علاقات » اميركي

رحلة فوضوية لبلينكن بدون ثمار وسط صفارات الإنذار والانتظار الطويل للقاء بن سلمان

في 2023/10/17

نيويورك تايمز- 

وصفت صحيفة “نيويورك تايمز” جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط، التي توقف فيها عند عشر محطات خلال خمسة أيام، وتخللها هروب إلى الملجأ، بأنها “فوضوية” وأكدت على حجم وتعقيد الأزمة الدبلوماسية التي يواجهها.

وفي التقرير الذي أعده إدوارد وونغ ومايكل كرولي، قالا إن بلينكن ركض سريعا إلى الملجأ وسط  صفارات الإنذار في تل أبيب يوم الإثنين، في واحدة من اللحظات الدرامية في الجولة السريعة والفوضوية بشكل غير عادي لكبير الدبلوماسيين الأمريكيين.

وفي رحلة كانت مقررة ليومين امتدت الآن لستة أيام وعشر محطات توقف. فبعدما توقف في إسرائيل، كان بلينكن سيسافر إلى الأردن، إلا أن جلسة مطولة جعلته يؤخر الرحلة لعمّان ويمدد الجولة لمحطات لم يعلن عنها بعد.

وبالنسبة لمسؤول يتم التحضير لرحلاته بدقة، ومن النادر ما غيّر مسارها، فرحلة بلينكن المحمومة أكدت على حجم وتعقيد الأزمة التي يقف أمامها. فمرة أخرى يحاول بلينكن إظهار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر، ويحد من النقد العربي على الرد الإسرائيلي، ويتأكد من تحرير الأسرى الذين أخذتهم حماس، ويمنع انتشار النزاع لكي يضم إيران وحزب الله ويورط الولايات المتحدة فيه.

وفي حديثه مع الصحافيين بمطار القاهرة بعد يومين على أول توقف له في إسرائيل، قال إن الأمور باتت غامضة حتى له: “أعتقد أن.. لا أتذكر” عدد الدول التي زارها، قبل أن يقول إن العدد 7 دول منذ مغادرته واشنطن يوم الأربعاء الماضي: مصر، البحرين، قطر، الإمارات، وتوقف مرتين في إسرائيل ومصر والسعودية.

وتشبه رحلة بلينكن جولات جون كيري، وزير خارجية باراك أوباما، والذي عادة ما مدّد رحلاته، وحتى كان يغيّر طريقه في الجو، فيما عُرف بدبلوماسية مقعد الطائرة. لكن بلينكن يسافر ما بين الإثنين والجمعة ليعود ويقضي العطلة مع ولديه. ولكن الرحلة التي خططت لها وزارة الخارجية بالتشاور مع البيت الأبيض، وسّعت قائمة بلينكن لتضم دولا أخرى.

وقال آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق والزميل بوقفية كارنيغي للسلام العالمي، إن هنري كيسنجر لا يزال يحتفظ بالرقم الأول في الدبلوماسية المكوكية، حيث قام بـ33 رحلة لكي يتوصل إلى فك ارتباط سوري- إسرائيلي بعد حرب أكتوبر 1973. ولا يمكن مقارنة رحلة بلينكن السريعة بالمنطقة برحلة كيسنجر، ولكنها تعكس عدم اليقين والفوضى في الأزمة التي لم تعرف الإدارة بأنها قادمة والتعقيدات والتحديات لما هو آتٍ.

ومن هنا، فربما أراد وزير الخارجية الأمريكي إضافة حقيبة ملابس لأن رحلته قد تطول. ولن يكون من السهل على بلينكن تحقيق شيء مهم، فلم ينجح بعد في واحد من أهدافه، وهو إخراج المواطنين الأمريكيين في غزة عبر معبر رفع إلى مصر. ولا يزال المئات ممنوعين من الخروج، حتى يوم الإثنين.

وبعد وصول بلينكن إلى المنطقة يوم الخميس، قرر مساعدوه مسار رحلته، وهي زيارة أربع دول في يوم واحد: الأردن، قطر، البحرين والسعودية. وغيّروا طريقة النقل، فمن أجل الوصول إلى تل أبيب من عمّان، أخذوا طائرة عسكرية أمريكية من طراز “سي-17” والتي طارت فوق قبرص بعدما تم إرسال طائرة سلاح الجو “بوينغ 757” إلى تل ابيب لمنح الدبلوماسيين فرصة راحة أثناء لقاء المسؤولين الأمريكيين مع الإسرائيليين.

