عبدالله حاتم - الخليج أونلاين-
ربما آخر ما كانت تنتظره السعودية في هذه الظروف، هو بقاء هيمنة الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له الرئيس الأمريكي جو بايدن، على الكونغرس والمشهد السياسي بالولايات المتحدة، في ظل التوتر الكبير في العلاقات بينهما.
ولم يخفِ مراقبون سعوديون رغبتهم في فوز الحزب الجمهوري بالانتخابات النصفية، خاصة في ظل تدني شعبية بايدن على خلفية معدلات تضخم قياسية، ووجهات نظر الناخبين السلبية تجاه الاقتصاد في جميع الولايات الحاسمة.
وأسفرت النتائج عن فوز الحزب الديمقراطي بـ50 مقعداً في مجلس الشيوخ، إلى جانب الصوت الفاصل لرئيسها نائب الرئيس كاميلا هاريس، مما يمنحهم الأغلبية، فيما فاز الجمهوريون بأغلبية 211 مقعداً في مجلس النواب مقابل 200 مقعد للديمقراطيين.
توتر كبير
وصل التوتر بين السعودية والإدارة الديمقراطية إلى ذروته وبشكل علني، عقب قرار تحالف "أوبك+" خفض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل في سبتمبر الماضي؛ ما جعل واشنطن تتهم الرياض بالانحياز علناً إلى موسكو في غزوها لأوكرانيا.
وحمّل الرئيس الأمريكي روسيا والسعودية مسؤولية ارتفاع أسعار النفط، فيما اتهم مسؤولون أمريكيون الرياض بتعمد الإضرار بمصالحهم من خلال خفض إنتاج النفط، فضلاً عن اتهام مشرعين ديمقراطيين لها بمحاولة التأثير على الانتخابات النصفية لصالح الحزب الجمهوري.
من جانبه، نفى وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، أن تكون بلاده تهدف إلى إلحاق الضرر بالولايات المتحدة من خلال خفض إنتاج النفط.
وفي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، في سبتمبر، أكد الجبير أن الرياض وواشنطن ترتبطان بعلاقات استراتيجية منذ 8 عقود، كما أضاف أن "السعودية لا تسيّس النفط ولا القرارات المتعلقة به. فالنفط ليس سلاحاً ولا طائرة مقاتلة ولا دبابة، بل هو في نظرنا سلعة مهمة للاقتصاد العالمي الذي لنا فيه حصة كبيرة".
ومع بدء ظهور نتائج الانتخابات النصفية وتراجع حظوظ الجمهوريين باكتساح الكونغرس، عاد الجبير وأكد في حديث لوكالة "بلومبيرغ" يوم 12 نوفمبر الجاري، أن العلاقة بين الرياض وواشنطن "قوية للغاية".
ولكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة، فما زالت الإدارة الأمريكية "حانقة" من الخطوة السعودية التي جاءت قبيل الانتخابات النصفية؛ ما اعتبرته استهدافاً للحزب الديمقراطي.
وفي نهاية أكتوبر الماضي، قدمت لجنة في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون "نوبك" لمعاقبة الرياض، حسب وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية.
وتوقعت الوكالة أن يناقش الأعضاء التشريع بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
واكتسب مشروع القانون قوة دافعة في الكونغرس بعد أن قررت "أوبك+" خفض الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل يومياً.
ويهدف مشروع القانون إلى إخراج التحكم في أسعار النفط من قبضة "دول قليلة"- كما ورد في النص المنشور- من خلال تعريض دول "أوبك" لقوانين مكافحة الاحتكار.
وفي حالة إقراره، سيرفع القانون الحصانة عن أعضاء "أوبك" وشركاتهم النفطية ويسمح بمقاضاتهم للتواطؤ في رفع الأسعار، الأمر الذي سيعقّد أكثرَ العلاقاتِ بين واشنطن والرياض؛ لكون الأخيرة هي التي تقود "أوبك+".
ولم يقتصر رد الفعل الأمريكي على قانون "نوبك"، فقد قدم ثلاثة أعضاء ديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي، في 6 أكتوبر الماضي، مشروع قانون يقضي بإزالة الأصول العسكرية الأمريكية المهمة المتمركزة في السعودية والإمارات.
وقال النواب في بيان مشترك: إن "السعودية والإمارات تعتمدان منذ فترة طويلة، على الوجود العسكري الأمريكي في الخليج لحماية أمنهما وحقول نفطهما".
وتابع البيان: "وعقب دعمهما (الرياض وأبوظبي) قرار أوبك بلس، لا نرى أي سبب يدعو القوات الأمريكية والمتعاقدين إلى الاستمرار في تقديم هذه الخدمة إلى البلدانِ التي تعمل بنشاط ضدنا".
ما خيارات السعودية؟
ورغم أغلبية الجمهوريين في مجلس النواب والذين ينظر إليهم على أنهم حلفاء الرياض، فإن ذلك ليس كافياً بالنسبة للمملكة لتهدئة الأجواء مع بايدن.
