إلين ووالد- صحيفة “نيويورك تايمز”-
حددت الكاتبة إلين ووالد، مؤلفة كتاب “بحث المملكة السعودية عن الربح والقوة”، في مقال بصحيفة “نيويورك تايمز”، الملامح التي ستؤول إليها سياسة إدارة جو بايدن من تحالف النفط أوبك+. وقالت إنه لو نفذت الولايات المتحدة تهديداتها الناجمة عن قرار تخفيض إنتاج النفط، فإن إدارة بايدن ستكون مستقلة حقا في سياستها تجاه الشرق الأوسط، لأنه لم تقم أي إدارة سابقة – جمهورية أو ديمقراطية – بالانتقام من السعودية بأي طريقة جادة بسبب سياساتها النفطية.
وجاء الغضب الأمريكي في أعقاب قرار المنظمة المكونة من 23 منتجا للنفط بقيادة السعودية بما في ذلك روسيا، في 5 تشرين الأول/ أكتوبر، خفض حصص إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا بدءا من تشرين الثاني/ نوفمبر.
وإثر ذلك، طالب أعضاء في الكونغرس بتجميد كل التعاون مع السعودية، ووقف مبيعات الأسلحة لمدة عام وسحب القوات الأمريكية وأنظمة الصواريخ من المملكة. وحذر الرئيس بايدن من “عواقب”.
وأضافت الكاتبة أن السعودية المنتج الرئيسي في تحالف الطاقة، لم تكن هي من دفع القرار على الرغم من الضغط المكثف من قبل إدارة بايدن ضده. ساعد الخفض في زيادة سعر النفط القياسي الأمريكي بما يقرب من 10 دولارات للبرميل، من 80 دولارا، رغم أنه فقد منذ ذلك الحين نصف تلك المكاسب. ويؤدي ارتفاع أسعار النفط والبنزين إلى الإضرار بالمستهلكين الأمريكيين في محطات الوقود.
وتعلق أن البيت الأبيض نظر إلى قرار أوبك+ على أنه عمل لدعم روسيا، التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، لكن السعودية لديها أسباب اقتصادية مشروعة ومصلحة ذاتية لدفع هذه التخفيضات. توقع حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي يعني انخفاض الطلب على النفط. توقعت وكالات التنبؤ، بما في ذلك إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية وأوبك، انخفاضا في الطلب العالمي على النفط من تشرين الأول/ أكتوبر إلى كانون الأول/ ديسمبر.
وتتابع السعودية المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى ركود عالمي في غضون الأشهر الستة إلى التسعة المقبلة، مما قد يؤدي إلى انهيار أسعار النفط. في عام 2008، تسببت الأزمة المالية العالمية في انخفاض أسعار النفط من 100 دولار للبرميل في ايلول/ سبتمبر إلى 40 دولارا للبرميل بحلول كانون الثاني/ ديسمبر. لم تكن أوبك قادرة على منع المزيد من الانخفاضات، وانخفضت الأسعار إلى 32 دولارا للبرميل بينما عمل السعوديون دون جدوى لإقناع روسيا بالانضمام إلى أوبك في خفض كبير للإنتاج.
إن التقلب الشديد في الأسعار من هذا النوع يلحق الضرر بالبلدان المنتجة للنفط، ويمكن أن يؤدي وقف الإنتاج فجأة إلى إتلاف حقول النفط. تأمل السعودية في منع حدوث وضع مماثل من خلال خفض الإنتاج الآن.
وترى الكاتبة أن خفض حصص الإنتاج أمر منطقي بالنسبة لأوبك+. ينتج تحالف الطاقة بالفعل 3.6 مليون برميل يوميا أقل من حصته البالغة 42.2 مليون برميل يوميا.
وفي الواقع، لن يخفض معظم منتجي أوبك+ الكثير من الإنتاج، إن وجد. يعتبر خفض الإنتاج الكبير نسبيا بمثابة بيان لتحريك السوق أكثر من كونه عائقا لأرباح أوبك+. توقع الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير النفط السعودي، أن تقوم دول أوبك+ على الأرجح بخفض الإنتاج بما مجموعه مليون برميل فقط يوميا.
على الرغم من هذه الأسباب الاقتصادية المبررة لخفض إنتاج النفط، فإن صانعي السياسة الأمريكيين مستاءون بشكل مفهوم من قرار السعودية، ذلك أنه سيضر بالمستهلكين الأمريكيين، والانتخابات النصفية قريبة.
في 31 آذار/ مارس، استجابة لارتفاع أسعار الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، قررت إدارة بايدن الإفراج عن مليون برميل من النفط يوميا لمدة ستة أشهر من احتياطي البترول الاستراتيجي للمساعدة في خفض أسعار البنزين. وستتزامن تخفيضات أوبك+ مع انتهاء تلك المبادرة. سيؤدي التوقيت إلى تضخيم التأثير، ويفكر بايدن في الإفراج عن المزيد من احتياطيات النفط بشكل متقطع خلال فصل الشتاء.
