ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” أن مساحة المناورة للرئيس الأمريكي جو بايدن مع السعودية محدودة.
وفي تقرير أعده أندرو إنغلاند وسامر الأطرش وفيليسيا شوارتز، قالوا فيه إن الرئيس الأمريكي يتعرض لضغوط من الديمقراطيين لاستهداف المنطقة التي ستضر بالحليف الأمريكي أكثر وهي الأمن. ففي الوقت الذي يفكر بايدن بطرق الرد على قرار السعودية تخفيض مستويات النفط، فإنه يواجه الدعوات المتزايدة من الديمقراطيين لكي يفعل شيئا واحدا يعتقدون أنه سيضر بالمملكة: تجميد صفقات الأسلحة والحد من التعاون الأمني في السعودية.
إلا أن بايدن الذي حذر يوم الثلاثاء السعودية من “تداعيات” قراراتها لو مضى في هذا الطريق، فإن مساحة المناورة لديه ستكون ضيقة، حسب قول الدبلوماسيين والمحللين. وهذا لأن إدارته جمدت صفقات الأسلحة “الهجومية” للسعودية عندما وصلت إلى البيت الأبيض العام الماضي، وذلك بسبب قلق الإدارة من طريقة إدارة الحرب في اليمن، فيما تواصلت صفقات الأسلحة الدفاعية.
وبشكل عام، يقول المحللون إن السعودية مهمة جدا للمصالح الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك التعاون في مجال مكافحة الاستخبارات وجهود واشنطن لاحتواء الخطر الإيراني والجماعات الوكيلة عن الجمهورية الإسلامية ولا يمكن التخلي عنها في الجبهة الأمنية. ويقول توم كراكو، مدير برنامج الصواريخ بمعهد الدراسات الدولية والإستراتيجية: “إنه رد فعل مفهوم وهناك عوامل قوية ومنطق قوي لمواصلة التعاون”. وأضاف: “هناك مصالح قوية ومشتركة في الحفاظ على الدفاع والردع” ضد التهديدات الإيرانية. وقررت إدارة بايدن تأجيل اجتماع “مجموعة عمل” في مجلس التعاون الخليجي كان من المقرر أن تلتقي هذا الشهر في العاصمة السعودية الرياض. وكان من المتوقع تباحث المسؤولين الأمريكيين والخليجيين بمسائل التعاون العسكري والتهديدات الإقليمية وتحديدا إيران، ونظر للتحرك باعتباره رمزيا.
وعلق إميل هوكاييم، الخبير في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بواشنطن، أن الولايات المتحدة قد تعبّر عن عدم رضاها من خلال تأخير صفقات السلاح أو الإمدادات أو تخفيض التمثيل الرسمي في السياقات الأمنية والتراجع في دعم السياسة السعودية باليمن ونزاعات أخرى. وأضاف أن “الولايات المتحدة لا تستطيع في النهاية قطع التعاون في مكافحة الإرهاب ولا تستطيع حرف النظر عن إيران” و”هي مهمة للمصالح الأمنية الأمريكية، ويعول السعوديون على هذا لتقييد الولايات المتحدة”. وألمحت وزارة الخارجية عن الكثير، في وقت أكدت على تعهد بايدن بمراجعة العلاقات مع الرياض بعد خفض “أوبك+” إنتاج النفط بمعدل 2 مليون برميل في اليوم.
وقال المتحدث باسم الخارجية نيد برايس: “لن نتخلى عن أي من الأدوات التي نريدها، والتأكد من أن إيران لن تشكل تهديدا على الشعب الأمريكي والمصالح الأمريكية ومصالحنا الأوسع بالمنطقة”. وأخبر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، شبكة “سي أن أن” يوم الأحد، أن الرئيس سيبحث عن “تغييرات في نهج المساعدة الأمنية”، كواحد من الخيارات المتوفرة له للرد على تخفيض “أوبك+” إنتاج النفط. وأضاف أن القرار بهذا الشأن قد يأخذ وقتا طويلا، وأن الرئيس لا خطط لديه لمقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قمة العشرين الشهر المقبل في إندونيسيا. وقال: “لن يتصرف الرئيس بطريقة متهورة، بل سيتصرف بطريقة منهجية واستراتيجية. وسيتأنى ويتشاور مع أعضاء الحزبين لكي تكون للكونغرس فرصة للعودة حتى يجلس معهم شخصيا ويناقش الخيارات”.
