علاقات » اميركي

حين تفضح أميركا حلفاءها واتباعها.. الامارات مثالًا

في 2022/11/15

عادل الجبوري-

من المعروف على نطاق واسع أن الامارات العربية المتحدة "حليف" تقليدي (بل أدنى) للولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب علاقتها الجيدة ـ غير الندّية ـ ببريطانيا والقوى الغربية الأخرى. ومعروف أيضًا، أنها كانت وما زالت متماهية ومنسجمة في مجمل توجهاتها ومواقفها مع سياسات ومواقف الولايات المتحدة، فهي ساهمت إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة في كل الحروب التي خاضتها الأخيرة في المنطقة، من قبيل الحرب ضد أفغانستان عام 2001 بذريعة اسقاط نظام "طالبان" (صنيعة أميركا)، ومن ثم الحرب ضد العراق في عام 2003 بذريعة اسقاط نظام صدام، وفيما بعد تورطها في الأزمة السورية ومن ثم مشاركتها في العدوان على اليمن، وتدخلاتها السلبية في الشأن الداخلي اللبناني، ومشاركتها في كل المشاريع والأجندات التخريبية ضد الجمهورية الاسلامية في ايران، وغيرها.

ولمن لا يعرف، هناك قاعدة عسكرية أميركية ضخمة في الامارات هي قاعدة الظفرة، يتمركز فيها حوالي خمسة آلاف عسكري أميركي، فضلًا عن مراكز عسكرية ومخابراتية أخرى، ووجود عسكري واضح في ميناء جبل علي. ولم يسجل على الامارات أن تقاطعت واصطدمت مع بعض حلفاء واشنطن في المنطقة، أو أنها وقفت يومًا ما بالضد من الولايات المتحدة، بل على العكس، تميّزت، وخصوصًا خلال الأعوام القلائل الماضية، باندكاكها مع السياسة الأميركية إلى حد كبير، من خلال دورها المحوري والفاعل في تكريس مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتحويله من الغرف والكواليس السرية، إلى الفضاء السياسي العام من دون أي حرج أو تردد، وتحت عنوان عريض ومضلل هو "السلام الابراهيمي"، في اشارة إلى التطبيع بين اتباع الديانات الاسلامية والمسيحية واليهودية، ليكون مدخلًا ومبررًا للقبول بالكيان الصهيوني الغاصب والعيش معه بسلام ووئام، في الوقت الذي لا يكاد يمر يوم إلا ويرتكب الكيان الغاصب أبشع وأفظع الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني، إلى جانب انتهاك المقدسات والحرمات في القدس الشريف، ناهيك عن الحملات العدوانية العسكرية والاعلامية والسياسية ضد سوريا ولبنان وايران ودول أخرى.

والامارات حينما كانت ــ وما زالت ــ تساير وتهادن الولايات المتحدة، فإنها في الواقع مشتركة وضالعة معها بشكل أو بآخر بكل الجرائم المرتكبة ضد شعوب الدول التي تعرضت للعدوان، وتلك التي كان العدوان والغزو والاحتلال سببًا في تعرضها للارهاب التكفيري، كما حصل في أفغانستان والعراق وغيرهما. فتنظيم "القاعدة" وتنظيم "داعش"، ما كان لهما أن يرتكبا شتى أنواع الجرائم التي أدت إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا الأبرياء في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام  2003، لولا دعم ومساندة أطراف دولية واقليمية من بينها الولايات المتحدة والسعودية والامارات.

وتؤكد الكثير من التقارير والأرقام أن الإمارات ومعها السعودية ودول خليجية وعربية أخرى، كان لها دور كبير في تقديم مختلف أنواع الدعم والتمويل والاسناد للجماعات والتنظيمات الارهابية المسلحة، وتحت مرأى ومسمع وتشجيع ومباركة الأوساط والمحافل السياسية والعسكرية والاستخباراتية الأميركية.

بيد أنه مع كل ذلك التماهي والذوبان الاماراتي في بوتقة السياسة الأميركية، لا سيما ما يتعلق بالكيان الصهيوني، ورغم المصالح الاقتصادية الأميركية الكبيرة معها، فإن ابو ظبي لم تسلم من الاستهداف الأميركي لها.    

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية واسعة الانتشار موضوعًا مثيرًا تحت عنوان "تقرير استخباري يكشف كيف تلاعبت الإمارات بالسياسة الأمريكية"، قالت فيه "إن الإمارات دولة بلا انتخابات أو أحزاب سياسية، أو حتى قضاء مستقل، وانتقاد الحكومة محظور، وكذلك النقابات العمالية والمثلية الجنسية، وتصنّف من بين أقل البلدات حرية في العالم".

وتضيف الصحيفة "تقف البيئة السياسية الخانقة في تناقض صارخ مع العروض العالمية الفخمة في البلاد، بما فيها أطول برج في العالم، ومنحدرات التزلج داخل مراكز التسوق، وعالم فيراري، ومراكز الأعمال المعفاة من الضرائب، والفنادق الفاخرة والنوادي الليلية، بشكل غير متوافق مع الحالة الدينية في السعودية القريبة منها".

وتنقل "واشنطن بوست" أن مسؤولين أميركيين وهيئات رقابة مستقلة، حذروا من أن التهريب وغسيل الأموال في الإمارات سمح للمجرمين والمتشددين بإخفاء ثرواتهم هناك، وأن وكالة المخابرات المركزية "CIA" خلصت إلى أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي قتل بناء على طلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو ما تسبب في قيام جماعات الضغط والمراكز البحثية بقطع علاقاتها بالرياض، وأنه رغم عدم مشاركة الإمارات في القتل، إلا أن محمد بن زايد شكّل صوتًا وازنًا في التركيز على أن ولي العهد السعودي سيشكل حالة جديدة يغير من وضع السعودية ويعطي المرأة حق التصويت، وهو ما تحطم عندما قتل خاشقجي".

وهناك حقائق ومعطيات أخرى أوردها التقرير تتحدث عن دفع ابو ظبي أموالًا طائلة لاستمالة سياسيين وعسكريين ومراكز دراسات وبحوث من أجل تلميع صورتها، وكان للسفير الاماراتي في واشنطن يوسف مانع العتيبة دور كبير في بناء شبكة علاقات ومصالح واسعة مع شخصيات ومؤسسات سياسية ومالية واستخباراتية واعلامية مختلفة.

وبحسب سجلات وزارة العدل الأميركية "أنفقت الإمارات حوالي 154 مليون دولار على جماعات الضغط منذ عام 2016، ومئات الملايين من الدولارات على تبرعات للجامعات ومراكز الفكر الأميركية، والعديد منها ينتج أوراقًا سياسية تخرج بنتائج مواتية لمصالح الإمارات".

ومثلما أرادت الامارات بصغر حجمها وامكانياتها أن تخترق الولايات المتحدة الاميركية، القوة الأكبر في العالم، عمدت الأخيرة إلى فضحها وتعريتها، وهذا هو حال الأتباع الصغار، الذين يعتقدون أنهم باتوا كبارًا ومؤثرين، والتاريخ القريب يحدثنا عن العديد من النماذج والأمثلة الصارخة على الخذلان الأميركي لأقرب وأهم العملاء والأدوات، وشاه ايران محمد رضا بهلوي أحد هذه الأمثلة، وكذلك صدام حسين، وحسني مبارك، وغيرهم.