محمد حميد – مصر 360-
خلال العقد الأخير، بلورت دول الخليج العربي شكلًا جديدًا من العلاقة مع العالم. إذ مدّت الدول الأربع الرئيسية ماليا “السعودية، الإمارات، قطر، الكويت” نفوذها خارج إطارها المحلي إلى الإقليمي ثم إلى العالمي، مستفيدةً من عوائد النفط والغاز التي تدفقت عليها منذ أن اكُتشف الذهب الأسود قبل ما يقرب من 90 عامًا.
وفقًا لورقة بحثية صادرة عن المعهد الأوروبي للبحر المتوسط، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي في تحويل عوائد النفط غير المتوقعة إلى ثروات مالية، بعد ارتفاع أسعار النفط عام 2002. ذلك عبر إنشاء صناديق استثمار مُخصصة حصريًا لفائض النفط الذي حققته.
يُوضح المعهد أن أموال دول مجلس التعاون الخليجي وحدها شكّلت حوالي نصف الأصول المملوكة لصناديق الثروة السيادية على مستوى العالم. وحتى عام 2009 راكمت تلك الصناديق ثروة من الأصول الأمريكية بلغت قرابة 1.5 تريليون دولار.
كما أنه ومنذ ذلك الوقت، غيرّت دول الخليج نمط استثمارها من المحافظ المالية منخفضة المخاطر؛ “مثل شراء الأصول والعقارات”، إلى عالية المخاطر وتتمثل في شراء الأسهم، والاستثمارات البديلة. خاصة في الاقتصادات الناشئة في آسيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
ويتوقع تقرير البنك الدولي الأخير، توسع اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 5.9% خلال عام 2022، مدفوعةً بالقطاعات الهيدروكربونية وغير الهيدروكربونية.
اقرأ أيضًا: في 6 أشهر.. كيف زادت استحواذات الإمارات والسعودية على الأصول المصرية؟
الصناديق السيادية
في دراسة بعنوان “عندما يتكلم المال”، يصف مركز “كارنيجي” للدراسات البحثية، نمو الصناديق السيادية لدول الخليج بأنها تُمثل تهديدًا لمصالح الدول الغربية. خاصة مع نمو تأثيرهم على هيكل وبنية النظام المالي العالمي.
تقول الدراسة -التي صدرت قبل نحو 10 أعوام- إن التحّول الذي أحدثته الصناديق السيادية لدول الخليج من الأطراف إلى مراكز الأسواق المالية العالمية بعد انضمامها إليها، جعلها في قلب النظام المالي الغربي، فباتوا يُديرون محافظ دولية متعددة ومعقدة.
تلك كانت أكبر الصناديق السيادية العربية، إلا أن معهد صناديق الثروة SWF، يُوضح أن الإمارات وحدها تمتلك 4 صناديق سيادية أخرى بقيم مالية تُقدر بنحو 830 مليار دولار. وهي مؤسسة دبي للاستثمار، وهو صندوق ثروة سيادي مملوك لإمارة دبي، تأسس عام 2006، وتبلغ قيمة أصوله 299.7 مليار دولار.
والثاني هو شركة مبادلة للاستثمار وهي صندوق ثروة سيادي مملوك لإمارة أبو ظبي، بأصول مالية تقدر بحوالي 284.5 مليار دولار، ويمتلك 39 شركة تابعة له. أما الثالث فهو شركة أبوظبي التنموية القابضة، وهي صندوق ثروة سيادي مملوك لإمارة أبو ظبي بأصول مالية، تُقدر بحوالي 159 مليار دولار، ويمتلك 7 شركات تابعة له. والرابع هو جهاز الإمارات للاستثمار، وهو صندوق ثروة سيادي مملوك لإمارة أبوظبي، تأسس عام 2008، وتُقدر قيمة أصوله بحوالي 87 مليار دولار.
صفقات
يقول الدكتور علي شريف وردة، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة الجديدة، إن الصناديق السيادية ظاهرة قديمة تعود للخمسينيات. إذ كانت دولة الكويت سبّاقة في إنشاء هيئة الاستثمار الكويتية عام 1953.
ويُضيف في دراسة صادرة العام الحالي، أن الصناديق السيادية تتنوع؛ فمنها ما يتم إنشاؤه لتمويل عجز الموازنة العامة، وتوفير فرص وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، ومنها ما يكون هدفه الرئيسي هو حماية الاقتصاد الوطني من الصدمات العالمية بخاصة اقتصاديات دول الخليج التي تعتمد على عوائد النفط.
يُوضح وردة، أن دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك 14 صندوقا ماليا تمتلك حوالي 40% من إجمالي صناديق الثروة السيادية حول العالم، بإجمالي يبلغ حوالي 2.9 تريليون دولار. ويشير إلى أن معظم استثمارات صناديق الثروة السيادية تتمركز في أدوات الدين الحكومي وأسهم الشركات الحكومية، إلا أن هناك متغيرات جوهرية في الآونة الأخيرة بتحّول تلك الاستثمارات إلى أصول أخرى.