وفي الأردن، التقى بلينكن مع الملك عبد الله الثاني في قصره، ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في فيلا.

وفي قطر، عقد الوزير الأمريكي مؤتمرا صحافيا في بناية حكومية فارهة مع الأمير. وتحدث في البحرين مع ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة في قاعة كبار الزوار بمطار المنامة. ومن أجل أن يقلص وقت الرحلات، انطلق من الرياض يوم السبت إلى الإمارات، ثم عاد إلى السعودية قانية.

وحضّر بلينكن نفسه للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأُخبر الصحافيون الذين يرافقون بلينكن بالاستعداد للقاء في أي دقيقة ومغادرة الفندق في موكب وزير الخارجية للقاء الأمير، لكن الوقت طال من منتصف الليل إلى الساعة الثانية صباحا، ثم الرابعة صباحا، وأخيرا قرر الأمير لقاء بلينكن في الساعة السابعة والنصف صباح الأحد بمقر إقامته الخاص، ولم يسمح للصحافيين الذين انتظروا طوال الليل بالدخول.

وقال المسؤولون إنه من المعروف عن الأمير ترك زواره حتى المهمين منهم، في الانتظار، لكنها كانت تجربة مثيرة للإحباط ونادرة بالنسبة لبلينكن الذي لم ينم قط، والذي تعوّد على استيعاب المسؤولين الأجانب لجدول أعماله.

وفي مساء الأحد، التقى بلينكن مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكان من المفترض أن تكون المحطة الأخيرة قبل عودته إلى واشنطن. وقال السيسي: “أعرف أنها رحلتك الأخيرة في المنطقة”، لكنها لم تكن كذلك.

وبعد حديثه مع الرئيس بايدن، أضاف بلينكن رحلة أخرى إلى إسرائيل، وقضى الليل في الأردن قبل أن يطير إلى تل أبيب صباح الإثنين. وعند هذه النقطة، بدأ المسؤولون في البيت الأبيض يهمسون عن زيارة بايدن لإسرائيل. ولهذا تم إلغاء خطط العودة إلى واشنطن.

والخطة الجديدة هي العودة إلى الأردن بعد التفاوض مع الإسرائيليين بشأن المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، والانتظار هناك لحين تلقي تعليمات جديدة.

وفي القدس، ذهب بلينكن إلى مقر السفير الأمريكي في زيارة غير مرتبة من أجل استقراض خط  هاتفي آمن. وقبل ذلك، أعلن البيت الأبيض عن إلغاء زيارة بايدن لولاية كولورادو للقاء مجلس الأمن القومي. وربما كان هذا اللقاء هو الذي اتصل بلينكن من أجله.

وفي ليلة الإثنين، غادر موكب بلينكن القدس وسط صفارات الإنذار التي تحذر من وصول الصواريخ، وهرب الجميع إلى الملاجئ. وانطلقت الصفارات في تل أبيب أيضا، وطُلب من المسؤولين والصحافيين في الموكب أن يخرجوا من السيارات، وأن يتمددوا على الأرض في حالة انطلقت الصفارات بين المدينتين.

وبعد لقاء بلينكن مع نتنياهو وحكومة الحرب حوالي السابعة مساء في قاعدة كيريا العسكرية بتل أبيب، انطلقت صفارات الإنذار مرة أخرى.

وسارع الصحافيون والجنود الإسرائيليون الذين كانوا يقفون للاختباء تحت الدرج الداخلي. وكان بلينكن مع نتنياهو في مكتب رئيس الوزراء ببيت شيمون بيريز عندما انطلقت صفارة الإنذار وهرعا إلى الملجأ. ثم مشيا نحو مركز القيادة، وواصلا اللقاء بشأن المساعدات الإنسانية والذي تخلله انطلاق صفارات الإنذار للمرة الثالثة، حيث استمر اللقاء حتى صباح الثلاثاء وبدون نهاية في الأفق.