أشرف كمال - الخليج أونلاين-
رغم السجال الأمريكي السعودي الذي تصاعد خلال الأسابيع الأخيرة بسبب خلاف البلدين على خطط إنتاج النفط، فإن لهجة وسلوك واشنطن مؤخراً ينمان عن محاولة لتهدئة التوتر مع أكبر مصدر للنفط في العالم.
وتمتلك الولايات المتحدة علاقات استراتيجية تمتد لأكثر من 80 عاماً مع الرياض، وقد تخللها العديد من الخلافات الكبيرة، لكنهما نجحتا في تجاوزها كل مرة، كما قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، في لقاء مع شبكة "سي إن إن" هذا الشهر.
ويرى محللون أن العلاقات بين البلدين قائمة على المصالح وليس على القيم بالأساس، ومن ثم فإن كل هذه السجالات أو الخلافات لا تعني نهاية التحالف أو تخلي طرف عن الآخر في نهاية الأمر؛ خصوصاً أن كل بلد لا يملك كثيراً من أوراق الضغط على الآخر.
توتر بسبب النفط
توترت العلاقات بشدة بين الحليفين منذ إعلان تحالف "أوبك+"، في سبتمبر الماضي، خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، بدءاً من الشهر الجاري، حيث اتهمت واشنطن السعوديين بإجبار أعضاء التحالف على هذا القرار كنوع من الاصطفاف مع روسيا.
وتوعد الرئيس الأمريكي بمعاقبة الرياض على هذا السلوك، الذي قال إنه يقلل من فعالية العقوبات الغربية على موسكو، ويمنحها مزيداً من الأموال التي تساعدها على مواصلة حربها المستمرة في أوكرانيا منذ 9 أشهر.
ودخلت كافة المؤسسات الأمريكية على خط السجال تقريباً، ومن ضمن ذلك الكونغرس، الذي سعى بعض نوابه لوقف تسليح المملكة، ونقل القوات الأمريكية الموجودة فيها إلى بلد آخر بالمنطقة.
في المقابل استخدم السعوديون لغة دبلوماسية، لكنها كانت قوية وواضحة، حيث أكدوا أنهم لا يقبلون تسييس القرارات الاقتصادية، وأنهم لا يقبلون إملاءات من أي كان، إلى جانب تأكيد أن أسلحة واشنطن وقواتها تدافع عن مصالح أمريكا بالدرجة الأولى.
ولم تبدِ الرياض ليونة في مسألة النفط، وقال وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، في أكثر من لقاء، إن بلاده لا تسيطر على "أوبك+" كما يروج البعض، وإن قرارات الإنتاج تتخذ بحذر ووفق معطيات السوق وحفاظاً على توازنه.
شراكة حتمية
بعد شهرين من السجال، أعطت واشنطن عدة إشارات تعكس دعمها الكامل لأمن الرياض، وقد أعلنت إحباط هجمات إيرانية كانت على وشك الوقوع بالمملكة.
كما حلّقت قاذفات واشنطن الاستراتيجية فوق الخليج في رسالة لطهران، التي زادت من تهديداتها للسعودية مؤخراً.
ويوم (22 نوفمبر 2022)، قال قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال إريك كوريلا، إن التعاون العسكري مع السعودية حتمي لأمن واستقرار المنطقة.
وأوضح كوريلا، في تصريحات نقلتها قناة "العربية" السعودية، أن القيادة المركزية الأمريكية نجحت بالتعاون مع الرياض في منع دخول متفجرات إيرانية للمنطقة، مؤكداً التزام واشنطن بـ"مكافحة التهديد الحوثي الإيراني".
وكانت واشنطن أبدت، مطلع نوفمبر الجاري، قلقها من تهديدات إيرانية محتملة للرياض، وقالت إنها لن تتردد في الرد على هذه التهديدات إذا لزم الأمر.
تحركات فعلية
وتعمل الولايات المتحدة، بحسب ماكغورك، على بناء بنية تحتية "متكاملة" للدفاع الجوي والبحري بالشرق الأوسط؛ في وقت تتصاعد فيه التوترات مع إيران المتهمة بشن هجمات ضد سفن في مياه الخليج.
كما يستعد الأسطول الخامس الأمريكي لنشر أكثر من 100 سفينة مسيَّرة عن بعد في مياه الخليج بحلول العام المقبل؛ لدرء تهديدات الطائرات المسيّرة.