أين تستثمر؟
يُوضح علي شريف وردة -في دراسته- أن صناديق دول الخليج تتنوع في استثماراتها ما بين قطاعات وأنشطة اقتصادية عدة، يأتي على رأسها الاستثمار في قطاع الطاقة، حيث استحوذت تلك الاستثمارات على نسبة 24% من إجمالي استثمارات صناديق الثروة الخليجية، يليها الاستثمار في القطاع الصناعي بنسبة 15.3%، ثم قطاع أنشطة الترفيه بنسبة 14.5%، فقطاع التمويل بنسبة 11.2%، ثم قطاع العقارات بنسبة 7.2%، وقطاع النقل بنسبة 5.6%.
كذلك تتنوع استثمارات الصناديق السيادية لدول الخليج جغرافيًا، حيث استحوذت أوروبا على نسبة 62% من إجمالي استثمارات تلك الصناديق، ثم أمريكا الشمالية بنسبة 12.9%، ثم شرق وجنوب آسيا بنسبة 10.4%، ثم المحيط الهادئ بنسبة 6.4%، في حين استحوذت إفريقيا وأمريكا الجنوبية على حصص 0.8% و2.4% على التوالي من إجمالي استثمارات الصناديق الخليجية.
ويشير وردة إلى أن أداء الشفافية والحوكمة بالنسبة للصناديق السيادية الخليجية منخفض مقارنة بمستوى الشفافية في الصندوق السيادي النرويجي، ما يُمثل خللًا في استقلالية تلك الصناديق والموازنة العامة لدول الخليج. هذا فضلًا عن غلبة الطابع الحكومي على أداء الصناديق السيادية لدول الخليج، ما يجعل جميع الأنشطة الاستثمارية لها مرهونة باعتبارات سياسية وليست مصالح اقتصادية، وفقًا لدراسة وردة.
كأداة للسياسة الخارجية
يقول إسماعيل نعمان، وجوخان أريلي، باحثان بمعهد دراسات الشرق الأوسط، إن دول الخليج استخدمت استثماراتها المالية في توجيه السياسة الخارجية لدول معينة، من خلال ما يُوصف بأنه “شراء السياسة الخارجية”.
ويُضيف الباحثان -في ورقة بحثية بعنوان “الاستثمارات كأدوات سياسية أجنبية”- أن دول الخليج تعمدّ إلى تشكيل السياسة الخارجية لإحدى البلدان عبر الاستثمار فيه. وأبرز النماذج على ذلك هي استثمارات دول الخليج في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين.
ويُدلل الباحثان على ذلك، بامتلاك أمراء الخليج عبر صناديقهم السيادية وشركاتهم أصولًا وشركات في الولايات المتحدة. حيث كان رئيس الإمارات السابق خليفة بن زايد يمتلك إمبراطورية عقارية في لندن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يمتلك أحدث التقنيات والمعدات الفاخرة.
اقرأ أيضًا: تقرير استخباراتي: الإمارات تلاعبت بالنظام السياسي الأمريكي
يلفت الباحثان إلى بعدّ ثان يتحكم في استثمارات دول الخليج، وهو التنافس بين تلك الدول، حيث تدخل دول الخليج في سباق استثماري باستخدام مواردها المالية لتبرز في منافستها مع الآخرين. وبهذه الطريقة، تهدف دول الخليج إلى تصوير نفسها على أنها أكثر فاعلية من الأخرى، لتقوية علاقاتها وكسب مكانة أقوى. وكثيرًا ما كان يحتدم التنافس بين شركات الطيران الوطنية في أبوظبي والدوحة ودبي كدليل على ذلك.
كما تستخدم دول الخليج استثماراتها العالمية في إعاقة الدول التي تتنافس معها على المستوى الإقليمي، مثلما فعلت إدارة المواني في الإمارات عبر شراء المواني في منطقة القرن الإفريقي، وما سببه ذلك من مشاكل للدول الإفريقية التي كانت تنتظر تطويرا لموانيها، وفقًا للدراسة.
تلعب الاستثمارات الخليجية أيضًا دورًا في تطوير مكانتها في الجامعات الأوروبية والأمريكية من خلال التبرعات المالية، التي تقوم بها الدول لتلك الجامعات، فضلًا عن الدور الإعلامي الذي تلعبه القنوات الفضائية لتلك الدول، بحسب الدراسة.
وتلفت الدراسة إلى أنه خلال العقد الماضي فقط، تبرعت دول الخليج للجامعات الأمريكية والأوروبية بقرابة المليار دولار.
من يطوّر السياسات؟
استخدمت دول الخليج أكثر من شركة وساطة ومكاتب محاماة شهيرة ومراكز بحثية لإعداد رؤى واستراتيجيات اقتصادية لهم. ولعل أبرز تلك الشركات كانت شركة برايس وهاوس، ومؤسسة روتشيلد للاستشارات العالمية وإدارة الثروة، وشركة Deloitte للاستشارات المالية، وبنك مورجان ستانلي الذي يقدم تحليلات مالية وله أكثر من فرع بدول التعاون الخليجي.
في المحصلة النهائية، ولاعتبارات كثيرة استغلت دول الخليج ظاهرة الصناديق السيادية، واستثمرت في بعض البلدان بشكل كبير، ما جعلها تُمثل ثقلًا في تحديد الأولويات السياسية للدول التي تستثمر فيها، وتوجّه سياسة تلك الدول في صالحها.
كما بدا أن عمليات التبرع لصالح المؤسسات التعليمية الأمريكية والأوروبية لا تخلو من هدف سياسي بإخراج جيل جديد يكن احترامًا لتلك الدول والمؤسسات التي دعمت الجامعات التي تخرج ودرّس فيها.