علاقات » اميركي

اجتماع رباعي مهم.. هل أدركت واشنطن حتمية استيعاب الرياض؟

في 2023/05/15

أشرف كمال - الخليج أونلاين-

يقول خبراء إن الاجتماع الذي عقده مستشار الأمن القومي الأمريكي مؤخراً مع ولي العهد السعودي يعكس رغبة أمريكية في استيعاب الرياض وسعيها للتعامل معها كفاعل إقليمي ودولي مهم.

ففي خضم التحولات السياسية التي تعيشها المنطقة، والتي تؤدي المملكة العربية السعودية والإمارات دوراً محورياً فيها، وصل مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان (مساء الأحد 7 مايو 2023) إلى مدينة جدة، وأجرى مشاورات رفيعة مع مسؤولي الرياض وأبوظبي.

والتقى سوليفان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسط توترات طويلة الأمد بين البيت الأبيض والمملكة.

وجاءت زيارة سوليفان إلى المملكة بعد شهرين من عودة العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية، كما أنها تزامنت مع إعادة الجامعة العربية النظام السوري إلى مقعد دمشق الشاغر منذ 12 عاماً، بجهود سعودية إماراتية.

وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، قالت إن الاجتماع بين سوليفان والأمير محمد بن سلمان عقد في جدة، مشيرة إلى أن اللقاء تناول العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

في وقت لاحق شارك سوليفان في لقاء مع ولي العهد السعودي ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، ومستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، وقال البيت الأبيض في بيان: إن الاجتماعات "تهدف إلى تعزيز رؤية الأطراف المشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر أماناً وازدهاراً ومترابطة مع الهند والعالم". 

ولم يخض بيان البيت في التفاصيل، كما لم تنشر وسائل الإعلام الحكومية السعودية صوراً للاجتماعات، على غرار ما جرى في لقاء سري سابق قالت وسائل إعلام أمريكية إنه جرى بين سوليفان وولي العهد السعودي عام 2021.

تهدئة التوترات

لطالما اتسمت العلاقات السعودية الأمريكية بالتوتر منذ وصول جو بايدن للبيت الأبيض، مطلع 2021، غير أنها لم تنقطع بالنظر إلى حاجة كل بلد إلى الآخر في عديد من الملفات المتعلقة بأمن الطاقة واستقرار المنطقة والنفوذ السياسي بها.

جاء اجتماع سوليفان في جدة مصحوباً بكثير من الظلال التي تخيم على العلاقات بين واشنطن والرياض وأبوظبي تحديداً، وخصوصاً فيما يتعلق بإمدادات الطاقة والتقارب الواضح مع موسكو وبكين، فضلاً عن تجاوز الرغبة الأمريكية في عزل النظام السوري.

مع ذلك فإن ثمة عديد من الملفات التي تتلاقى فيها المصالح، ومنها ما يجري في اليمن والسودان؛ حيث تبذل الرياض وواشنطن تحديداً جهوداً لوقف الحرب في البلدين، فيما تتهم الأطراف المحلية بتأجيج الصراعين.

وقد أكد بيان البيت الأبيض أن سوليفان "استعرض التقدم الكبير في عملية تمديد هدنة اليمن، ورحب بالجهود الجارية التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب، إضافة إلى مجموعة أخرى من القضايا".

وأضاف البيان أن سوليفان، كبير مساعدي الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون الأمن القومي، شكر أيضاً ولي العهد على دعم السعودية للمواطنين الأمريكيين في أثناء الإجلاء من السودان.

وكانت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية نقلت عن مصادر (4 مايو 2023)، أن كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية يعتزمون زيارة السعودية بشكل منفصل خلال الفترة المقبلة، مشيرة إلى أن هذه الزيارات تؤكد رغبة واشنطن في تهدئة العلاقات مع أكبر مصدر للنفط في العالم.

وأوضحت المصادر أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أيضاً يخطط لزيارة المملكة، في يونيو المقبل، لحضور اجتماع التحالف الدولي ضد "داعش".

وأشارت إلى أن اجتماع سوليفان هو الأول من نوعه بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والهند. 

ونقلت عن أحد المطلعين أن الموضوعات الرئيسية ستكون تنويع سلاسل التوريد والاستثمارات في مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية، ومن ضمن ذلك الموانئ والسكك الحديدية والمعادن.

واعتبرت الوكالة الأمريكية أن الرحلات المتتالية التي قام بها مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى للسعودية "تسلط الضوء على أن الإدارة مصممة على تجاوز الجمود الذي ميز العلاقات بين واشنطن والرياض".