لكن المملكة لا يبدو أنها ستنتظر حتى تهدأ الأجواء مع الإدارة الديمقراطية، حيث تواصل العمل بجد لتعميق العلاقات مع الصين وروسيا رغم التطورات الدولية الخطيرة عقب غزو موسكو لأوكرانيا.
وتستعد السعودية في ظل هذه الأجواء لاستقبال الرئيس الصيني شي جين بينغ، في الأسبوع الثاني من ديسمبر المقبل، ومن المتوقع أن يكون استقبال الزعيم الصيني حافلاً، كدلالة اهتمام على تعزيز علاقاتها مع بكين.
وعن زيارة الرئيس الصيني، قال الجبير حسب وكالة "بلومبيرغ": "رئيس الصين سيأتي إلى السعودية وقد تم الإعلان عن ذلك منذ فترة طويلة.. البلدان لديهما مصالح كبيرة على المحك".
وأضاف الجبير: "الصين أكبر شريك تجاري لنا، ولدينا استثمارات كبيرة هناك، والشركات الصينية لديها استثمارات كبيرة في السعودية".
المصالح لا تتأثر بالكونغرس
وحول تأثر السعودية بفوز الديمقراطيين وارتباط ذلك من عدمه باستعادة علاقتها مع واشنطن، قال د. خليل جهشان، مدير المركز العربي (معهد أبحاث) في واشنطن: إن "احتفاظ الديمقراطيين بأغلبية في مجلس الشيوخ كان مفاجأة للجميع، خصوصاً الجمهوريين، الذين توقعوا تسونامي سياسياً في هذه الانتخابات".
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أضاف جهشان: "عديد من الدول أيضاً فوجئت بهذه النتائج ومن ضمنها السعودية، التي تعيش خلافاً مع الولايات المتحدة، خصوصاً أن بعض النواب الأمريكيين انخرطوا في هذا الخلاف".
ولا يعتقد الخبير السياسي، أن يغير نواب الحزب الديمقراطي سلوكهم تجاه الرياض، خصوصاً أن علاقات الرياض وواشنطن ليست على قائمة أولويات نواب الحزب.
لكن جهشان أضاف أن "الحزب الديمقراطي عموماً ليس في حالة عداء مع المملكة، كما أن الأعضاء الجمهوريين لا يدعمون سياسات المملكة ولكنهم يستغلون أموراً مثل خفض إنتاج النفط، لإضعاف إدارة بايدن فقط".
ورأى أن النواب الجمهوريين لا يمكنهم شن حرب على السعودية أو تهدئة حرب معها.
وتابع: "تعامل الرياض مع توازنات الكونغرس لا تأثير له أبداً على المجلس؛ لأن قرارات الكونغرس أمر داخلي صرف".
وخلص إلى أن السعودية ستواصل التعامل مع الولايات المتحدة، لأنه لا يمكنها بناء علاقاتها معها على أساس التزامات مع حزب معين، وإنما التعامل يكون بناءً على المصالح بين البلدين بغض النظر عن الخلافات.
وفي ما يتعلق بزيارة الرئيس الصيني للمملكة، قال جهشان إنها ستحرج إدارة بايدن بالتأكيد، لأن زيادة النفوذ الصيني في المنطقة تزيد القلق الأمريكي؛ خصوصاً مع حليف استراتيجي قديم مثل السعودية.
لكن الولايات المتحدة، كما يقول جهشان، ترى أن الصين ما تزال غير قادرة على القيام بالدور الذي تقوم به أمريكا في المنطقة، "ومن ثم هم يراقبون هذا التقارب الصيني مع المنطقة بحذر، لكنهم يعرفون أن الصين لها حدود في النهاية".
ورأى أن "الصين لا يمكنها أن تحل محل الولايات المتحدة في الجوانب العسكرية والأمنية إلا في أمور محدودة جداً لن تنتقص من هيمنة أمريكا بسرعة أو بشكل جذري، حتى لو رغبت بعض دول المنطقة في هذا؛ لأن هذه الأمور لا تتبدل بشكل سريع كما يعتقد البعض".
وفي هذا السياق، يرى الباحث في الشأن الإقليمي، محمود حلمي، أن "ما تمر به الرياض وواشنطن من تشنج بالعلاقات سينعكس على الوجود والثقل الأمريكيين بالمنطقة خاصةً في دول الخليج".
ويتوقع حلمي، في حديث سابق لـ"الخليج أونلاين"، أن "تشهد منطقة الخليج حضوراً روسيّاً مع تحسُّن العلاقات السعودية الروسية، والتوافق حول عديد من الملفات الدولية، خاصةً إنتاج النفط".
ولا يستبعد أن "يكون لروسيا حضور بالخليج بشكل عام لا في السعودية فقط، خاصةً أن الإمارات والبحرين تصطفان إلى جانب الرياض في سياستها الخارجية".