علاقات » اميركي

الخليج يحوّل وجهته نحو الشرق.. والصين لن تكون بديلا كاملا عن أمريكا

في 2022/12/10

إيكونوميست- 

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية، وقالت إن حضوره قمة في السعودية، وإن كانت عن الطاقة والمال، إلا أنها رسالة إلى الولايات المتحدة.

وأضافت المجلة أن المزاج في شبه الجزيرة العربية كان متوترا، فبعد ارتفاع مفاجئ، بدأت أسعار النفط بالتراجع وسط حالة من الكساد في الدول الغنية. وخشيت السعودية وسط النزاع الذي يتخمر بمنطقة الخليج، من تعرض منشآتها النفطية  لهجمات. ولهذا فهي راغبة بشكل كبير في شراء الصواريخ الباليستية لردع منافسيها. ولأن الولايات المتحدة رفضت بيعها تلك الصواريخ، فقد تحول ولي العهد السعودي الشاب والقوي نحو الصين، التي وقّعت مع المملكة اتفاقية سرية لتزويدها بالأسلحة التي تريدها.

وتعلق المجلة أن هذا الوضع لو دعا لاستحضار مشاعر مماثلة (دي جافو) فإنها تعيدنا إلى ما قبل عقود، وقادت لولادة العلاقات الصينية- السعودية.

ومعظم هذه المشاعر مرتبطة بزيارة الرئيس شي إلى السعودية، وهي الزيارة الثانية له. ولكن الأمور ليست مشابهة لسنوات الثمانينات من القرن الماضي، فالسعودية وجاراتها من دول الخليج لها علاقات تجارية قوية مع الصين، مع أن السعوديين ظلوا يعاملون الصين كورقة لإحباط الولايات المتحدة التي أصبحت في السنوات الأخيرة حليفا لا يوثق به بالنسبة لهم.

ولكن التحدي أمام دول الخليج هو كيفية موازنة موقفين، الأول أصبح جاذبا بشكل متزايد. فالصين أصبحت سوق تصدير كبير ومصدرا للاستثمارات في الخليج.

أما الثاني، وهو ليس قويا، ويتعلق باستخدام الصين كتحوطٍ إستراتيجي ضد أمريكا المتقلبة. فالصين ليست بديلا سهلا عن الولايات المتحدة، وأكثر من هذا، فمحاولة قادة الخليج لعب ورقة قوتين عظميين ضد بعضهما البعض، ربما تعجّل بتخلي أمريكا عنهم وهو ما يخشونه.

وأشارت المجلة إلى العلاقة الاقتصادية مع الصين والتي تنمو بشكل مطرد. وتظل الطاقة في قلب هذه العلاقة. ففي العام الماضي، استوردت الصين نسبة 51% من نفطها من الدول العربية. وشكّلت نسبة ربع أو خمس هذا النفط من دول الخليج الستة، أو دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي  تشرين الثاني/ نوفمبر، وقّعت “ساينوبك” شركة الطاقة العملاقة المملوكة من الدولة، عقدا مدته 27 عاما لشراء الغاز الطبيعي المسال من قطر، وهو أطول عقد للغاز يوقّع بين بلدين.

وبحسب معهد أمريكان إنتربرايز في واشنطن، فقد وقّعت الصين منذ عام 2005 عقودا من الدول العربية بقيمة 223 مليار دولار. وشكّلت العقود مع دول مجلس التعاون نسبة 52%، والبقية مع الجزائر ومصر والعراق ودول عربية أخرى. وزادت وتيرة العقود هذه في نهاية عام 2010، ومع أن الاستثمارات عادت للتراجع بسبب انتشار الوباء وانخفاض الاستثمار الصيني العالمي، إلا أن بكين لا تزال تنظر للخليج كمنطقة واعدة. وحصلت السعودية في النصف الأول من 2022 على استثمارات بقيمة 5.5 مليار دولار في مجالات البنى التحتية والعقود المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق، أكثر من أي بلد آخر. إلا أن معظم العقود لا تزال متعلقة بالطاقة.

وترغب السعودية وبقية دول الخليج بالتحول عن النفط وتنويع اقتصاداتها، وضخت الصين في العام الماضي المال في مشاريع فنادق بعُمان، وتصنيع سيارات في السعودية. ومشاريع كهذه تظل استثنائية إلى جانب الاستثمارات في القطاع غير النفطي الذي يظل بطيئا.

