يوسف حمود - الخليج أونلاين-
أجج قرار تحالف "أوبك+" بقيادة السعودية خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً، توترات كامنة بين الإدارة الأمريكية التي يتزعمها الديمقراطيون والمملكة، حيث تتجه إدارة الرئيس جو بايدن لإعادة تقييم العلاقات مع الرياض.
ويبدو أن السعودية وإلى جانبها حليفتها الإمارات، قد وصلتا إلى مرحلة اليأس من أي تحسن في العلاقات المتوترة مع الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة، حيث يبدو أنهما ينتظران الوقت الذي يتم فيه "قص أجنحة" بايدن ونحو عودة الجمهوريين للحكم.
وكانت العلاقات بين السعودية والإمارات وأمريكا، تمر بأفضل حالاتها خلال فترة حكم الجمهوريين، خصوصاً في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، فهل تفضل السعودية والإمارات عودة الجمهوريين لحكم أمريكا؟
أمنيات إماراتية
في حديثٍ أقرب إلى التصريحات الرسمية، أعرب مسؤول أمني إماراتي عن تفاؤله- في حال فاز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بسباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة بعد عامين- بعودة الاستقرار إلى العالم، مشيراً إلى أن أداء الجمهوريين أثبت نجاحه خلاف نظرائهم الديمقراطيين.
وقال خلفان: "إذا عاد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية من جديد فستعود للعالم حالة من الاستقرار أفضل بكثير مما هي عليه الآن، وسيزول إلى حد كبير، التوتر بين الدول العظمى"، مشيراً إلى أن "إدارة الديمقراطيين ثبت فشلها الذريع على كل الأصعدة".
وتمر الإمارات بمرحلة خلافات وصراع مع الديمقراطيين، حيث لجأت إدارة بايدن خلال الأشهر الأخيرة، إلى التصعيد من خلال محاكمة توم باراك مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، واتهامه بإجراء أعمال دبلوماسية مع الإمارات نيابة عن الولايات المتحدة وتمرير أي معلومات إلى حكومة أجنبية.
كما أن الإمارات منزعجة من تعليق إدارة بايدن المحادثات حول الحصول على طائرات "F-35"، بسبب ما سمتها بـ"متطلبات تقنية، والقيود السيادية والعملياتية، وتقييم للمنفعة مقابل التكلفة".
آمال سعودية
ويبدو أن المملكة تراهن على استقبال أفضل في واشنطن إذا فقد الديمقراطيون سيطرتهم على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي لهذا العام في نوفمبر القادم، أو إذا فاز دونالد ترامب أو مرشح جمهوري له ميول مماثلة بالبيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
ويشير النهج السعودي إلى أن المملكة لم تبتعد عن الولايات المتحدة رغم أنها فقدت الثقة بـ"بايدن"، بسبب موقفه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وجهود إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وأخيراً أزمة تخفيض إنتاج النفط.
كما يشير هذا النهج إلى أن "السعودية تدرك أنه لا الصين ولا روسيا ترغب أو تقدر على استبدال الولايات المتحدة كضامن لأمن المملكة، على الرغم من أن واشنطن أثبتت بشكل متزايد، في السنوات الأخيرة، أنها شريك غير موثوق به".
وعكس ترامب الذي خالف التقاليد عندما جعل السعودية أول دولة أجنبية يزورها بعد أن أصبح رئيساً، فقد ظل بايدن، حتى وقت قريب، يرفض التعامل مع ولي العهد، بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.
ويشعر بن سلمان، مثل الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، بأن الولايات المتحدة تخلت عن بلديهما عندما رفضت الرد بقوة على هجمات المليشيات المدعومة من إيران ضد منشآت النفط السعودية والإماراتية ومنشآت البنية التحتية الأخرى.
لا تفضيل.. ولكن!
يؤكد عبد العزيز العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات الكويتي، عدم وجود أي بيانات أو تصريحات سعودية أو إماراتية تشير إلى أن "الرياض أو أبوظبي تفضل نوعاً من الإدارات الأمريكية على أخرى".
ويلفت في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "المصالح التي تربط البلدين مع الحليف الأمريكي، مصالح استراتيجية متجاوزة لجميع الإدارات، لأنها مع الدولة الأمريكية بمؤسساتها وليست مع إدارة بعينها".