عندما أثرت السياسات السعودية سلبا على المستهلكين الأمريكيين، جاء رد فعل الولايات المتحدة بطرق مختلفة.
ففي تشرين الأول/ أكتوبر 1973، ردا على قرار إدارة نيكسون بإعادة إمداد الجيش الإسرائيلي خلال الحرب العربية الإسرائيلية، فرض الأعضاء العرب في أوبك حظرا على النفط للولايات المتحدة وحلفائها، وسمحت أوبك بزيادة أسعار النفط بأكثر من سبعة أضعاف. شهدت أمريكا طوابير طويلة على البنزين بشكل لا يُنسى وارتفاعات في الأسعار.
في حينه، فكرت إدارة نيكسون الرد بإرسال قوات للاستيلاء على حقول النفط في السعودية والكويت والإمارات لكنها لم تفعل ذلك. لم تكن هناك عواقب للحظر الذي تم حله دبلوماسيا في عام 1974.
في آذار/ مارس 1999، جمعت السعودية، التي تراكمت لديها ديون بقيمة 130 مليار دولار بعد سنوات من انخفاض أسعار النفط، منتجي أوبك وغير الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وهندست خفض إنتاج النفط. ونتيجة لذلك، تضاعف سعر برميل النفط ثلاث مرات في الفترة من كانون الثاني/ يناير 1999 إلى منتصف عام 2000. واقترح بعض المشرعين فرض عقوبات على السعودية. اختار الرئيس بيل كلينتون الدبلوماسية على الانتقام، وقد نجح ذلك.
يبدو أن سياسة أمريكا طويلة الأمد المتمثلة في عدم تعكير صفو علاقتها مع السعودية، على الرغم من سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان، مدفوعة بمجموعة من العوامل: عدم إزعاج سوق النفط العالمية، ومحاربة النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة، وموازنة إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979.
وتقدمت لجنة في مجلس الشيوخ بمشروع قانون عدم وجود كارتلات (تحالفات) لإنتاج وتصدير النفط، أو نوبك، ومن المرجح أن يناقشه المشرعون بعد انتخابات التجديد النصفي. إذا تم سنه، سيسمح للنائب العام بمقاضاة أعضاء أوبك على انتهاكات قوانين مكافحة الاحتكار. قد يرضي الغضب، لكنه سينتهي به الأمر إلى إلحاق الضرر بالمستهلكين الأمريكيين.
في ظل نوبك، يمكن للولايات المتحدة مصادرة أصول أعضاء كارتل الطاقة في الولايات القضائية الأمريكية. أغلى أصول السعودية في أمريكا هي مصفاة موتيفا في بورت آرثر، تكساس، المملوكة بالكامل من شركة أرامكو السعودية. موتيفا هي أكبر مصفاة في الولايات المتحدة وتنتج البنزين والديزل ومنتجات بترولية أخرى حيوية للمستهلكين الأمريكيين. إن قدرة تكرير النفط في أمريكا ضيقة بالفعل بشكل غير مستقر، وتعطيل موتيفا من شأنه أن يدمر المستهلكين الأمريكيين والاقتصاد.
إدارة بايدن ببساطة ليس لديها سبل تشريعية أو قانونية للانتقام من السعودية والتي لن تؤذي المستهلكين الأمريكيين، لأننا جزء من اقتصاد النفط العالمي.
وتعتقد الكاتبة أن الإجراء الأكثر فعالية لمواجهة التخفيض في إنتاج النفط السعودي، سيكون تخفيف العبء التنظيمي وتقديم الدعم بلا هوادة لصناعة النفط والغاز الأمريكية. وهذا من شأنه أن يخفض أسعار النفط العالمية ويقلل من أرباح السعودية من النفط.
حتى مع الأحكام البيئية من قانون الحد من التضخم، يمكن لإدارة بايدن أن تحدث فرقا كبيرا للمنتجين الأمريكيين من خلال تسريع العمليات التنظيمية وتخفيف بعض التعريفات الجمركية. لكن من غير المرجح أن تقوم بمثل هذه الخطوة الجذرية بما يتعارض مع سياساتها المتعلقة بالطاقة والبيئة.
على مدى عقود، استخدمت العائلة المالكة السعودية صورة العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة للمساعدة في إضفاء الشرعية على حكمها وتعزيزه. يمكن لإدارة بايدن التأثير على سياسة النفط السعودية من خلال إظهار العائلة المالكة أنها في خطر فقدان تلك الصورة. يمكن لبايدن أن يوقف علنا أو يؤجل أو يتدخل في بيع المعدات العسكرية الأمريكية إلى السعودية، كما طالب العديد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ.
لكن لا تعول على قيام واشنطن بجعل السعودية تدفع ثمنا. لن يستفيد المستهلكون الأمريكيون من ذلك، ولن تحقق واشنطن أي مكاسب سياسية من الإخلال بالوضع الراهن.