علاقات » اميركي

إيكونوميست: علاقة أمريكا بالسعودية حبيسة زواج غير سعيد مستمر رغم الخلافات

في 2022/10/22

مجلة “إيكونوميست”

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول العلاقات الأمريكية- السعودية التي لا تزال غير منفصلة ومحبوسة في زواج غير سعيد ولسنوات قادمة، كما وصفتها. وقالت إن الشخص الذي يريد الانفصال عن زوجته لا يحتاج إلا لترديد كلمة “طالق” ثلاث مرات، ولكن كسر العلاقات الدبلوماسية، ولحسن الحظ أصعب من الطلاق.

فمنذ قرار كارتل النفط “أوبك+”، تخفيض الإنتاج بمعدل مليوني برميل في اليوم، هبطت العلاقات الأمريكية- السعودية لأدنى مستويات منذ عقود.

ويبدو الديمقراطيون في واشنطن مصرين على التخلي عن شريك أمريكا ولسبعة وسبعين عاما. وفي نفس الوقت تشعر الدول في الخليج بالغضب مما تراه نغمة أمريكية ساخرة ولا تحترمهم. وكما في أي علاقة فالكلام الغاضب هو مجرد كلام. ولا يوجد هناك منظور لانقطاع كامل للعلاقة، مع أنه لا يوجد هناك أمل بأن توافق أمريكا وحلفاؤها في الخليج على تجاوز الخلاف.

فقد ترنح الاتفاق الذي مضى عليه عقود وهو توفير النفط مقابل الأمن، لكن لا أحد يعرف ماذا سيحل محله، وعليه فالزواج غير السعيد سيستمر على ما يبدو لسنوات قادمة. ومن جانب السعوديين، فقد كان قرار تخفيض أوبك+ لمعدلات النفط فنيا بحتا. فأسواق النفط العالمية تعاني من فوضى، والأسعار في صعود وهبوط دائمين وهناك الكثير من الدول الأعضاء لا تصل لحد الحصة المحددة لها من الإنتاج. كما أن المخاوف من الركود في دولة كبيرة قد تحد من الطلب على النفط.

وقد وصف السعوديون ذلك القرار بالبراغماتي ولتجنب وفرة في العرض والحفاظ على قدرة احتياطية.

ومن جهة الأمريكيين، فالقرار هو خيانة غير معقولة. وفي الوقت الذي تعهد فيه الرئيس جو بايدن بمعاملة السعودية كمنبوذة بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي إلا أنه قرر التراجع عن تعهده وزار السعودية هذا الصيف، حيث وصل سعر برميل النفط إلى 120 دولارا، وطار لمقابلة الحاكم الفعلي وولي العهد محمد بن سلمان في جدة، على البحر الأحمر. وبعد ثلاثة أشهر، هندس السعوديون تحركا ربما قاد لزيادة أسعار النفط. واتهم بايدن السعودية بالوقوف مع روسيا، لأن أسعارا عالية للنفط ستزيد من خزينة الرئيس فلاديمير بوتين. وتمتم قائلا: “ستكون هناك عواقب”. ولم تصدق الدوائر الخليجية الزعم الذي صدر من الديمقراطيين بأن السعوديين يريدون مساعدة الجمهوريين في الانتخابات النصفية الشهر المقبل، لأن زيادة أسعار النفط في محطات الوقود ستضر بالديمقراطيين. فوزراء نفط أوبك لا يتخذون قرارات تتعلق بأسواق الطاقة لحرف نتائج سباق على مقعد بنسلفانيا في مجلس الشيوخ.

ودعمت دول النفط الأخرى مثل الكويت والبحرين، وكلاهما شريك للولايات المتحدة، قرار خفض الإنتاج. وأظهرت الإمارات العربية دعما علنيا. وعادة ما تختلف الإمارات مع السعودية بشأن سياسات النفط، فهي تريد بيع النفط قدر الإمكان، حتى لو كان بالرخص، بدلا من تحوله إلى رصيد عالق. ومع ذلك أصرت على أن أوبك+ اتخذت القرار الصحيح. وعبر مدير نفط إماراتي على هامش مؤتمر عقد هذا الشهر في أبو ظبي، عن غضبه من الرد الأمريكي، وأن رائحة الخطاب الاستعماري تنبعث منه. وقال متذمرا “من هو؟ من هو جو بايدن؟” و “هذه هي مصادرنا”.