واعترف المسؤولون الأمريكيون بأن الوجود الأمريكي في السعودية يحمي أرصدة البنتاغون، مما يحد من مدى تقييد العلاقات بين البلدين. ولهذا يتوقعون استمرار التعاون العسكري. إلا أن بايدن قال إنه سيعمل مع الكونغرس للرد، وعليه أن يأخذ بعين الاعتبار حجم الغضب داخل حزبه. ودعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الديمقراطي، بوب ميننديز الإدارة “لتجميد مباشر” لصفقات الأسلحة والتعاون الأمني مع السعودية. وقال إنه “لن يعطي أي ضوء أخضر لأي تعاون مع الرياض إلا في حالة أعادت تقييم موقفها من الحرب في أوكرانيا”. واقترح السناتور الديمقراطي، عضو لجنة الشؤون الخارجية إرسال 280 صاروخ جو- جو إلى أوكرانيا بدل السعودية. ونقل بطاريات باتريوت من السعودية إلى أوكرانيا. وقال في تغريدة: “ستحدد هاتان الخطوتان علاقاتنا مع السعودية وتساعد أوكرانيا”.
ويتزامن غضب واشنطن مع محاولات السعودية دفع إدارة بايدن لتقوية العلاقات الأمنية وتحسين التشارك في المعلومات الاستخباراتية ومأسسة الشراكة. وظلت المملكة على مدى العقود الماضية تنظر للولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأمني لها، وهي من أكبر المشترين للأسلحة الأمريكية. وقدرت النفقات العسكرية السعودية في 2021 بحوالي 55.6 مليار دولار.
ومثلت المملكة ربع مبيعات السلاح الأمريكي في الفترة ما بين 2017- 2021، حسب معهد استوكهولم لأبحاث السلام. ومنذ تولي بايدن الرئاسة، كانت الشراكة الأمنية واحدة من مصادر التوتر بين البلدين. وعبّرت السعودية عن الغضب لقرار بايدن وقف بيع الأسلحة الهجومية، وانتقاده لجريمة مقتل جمال خاشقجي عام 2018، وعدم تعامله مباشرة مع محمد بن سلمان.
وقبل قرار خفض إنتاج النفط، شهدت العلاقات الأمريكية- السعودية تحسنا، حيث تعهد المسؤولون الأمريكيون بالدفاع عن السعودية، واعتبروا أن الرياض جادة في وقف الحرب مع جماعة الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن. وأقنع مستشارو البيت الأبيض، بايدن بأن التعاون مع السعودية في مجال الطاقة وسياسة الشرق الأوسط هو مصلحة أمريكية.
ففي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، حاولت الولايات المتحدة الحصول على دعم الرياض في استقرار أسواق الطاقة. وزار بايدن السعودية في تموز/ يوليو، والتقى مع محمد بن سلمان. إلا أن مقامرة الرياض في خفض إنتاج النفط، سيدمر أي فرص لتعميق التعاون الأمني الأمريكي- السعودي.
ويرى هوكاييم أن معظم مؤسسة الأمن القومي التي دفعت باتجاه التعامل مع الرياض تأثرت بشكل كبير”، و”أصبح الوضع الآن مجرد علاقة تعاقدية باردة في أحسن الأحوال”. وحاول السعوديون الدفاع عن القرار بأنه اقتصادي بحت، وأكدوا أن الولايات المتحدة هي الضامن الأمني الأكبر لهم.
وبدا اعتماد السعودية على أنظمة الدفاع الأمريكية والذخيرة واضحا عندما اضطرت للبحث عن دعم جيرانها في دول الخليج لتحديث مخزونها من صواريخ باتريوت أمام الهجمات الحوثية. وطالما استهدف الحوثيون المدن والبنى التحتية ومنشآت النفط السعودية في الحرب المستمرة منذ سبعة أعوام. وتم تفسير السبب في تأخير تسليم صواريخ الباتريوت إلى تأخر في عمليات الشراء، لكن الرياض اعتبرت ذلك صورة عن التحول في التعاون الأمني.
ورغم التوتر الحالي، فمن مصلحة الطرفين الحفاظ على التعاون الأمني “كل واحد غاضب من الآخر في الوقت الحالي، وإلى حد ما، فهما بحاجة لبعضهما البعض وهناك فرصة قائمة”.