ولا تخشى الولايات المتحدة من علاقات اقتصادية كهذه، لكن ما يخيف الناس هناك، هي العلاقات الإستراتيجية مع الصين، خاصة في مجال التكنولوجيا والأمن والدفاع. فدول مجلس التعاون الخليجي تعتبر زبائن راغبة بمنتجات هواوي، الشركة الصينية التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات. كما أن دول الخليج سعيدة بالتعاون مع شركات مثل سينس تايمز، المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي وُضعت على القائمة السوداء الأمريكية نظرا لدورها في عمليات التجسس على الإيغور في إقليم تشنجيانغ. وفي أيلول/سبتمبر، أعلنت شركة مرتبطة بالصندوق السيادي السعودي عن اتفاقية مع سينس تايمز لبناء الأخيرة مختبرا في المملكة.

وباعت الصين طائرات بدون طيار للإمارات التي استخدمتها في النزاعات حول المنطقة، ووقّعت السعودية في آذار/ مارس، اتفاقية مع شركة صينية عملاقة تابعة للدولة كي تصنع المسيّرات داخل السعودية. ويقول جواسيس أمريكا، إن الصين تساعد السعودية على بناء الصواريخ الباليستية أيضا. وفي حوار المنامة، الشهر الماضي، وهو مؤتمر سنوي  في البحرين لمناقشة قضايا الأمن، جاءت أمريكا بتحذير لحلفائها. وقال بريت ماكغيرك، مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط، إن التعاون المتزايد مع الصين في المنطقة قد يؤدي “لسقف” في العلاقات مع أمريكا. واعترف مسؤول آخر بوجود  توترات في العلاقات، خاصة حول إيران.

وترى المجلة أن الرئيس شي لقي ترحيبا حارا مقارنة مع زيارة بايدن إلى السعودية في تموز/ يوليو، فقد كانت أسعار النفط مرتفعة، ويواجه انتخابات تجديد نصفي، ويريد مساعدة. وبعد أكثر من عام على علاقات باردة، لم يكن المزاج لدى السعوديين ليظهروا الكرم لبايدن. وبالمقارنة سيعود شي إلى وطنه حاملا  كيسا كبيرا من عقود الاستثمارات والإعلانات الأخرى.

ويؤكد السعوديون أن الاستقبال والإعلانات التي رافقت زيارة شي لا تعتبر تجاهلا لأمريكا. فالصين هي بلد مهم، وتعاملها المملكة بهذه الطريقة، ولكن فريق بايدن لديه علاقة شائكة مع السعودية، وتنظر أمريكا للصين كمنافس رئيسي لها. ولن ترضى واشنطن عن طريقة استقبال شي الدافئة مقارنة مع استقبال بايدن الفاتر.

وفي أحاديثهم الخاصة، يقول المسؤولون الخليجيون إنه يشعرون بالغضب من الولايات المتحدة وسياساتها غير المتماسكة. فقد تحدث ثلاث رؤساء على التوالي عن رغبة في فكّ العلاقة مع المنطقة، ولكنهم لا يريدون أي قوة أخرى تحل محلهم وهم يرحلون. وإحباط كهذا مفهوم.

وكذا أمريكا، ففي الوقت الذي تشكو دول مجلس التعاون الخليجي من عدم دفاع أمريكا عنها بما يكفي ضد إيران، التي وقّعت مع الصين اتفاقية “شراكة استراتيجية” لمدة 25 عاما، فالرئيس شي يعتبر من القادة القلائل ممن لديهم تأثير على إيران، ومعظم النفط الذي يتم تصديره من الموانئ الإيرانية في تحد للعقوبات ينتهي في مصافي النفط الصينية، لكنه يمقت فكرة استخدامه لممارسة الضغط على إيران.

ومع زيادة أسعار النفط والنمو الاقتصادي، يشعر قادة الخليج بالحزم، وأن لحظتهم قد حانت للخروج من تحت العباءة الأمريكية. وعلى بايدن الاعتراف بدور صيني أكبر في المنطقة، وعلى الطرفين الاعتراف بهذا الآن، وكما في سنوات الثمانينات، فالصين لا تستطيع أن تكون بديلا كاملا عن أمريكا في الخليج.