علاقات » اميركي

كيف ستتعامل واشنطن مع انضمام دول خليجية لتحالف "بريكس"؟

في 2023/08/25

يوسف حمود - الخليج أونلاين- 

في ظل تنافس محموم بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، لجذب حلفاء وأصدقاء جدد، يبدو أن دولاً خليجية وعربية شرعت تمضي نحو التحالف المنافس لواشنطن، خصوصاً بعد أن وجدت نفسها وحيدة في مواجهة أزمات أمنية عاشتها خلال السنوات الماضية.

وبينما عقد رؤساء 5 دول، تشكل ما يعرف بمجموعة "بريكس"، قمتهم الخامسة عشرة بجنوب أفريقيا، ظهرت مؤشرات على قلق أمريكي من هرولة الدول النامية والناشئة، ومن ضمنها حلفاء لها كدول خليجية، للانضمام إلى التحالف الذي تعد الصين وروسيا قائديه الفعليين.

ودخول دول خليجية في هذا التحالف كالسعودية والإمارات يشير إلى تصاعد الاحتقان الخليجي من واشنطن، خصوصاً أن الولايات المتحدة لا تنظر بارتياح إلى أي تجمعات عالمية تسعى للحياد أو الاستقلال عن نفوذها في السياسة العالمية، مثل "حركة عدم الانحياز"، فكيف سيكون موقفها من هذه الخطوة؟

انضمام على الطاولة

خطت دول خليجية وعربية خطوات متفاوتة بشأن الانضمام إلى بريكس، التي تضم كلاً من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، والتي تسجل معدلات نمو عالية، خاصة في قطاعات الزراعة والتعدين وعلم الصواريخ.

وخلال القمة الـ15 للتحالف في جوهانسبرغ، أعلن رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، موافقة مجموعة "بريكس" على انضمام السعودية والإمارات ودول أخرى، وذلك في البيان الختامي للاجتماع في بلاده.

وأكد رامافوزا أنه تم الاتفاق على انضمام السعودية والإمارات ومصر لـ"بريكس"، في حين هنأ الرئيس الصيني شي جين بينغ، الأعضاء الجدد، مؤكداً أنهم "سيساعدون في عمل المجموعة لتعزيز السلام العالمي".

وفي أول تعليق له أعرب رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عن تقديره لموافقة قادة "بريكس" على ضم بلاده إلى هذه المجموعة المهمة، مؤكداً تطلعه إلى العمل معاً من أجل رخاء ومنفعة جميع دول وشعوب العالم.

فيما قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في تصريحات صحفية، إن "المملكة تتمتع بعلاقات استراتيجية مع دول بريكس، وتؤكد أهمية تفعيل العمل الجماعي متعدد الأطراف".

قلق أمريكي

انضمام السعودية والإمارات ودول أخرى إلى "بريكس" ليس لأن المجموعة ستُحوِّلها بين عيشةٍ وضحاها إلى فاعلين أقوياء، لكن ربما لأنها تنظر إليها باعتبارها محاولة جدية لملء فراغ في النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وتراقب واشنطن بوضوح عمل التحالف؛ حيث قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، بالتزامن مع انعقاد القمة الأخيرة: إن "الولايات المتحدة تستبعد تحول مجموعة دول بريكس إلى منافس جيوسياسي لها أو لأي بلد آخر"، مضيفاً: "هذه مجموعة متنوعة من الدول، لديها اختلاف في وجهات النظر بشأن القضايا الحاسمة".

كما سبق أن أعلن مسؤولو إدارة بايدن مراراً أنهم "لا يطلبون من دول الجنوب العالمي الاختيار بين الولايات المتحدة ومنافسيها، بل تعرض عليهم الاختيار".

يبيّن الخبير الأمني والسياسي، العميد مخلد حازم، أن تحالف "بريكس" يشكل 40٪ من سكان العالم، و31٪ من حجم الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى "استمرار نمو دول التحالف اقتصادياً".

ويرى أن التحالف يريد أن يكون قوة تضاهي الدول الصناعية السبع (فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا)، التي تسيطر على حوالي 60٪ من الصناعات العالمية بقيادة واشنطن، وهو- وفق ما يرى- سبب في "انزعاج أمريكا".

وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يؤكد أنه "بعد الحرب الروسية الأوكرانية بدأت هذه الدول بالبحث عن تشكيلات جديدة تحت ما يسمى (بريكس بلاس)، التي طالبت بها روسيا ودول أخرى، من أجل إيجاد نظام عالمي متعدد المنافذ يعوض عن نظام السويفت العالمي للمدفوعات المالية"، الذي حظرته واشنطن في روسيا.