وفي 13 نوفمبر 2022، أعلنت وزارة الدفاع السعودية مرافقة طائرات من القوات الجوية من نوع "إف-15 إس إي" و"تايفون" للقاذفة الاستراتيجية الأمريكية "بي- 52" أثناء عبورها أجواء المملكة.
أوراق ضغط محدودة
المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأمريكي د. أسامة أبو أرشيد، لا يعتقد أن تصريحات الولايات المتحدة ومواقفها الأخيرة تعني تراجع بايدن عن موقفه من السعودية، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بمحدودية خيارات واشنطن في مواجهة الرياض.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال أبو أرشيد إن الرئيس الأمريكي لا يتحرك مدفوعاً بانتخابات 2024 الرئاسية، وإنما من منطلق التعامل مع حليف تقوم العلاقة معه أساساً على المصالح.
وأضاف أبو أرشيد: "ما يملكه بايدن هو وقف بيع السلاح للسعودية، لكن هذا سيضر الاقتصاد الأمريكي؛ لكون المملكة أكبر مستورد للسلاح في العالم، وذلك على الرغم من أن السعوديين لا يمكنهم إيجاد بديل مقنع للسلاح الأمريكي".
وتابع: "رغم ذلك لا ترغب واشنطن في دفع السعودية نحو البحث عن مصادر أخرى للسلاح، حتى لو كان هذا سيحدث على مدار سنوات؛ لأنه لا الصين ولا روسيا ولا غيرهما يمكنه توفير سلاح بجودة ما تقدمه أمريكا للسعودية".
كما أن مساعي السعودية لتأمين مزيد من الأسلحة بعيداً عن الولايات المتحدة "لن تكون سهلة على هذا النحو الذي يتحدث عنه البعض، ولن تحدث بسهولة"، برأي أبو أرشيد.
تحالف مصالح
إلى جانب ذلك فإن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تقوم على التبادل والمصالح وليس على القيم، ومن ثم فإن كل طرف من الطرفين بحاجة للآخر في بعض الأمور، ولا يمكنه التخلي عنه أحياناً.
ومن ثم فإن هذه المواقف الأمريكية المتضاربة من السعودية ربما تطرح تساؤلات بشأن مكانة الرياض الحالية عند الأمريكيين؛ لأن إدارة بايدن لا تتحدث بصوت واحد، وبينهم من لا يرجح اتخاذ مواقف جذرية من الرياض، كما يقول أبو أرشيد.
ولفت المحلل السياسي إلى أن السعودية لديها الكثير من الأمور التي لا يمكن للأمريكيين الاستغناء عنها بسهولة، ومن ضمن ذلك أنها أكبر منتج ومصدر للنفط، ويمكنها التأثير على أسواق الطاقة العالمية، فضلاً عن مكانتها الهائلة في العالم الإسلامي بسبب وجود الحرمين الشريفين بها، وهي مكانة تحتاج إليها واشنطن في إطار ما تسميه "الحرب على الإرهاب".
ويرى أبو أرشيد أن المؤسسات الأمريكية تنظر لما يحدث على أنه خلاف بين إدارة بايدن والرياض وليس بين البلدين، بدليل أن أمريكا لا تزال تقدم العديد من الخدمات العسكرية والاستخبارية للرياض، والتي تؤكد بقاء التحالف بين البلدين.
كما أن الصين، يقول أبو أرشيد، تؤدي دوراً مهماً في رسم العلاقات الأمريكية السعودية؛ لأن واشنطن لا تريد ترك مساحة لمزيد من النفوذ الصيني في المنطقة، خاصة في ظل تنامي التعاون الاقتصادي بين بكين والرياض.
وخلص المحلل السياسي إلى أن بايدن يختلف تماماً عن ترامب في أنه ابن المؤسسة السياسية الأمريكية، ويعرف أن العلاقة مع السعودية هي علاقة مصالح مشتركة وليست علاقة أشخاص كما يحاول ترامب تصويرها.
وعليه فإن ما تقوم به إدارة بايدن حالياً هو محاولة لوزن هذا التحالف وإبقائه قائماً بعيداً عن أية مخاوف انتخابية مقبلة؛ لأن السعودية في النهاية تقدم للولايات المتحدة الكثير جداً من الخدمات وعلى أكثر من صعيد.