يوسف حمود - الخليج أونلاين-
شابت حالة من التوتر وعدم الاتفاق علاقات المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة منذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم مطلع عام 2021، فيما يتعلق بالرؤية تجاه الملفات العالقة في الشرق الأوسط، وقضايا دولية واقتصادية.
وبعد قرار مجموعة "أوبك بلس" خفض إنتاجها من النفط، يبدو أن التحالف السعودي الأمريكي يمر بأزمة كبيرة، خصوصاً بعد الاتهامات الأمريكية للسعودية بالوقوف إلى جانب روسيا في وجه العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية عليها، وهو ما تنفيه الرياض التي رفضت ذلك الهجوم الأمريكي عليها.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتوتر فيها العلاقات الأمريكية السعودية، فعلى مدار عشرات من السنين مرت العلاقات بين الجانبين بمراحل امتزج فيها الهدوء والخلافات، وهو ما يرصده "الخليج أونلاين" في هذا التقرير.
بداية العلاقات
بدأت العلاقات السعودية الأمريكية عام 1933، وكانت البداية على شكل تعاون اقتصادي من خلال قيام شركة الزيت العربية الأمريكية بحفر أول بئر نفطية في المنطقة الشرقية بالمملكة.
كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد بدأت بتعيين جيمس موس كأول دبلوماسي أمريكي مقيم في جدة، ثم تطورت العلاقات بطلب الولايات المتحدة التصريح بفتح قنصلية لها في مدينة الظهران لتقدم خدماتها للجالية الأمريكية التي تعمل في حقول النفط على ساحل الخليج العربي.
أزمة الطاقة
عندما نشبت حرب 1967 واحتلت "إسرائيل" الأراضي الفلسطينية كلها وجزءاً من الأراضي العربية، قرر الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز استخدام عائدات النفط لدعم الصمود العربي وتقوية الجيوش العربية لتحرير الأراضي المحتلة.
وأثناء حرب أكتوبر 1973، هدد الملك فيصل بوقف تصدير النفط إلى الغرب والولايات المتحدة في حال استمر موقفهم المؤيد لـ"إسرائيل"، وهو ما فعله حقاً منتصف أكتوبر، بعد أن أمدت أمريكا وهولندا "إسرائيل" بالسلاح.
هذا الموقف المتشدد من قبل الملك فيصل، لم يكن بدافع الرغبة في قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بقدر ما اعتبرته السعودية مهماً في الوقوف مع "الأشقاء العرب ودعم قضاياه".
قبل أحداث سبتمبر 2001
قبل أسابيع من هجمات 11 سبتمبر - حيث كان العقل المدبر و15 من الخاطفين التسعة عشر مواطنين سعوديين- قطعت الرياض علاقاتها مع الولايات المتحدة نسبياً بسبب فشل واشنطن في كبح جماح "إسرائيل" خلال الانتفاضة الفلسطينية التي تعرف باسم الانتفاضة الثانية.
غزو العراق
قبل غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، أعلنت السعودية معارضتها للغزو، وصرح حينها وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، بأن بلاده تعارض شن الحرب، ولن تشارك في الضربة الأمريكية المحتملة.
وعقب تلك التصريحات سحبت الولايات المتحدة جميع القوات القتالية المتبقية من المملكة، ووجهتها نحو العراق.
2015.. النووي واليمن
توصلت القوى العالمية، ومن بينها الولايات المتحدة، إلى اتفاق مع إيران لتخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، لكن الرياض حينها أبدت خشيتها من أن يقوي هذا الاتفاق طهران.
وفي المقابل شنت المملكة حرباً دعماً للحكومة اليمنية على الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن، حيث تشير المعلومات التي نشرتها وسائل إعلام أمريكية إلى أن واشنطن لم تعلم بقرار الحرب إلا قبل ساعات قليلة من الإعلان الرسمي وانطلاق "عاصفة الحزم".
أوباما يغيظ السعوديين
بلغت الخلافات الأمريكية السعودية مرحلة متقدمة من التصعيد عندما وجه أوباما، في مارس 2016، اتهامات صريحة للمملكة، من خلال مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، "بتأجيج الصراعات في الشرق الأوسط عبر تمويل التعصب الديني ورفض التعايش مع إيران".