ويضيف: "وبناء عليه هناك انفتاح كبير على بعض الدول، ورغبة من السعودية والإمارات والكويت والبحرين، ودول أخرى، في الدخول في هذا النظام العالمي"، مشيراً إلى أن ذلك أزعج الولايات المتحدة "على اعتبار أنها هي "المهيمنة على مجموعة الدول السبع والنظام الاقتصادي العالمي".

ويلفت إلى أن أضرار الحرب الأوكرانية الروسية "بدأت تدفع إلى إيجاد نظام عالمي جديد بعيداً عن واشنطن، وتبحث عن إيجاد عملة جديدة لهذه الدول بديلة عن عملة الدولار".

الخليج يتحوط

بعد أن وجدت دول الخليج نفسها أمام نظام يعجز حالياً عن تلبية احتياجاتها خصوصاً العسكرية والأمنية، بدأت تبحث عن تنويع تحالفاتها الدولية ضمن "سياسة تحوط"، استعداداً لنظام دولي متعدد الأقطاب، للحفاظ على مصالحها وتعزيز دورها دولياً.

يأتي ذلك في ظل تقلص الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط والتحول إلى ملفات داخلية، والصراع المحتدم بين روسيا وأوكرانيا منذ أكثر من عام، وتداعياته الدولية المختلفة،

وكان من أبرز معالم هذا التوجه الخليجي التوسع الكبير في الشراكة مع الصين وروسيا، والانضمام لمنظمات تحاول تقليص هيمنة الغرب عالمياً والقضاء على القطب الواحد، ومن أبرزها "شنغهاي" و"بريكس".

كما تأتي هذه التحركات الخليجية في الوقت الذي بدأت فيه الصين وروسيا بالتوسع بقوة في المنطقة العربية وخاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي على جميع الأصعدة، سواء اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً.

ودخلت الصين وروسيا إلى المنطقة من بوابة الاقتصاد في ظل الفرص الاستثمارية والتجارية الثمينة التي يمكن أن يستفيد منها الجانبان، قبل أن تتوسع إلى صفقات عسكرية مع بعض دول الخليج، وصولاً إلى تمتين العلاقات السياسية.

يقول الخبير الأمني والسياسي، العميد مخلد حازم، إن دول الخليج لجأت للبحث عن تحالفات أخرى كـ"بريكس"، بسبب أن واشنطن "ابتعدت عن الشرق الأوسط، خصوصاً منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وهي تبحث حالياً عن تحالفات جديدة لحفظ مصالحها، كروسيا في الجانب العسكري، والصين في الجانب الاقتصادي".

وأوضح "أن أمريكا خلال هذه الفترة تعمل على إعادة بناء نفوذها في الخليج والمنطقة"، مشيراً إلى "قيام واشنطن بإعادة تموضع قواتها في البحر الأحمر ومياه الخليج والبحر الأبيض المتوسط بشكل كبير، كقوات تكتيكية لحسم عمليات قتالية".

ويرى أن واشنطن أمام تحدٍّ واضح وصعب؛ "إما أن تثبت لنفسها ولحلفائها في دول الخليج أنها قادرة على حماية أمنها ومواجهة أي تهديد تقوم به أي دولة كإيران، وتكون قادرة على إثبات وجودها وبناء جسور الثقة مع حلفائها، وإما أن تخسرهم بعدم تعاطيها مع هذه المواقف".

ويرى أن دول الخليج أصبحت حالياً "تبحث عن مصالحها أمنياً واقتصادياً، وهذا ما انعكس أيضاً على وجود توسع عالمي جديد روسي صيني إيراني في تحالف ضمن الشرق الأوسط".

ويؤكد أن كل هذه المعطيات تعلم بها أمريكا، "ولديها استراتيجيات في كيفية التعامل مع هذه الأوضاع"، مشيراً إلى أن "الأيام القادمة ستشهد المزيد من التوضيحات، وسيعلم الجميع سبب عودة واشنطن للشرق الأوسط، أهو بسبب إعادة بناء الثقة وتقديم ضمانات لحلفائها بالخليج والمنطقة، أم أن هذا مجرد استعراض للقوة وإعادة ترتيب للموازين في المنطقة".

ويعتقد أنها إلى جانب ذلك "ستحاول جاهدة منع هذا التكتل الاقتصادي (بريكس) الذي قد يكون الأقوى في العالم خلال السنوات القادمة، لأن هناك نمواً اقتصادياً كبيراً يحصل لهذه الدول في ظل هذه الفوضى العالمية وضعف اقتصاد أوروبا وحضورها في المنطقة".

ويشير إلى أنه في "حال نجح تحالف (بريكس) فسوف تنضم دول كثيرة لهذا التكتل، وهذا سيضعف أمريكا وعملتها واقتصادها في العالم".