كما نقلت عن مصادر أن عاموس هوشستين، كبير مستشاري بايدن للطاقة والاستثمار، وبريت ماكغورك، منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط، التقوا الشيخ محمد بن زايد، رئيس الإمارات، والشيخ طحنون بن زايد، سراً في أبوظبي، أواخر أبريل 2023، وذلك تمهيداً لزيارة سوليفان إلى السعودية.

في السياق ذكر موقع "أكسيوس" الأمريكي (6 مايو 2023) أن اجتماع الدول الأربع في السعودية سيناقش مشروعاً محتملاً لبنية تحتية تربط دول الخليج والدول العربية و"إسرائيل" مع الهند، من خلال شبكة سكك حديدية  عبر ممرات الشحن من الموانئ في المنطقة.

والمشروع هو إحدى المبادرات الرئيسية التي يريدها البيت الأبيض في الشرق الأوسط في ظل تزايد نفوذ بكين بالمنطقة، إذ إن الشرق الأوسط جزء أساسي من رؤية الصين للحزام والطريق.

وسبق أن ذكر تقرير بمجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية أن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين "تمثل حقبة جديدة من المنافسة العالمية بين الولايات المتحدة والصين".

محاولة استيعاب الرياض

موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي قال في تحليل (الثلاثاء 9 مايو 2023)، إن سلوك الإدارة الأمريكية تجاه الرياض يعكس نفاد صبر بايدن تجاه ولي العهد السعودي الطموح، مشيراً إلى سياسة السعودية المناهضة لرغبة واشنطن فيما يتعلق بإنتاج النفط.

لكن الموقع يرى أن التقارب السعودي - الصيني الأخير "دفع واشنطن لتغيير مواقفها، وأحدث انعطافاً لدى بايدن"، لافتاً إلى أن الرئيس الأمريكي "استبدل تهديداته القديمة بما وصفته بالعقود المربحة للسعودية كجزء من لعبة القوة التي تشن على النفوذ الأمريكي بالمنطقة".

ونقل الموقع عن جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة "Gulf State Analytics" للاستشارات ومقرها واشنطن، أن النفوذ الصيني المتزايد بالمنطقة يمثل تحدياً كبيراً وأولوية قصوى لإدارة بايدن.

يقول محللون إن جوهر الاستراتيجية الدبلوماسية لولي العهد الأمير محمد هو الاعتقاد بأن القوة العالمية للولايات المتحدة، والتزام واشنطن العاصمة تجاه الشرق الأوسط آخذ في التضاؤل.

ولهذه الغاية يسعى السعوديون إلى توسيع تحالفاتهم، حيث يبتعدون عن الولايات المتحدة، ويقتربون من القوى المنافسة، ومن ضمن في ذلك روسيا والصين، كما يقول "إنسايدر".

لكن خطط البنية التحتية التي كشف عنها سوليفان تظهر أن الولايات المتحدة لا تزال مصممة على أداء دور رئيس في المنطقة وسلسة بشأن النزاعات السابقة. وقال كافييرو إن السعوديين سيستمرون على الأرجح في السعي لإقامة علاقات جيدة مع واشنطن. 

وقال: "من المهم أن نلاحظ أن المملكة العربية السعودية لا تسعى إلى حرق جسورها مع الولايات المتحدة. السعوديون لا يريدون التخلي عن شراكتهم القائمة منذ عقود مع واشنطن".

الخبير في الشؤون الدولية هاني سليمان قال إن السلوك الأمريكي الأخير يعكس إدراكها للتحول الكبير الذي طرأ على سياسة السعودية الخارجية، واعترافها بأنها أصبحت قوة عالمية مؤثرة، واصفاً اللقاء بأنه "مهم للغاية".

وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال سليمان إن هذا اللقاء رسالة أمريكية بحرصها على العلاقة مع الرياض، وأنها تحاول إدارة سياستها في المنطقة بتوازن وليس بفوقية كما كان سابقاً.

ولفت إلى أن العلاقات السعودية بالصين وروسيا وإنهاء حرب اليمن والعلاقات مع إيران وملفها النووي، وإعادة التعامل مع النظام بشار السوري، كلها ملفات مهمة بين واشنطن والرياض، ولا بد أن سوليفان تطرق لها خلال اللقاء، مؤكداً أن الجانبين لن يعلنا الأمور الاستراتيجية التي جرت مناقشتها.

وخلص إلى أنه بعيداً عن الاجتماع الرباعي فإن زيارة سوليفان تؤكد اعتراف واشنطن بقوة الرياض ومحاولتها التعامل معها من منطلقات جديدة تماماً تضع في الحسبان قوتها السياسية والاقتصادية وتضمن عدم تأثر النفوذ الأمريكي التقليدي.