وهذه الاتهامات رفضها تركي الفيصل، الذي شغل منصب مدير الاستخبارات السعودية أكثر من 20 عاماً، ورفض الطلب الأمريكي بالتعايش مع إيران التي "لا تزال تسلح وتمول المليشيات الطائفية في العالمين العربي والإسلامي".
وألغى الكونغرس حق النقض (الفيتو) الذي استخدمه أوباما ضد قانون "جاستا" الذي يرفع الحصانة السيادية، وفُتح الطريق أمام أقارب ضحايا 11 سبتمبر لمقاضاة السعودية بشأن الهجمات.
وكان العقل المدبر و15 من الخاطفين التسعة عشر في أحداث سبتمبر مواطنين سعوديين، وهو ما أثار التوتر بين الجانبين، رغم تأكيد الرياض عدم مسؤوليتها عن الأمر أو علمها به مسبقاً.
2018 و2019
في نوفمبر أدانت الولايات المتحدة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وأبلغت الولايات المتحدة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنها تدين "القتل العمد" للصحفي السعودي، وقالت إن من الضروري إجراء تحقيق مستفيض وشفاف.
تحدث مشرعون أمريكيون، عام 2019، مستشهدين بأدلة، عن دور مزعوم لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قضية خاشقجي.
وردت الرياض على تلك الاتهامات قائلة، إن قتل خاشقجي ارتكبته مجموعة خالفت صلاحيات الأجهزة، وتنفي أن يكون للأمير محمد بن سلمان أي دور.
مجيء بايدن
يتبنى الرئيس جو بايدن موقفاً أكثر تشدداً تجاه سجل السعودية في حقوق الإنسان، وتعهد أثناء حملته الرئاسية بجعل الرياض "منبوذة" بسبب مقتل خاشقجي، وبعد تسلمه الرئاسة سمح بنشر تقرير يتهم ولي العهد السعودي بإعطاء أوامر تنفيذ الجريمة.
وأعلن بايدن وقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، ومن ضمن ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة.
وشهدت العلاقات السعودية الأمريكية انهياراً على أعلى مستوى، فعندما تحدث بايدن مع الملك سلمان في 2021؛ صرح البيت الأبيض أنه ينظر إلى الملك على أنه نظيره، وليس الأمير محمد، وقد عين لوين أوستن وزير الدفاع، كمحاور لولي العهد الذي كان حينها يتولى منصب وزير الدفاع السعودي.
في سبتمبر ألغى السعوديون زيارة أوستن، مشيرين إلى تضارب في المواعيد، ورحبوا في الليلة ذاتها بالسياسي الروسي ورئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما الروسي، ليونيد سلوتسكي، الذي كانت الولايات المتحدة قد فرضت عليه عقوبات.
وقبلها في يونيو كشفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن سحب بعض المعدات والأسلحة من دول عربية من بينها المملكة العربية السعودية.
2022 – مزيد من التوتر
تعيد الأحداث التي يعيشها العام 2022 الذاكرة إلى ما حدث خلال عام 1973، حينما قطعت السعودية الطاقة عن أمريكا، لكن هذه المرة جاءت الخطوة مختلفة بإعلان مجموعة "أوبك+"، التي تتزعم المملكة مصدريها، تخفيض إنتاج النفط.
هذه الخطوة أثارت غضب الجانب الأمريكي، الذي أعلن، على لسان جو بايدن، أنه سيعمل على إعادة تقييم علاقتها مع السعودية.
وتوعد بايدن السعودية، وقال إنها ستواجه "عواقب دعم روسيا"، وهو ما نفته المملكة مؤكدة أن قرارات النفط اقتصادية بحتة وتتخذ بالإجماع، وأيدتها عدة دول في أوبك وخارجها.
واتهم البيت الأبيض المملكة، هذا الأسبوع، بإرغام التحالف على المضي قدماً في قرار خفض الإنتاج دون وجود حاجة سوقية له، وأنها تجاهلت مطالب واشنطن في هذا الأمر.
ونفت الرياض أن يكون القرار اتخذ بشكل ثنائي بينها وبين موسكو، وقالت إنه اتخذ بالإجماع، وإن تصريحات إدارة جو بايدن تحاول تحويره إلى قرار اقتصادي لتحقيق مكاسب انتخابية داخلية.