ويعتقد المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله أن على الديمقراطيين “أن يصحوا من نومهم” وأن دول الخليج باتت “مستعدة لأن تقول لا لأمريكا”. وتساءل علي الشهابي، المعلق السعودي المقرب من الديوان الملكي إن كانت السعودية ستترك أوبك وتنشئ كارتل نخبة “من السهل جدا أن تعمل السعودية بدون أوبك وتنسق الإنتاج مع منتجين أو ثلاثة منتجين رئيسيين”.

ويبدو أن الإمارات تقوم بإرسال رسالة أخرى، ففي 11 تشرين الأول/أكتوبر طار الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد إلى سانت بطرسبرغ للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، قائلا إن الإمارات هناك لمناقشة خطة سلام في أوكرانيا. ولم تظهر أي نتيجة من اللقاء، لكن حقيقة سفره شخصيا بدلا من الاتصال أو إرسال وزير الخارجية نيابة عنه، هي تأكيد لرسالة مفادها أن العالم العربي وخلافا للغرب يرفض اتخاذ مواقف من الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتجذرت العلاقة الأمريكية- السعودية منذ عام 1945 عندما التقى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت الملك عبد العزيز بن سعود على متن البارجة يو أس أس كوينسي بمقايضة بسيطة: تحافظ السعودية على تدفق النفط مقابل حماية أمريكا للمملكة. ويتهم الطرفان بعضهما البعض بالتراجع عن الصفقة.

إلا أن الخلاف الأخير متجذر في سوء الفهم. فلا يريد الديمقراطيون شريكا يعتمد عليه في النفط، ولكن بأسعار مخففة. وبالمقابل تريد دول الخليج حاميا لها فاعلا ونشطا. وقد قامت عقيدة كارتر على مبدأ حماية أمريكا مصالحها النفطية في ممالك الخليج، وهذا لا يعني ممارسة دور الشرطي على مضيق هرمز، بل تحرك الولايات المتحدة السريع لتوفير المساعدة عندما تتعرض دول الخليج لتهديد من إيران أو جماعاتها الوكيلة. ولكن هذه الدول لم تعد تثق بأمريكا نظرا للفشل في العراق وأفغانستان.

وعلى ما يبدو، لا طرف مستعدا لتدليل الطرف الأخر، فالسعودية وجاراتها في الخليج ليست مستعدة للتخلي عن موارد نفطية بالمليارات كي تساعد بايدن الحصول على مزيد من الأصوات. ويريد الكثير من الأمريكيين بعد عقود من الحروب الكارثية بالمنطقة إدارة ظهورهم لها. ويأمل بعض المسؤولين في الخليج بفوز جديد لدونالد ترامب في عام 2025 من أجل تقوية العلاقات مع دول الخليج، لكن جناحه في الحزب غير مستعد لحماية دول البترودولار.

ورغم الغضب والإحباط في دول الخليج من أمريكا فليس لديها بديل آخر. ولا يمكن لروسيا أن تلعب دور الحامي والمزود للسلاح، فبوتين الذي يواجه جيشه مستنقع أوكرانيا بحاجة لكل سلاح ينتجه بلده المثقل بالعقوبات. وليس لدى روسيا سوى منظور قليل للاستثمار.

وتعتبر الصين شريكا مفيدا، بالمقارنة، وهي مصدر مهم للاستثمار ولا تلقي بالا لحقوق الإنسان. ولكنها لا تقدم ضمانات لأمن الخليج. ومثل روسيا فلديها علاقات صداقة مع منافسة دول الخليج، أي إيران. وفي النهاية تجد أمريكا ودول الخليج نفسها حبيسة في زواج غير سعيد، على الأقل الآن. وربما اختلفوا حول أسعار النفط والحرب في أوكرانيا وقضايا أخرى، ولم تعد المقايضة “النفط مقابل الأمن” أساسا قويا للعلاقات، لكن لا أحد في واشنطن والرياض يريد البحث عن شيء غيرها.