لكنه في الوقت ذاته يرى أن "الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين تفهماً وتقبُّلاً للقرارات والخيارات السعودية والإماراتية"، موضحاً: "الجمهوريون يجدون مجالات اتفاق وتعاون أكثر مع السعودية والإمارات".
ويشير إلى أن التوترات السياسية التي شابت العلاقات الأمريكية مع السعودية والإمارات "كانت دائماً في ظل إدارات ديمقراطية، فيما كانت العلاقات في أحسن أحوالها مع الإدارات الجمهورية".
وأضاف: "اتسمت علاقات الإدارات الديمقراطية مع بعض دول الخليج بالتوتر، فعلى سبيل المثال تلام إدارة أوباما الديمقراطية لعدم وقوفها مع حلفائها في المنطقة أمام موجات الربيع العربي، كما أن إدارة أوباما ذاتها وقَّعت الاتفاق النووي مع إيران الذي نظرت إليه دول الخليج بكثير من التوجس وعدم الارتياح والذي تسبب في ما يشبه الشرخ في العلاقات الأمريكية الخليجية".
وتابع: "الإدارات الجمهورية عادةً ما تكون أكثر ميلاً إلى الحسم والصرامة مع إيران، فيما تفضّل الإدارات الديمقراطية الوسائل الناعمة، وهو أمر مقلق لدول الخليج التي تشكل لها إيران خطراً محدقاً".
ويرى العنجري أن الإدارات الديمقراطية تسعى "لإثارة مسائل تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية بشكل انتقائي مع بعض الدول بهذه القضايا، فيما تتغاضى عن انتهاكات دول أخرى"، مضيفاً: "هي قضايا قد تنظر إليها السعودية والإمارات باعتبارها تدخلاً في الشؤون الداخلية، وانتهاكاً لمبدأ سيادة الدول الذي تقوم عليه العلاقات الدولية".
وفي المجال الدفاعي والأمني، يرى أن الإدارات الجمهورية "تتفهم احتياجات دول الخليج الأمنية والتسليحية، وغالباً لا تربط هذه الاحتياجات بشروط".
الجمهوريون إلى جانب السعودية
بعد الأزمة الأخيرة بخصوص تخفيض إنتاج النفط ومهاجمة واشنطن للرياض، كانت ردود فعل الجمهوريين مختلفة عن الديمقراطيين، فقد وضَّحها النائب الجمهوري دان كرينشو عندما ذكر أن إدارة بايدن تتعاون مع إيران "من أجل إعادة الاتفاق النووي السخيف".
وأضاف: "العلاقة مع السعودية علاقة سياسية واقعية وهي قائمة على المصالح المشتركة. إذا أفسدت هذا التوازن، فسيتفاعلون مع ذلك، وهم بالفعل يفعلون ذلك".
كذلك يرى الجمهوريون أن مشكلة الإدارة الأمريكية مع سوق الطاقة ليست فقط مع السعودية و"أوبك"، وإنما أيضاً مع شركات الطاقة الأمريكية الكبرى.
من جانبه قال كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول: إن السعودية "شريك أمني قومي رئيس ضد إيران التي تشكل أكبر تهديد في المنطقة".
وتابع قائلاً: "عندما يخرج الرئيس ويصفهم بأنهم منبوذون أو عندما يقصفهم المتمردون الحوثيون.. والحوثيون وكلاء لإيران.. حينها سيعرّض السعوديون والإماراتيون اتفاقيات أبراهام للخطر".
وأردف بالقول: "إن ذلك يضع نبرة سيئة، وأعتقد أنه سيجعل العالم أكثر خطورة".
وعلى مدى 77 عاماً أثبتت الشراكة السعودية الأمريكية متانة استراتيجيتها، حيث ما زالت إدارة بايدن حريصة على التوازن، إلا أن خطابها الأخير تجاه السعودية بشأن عدم تغير نهجها السريع مع السعودية، يترك الباب مفتوحاً لتصحيح العلاقات، لكنها في الوقت ذاته قد لا تغفر لصناع قرار "أوبك+" كالسعودية والإمارات، لو خسر الحزب الديمقراطي الانتخابات النصفية؛ إذ كان وضع الحزب أفضل قبل قرار المنظمة النفطية.