراجع عن القرار أو مواجهة عقوبات أميركية وإعادة النظر في التحالف معها. كما أُثيرت إمكانية أن تَعتبر واشنطن خفْض الإنتاج «عملاً عدائياً»، بما يعني أن المسألة تجاوزت كثيراً الآثار الاقتصادية المتمثّلة في رفع مستوى التضخّم العالمي، وما يؤدّي إليه من تبعات سلبية على مستوى معيشة المواطنين، ليصبح كلّ مشارك في ذلك الخفض، مساهِماً مباشرة في دعم الجهد الحربي الروسي ضدّ أوكرانيا، والذي تتعامل معه الولايات المتحدة بصفته حربها الخاصة، وتَعتبر مواجهة روسيا نفطياً من أهمّ الأسلحة في خضمّه. وتُواجه إدارة بايدن ضغطاً كبيراً من أعضاء الكونغرس الديموقراطيين للقيام بردود سريعة، بالنظر إلى أن أسابيع قليلة تفصل عن الانتخابات النصفية، والتي لا يبدو الديموقراطيون فيها في وضع جيّد، خاصة أن أسعار النفط عادت لتتّجه صعوداً بعد تراجع بنسبة 25 في المئة خلال الربع الثالث من العام الحالي، أوصلها إلى ما دون الثمانين دولاراً.

إنها الحرب إذاً، تعود من جديد، بين بايدن وابن سلمان، لكن إدارة الأوّل للجولة الأولى منها بدت رخوة، ما مكّن الثاني من الانتصار فيها، علماً أن الرئيس الأميركي كان وما زال يملك مجموعة من الخيارات البديلة، منها العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ورفع العقوبات عن فنزويلا والسماح بعودة شركة «شيفرون» إلى العمل هناك، والاستثمار في الإنتاج داخل الولايات المتحدة، لكنه لم يستخدم أيّاً منها، واختار الخضوع لابتزاز إسرائيل التي تجد مصلحة حيوية لها في دعم ابن سلمان.