متابعات-
عندما اتّخذ قائد «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي قرار الانخراط في الحرب ضد العدو، كان هناك البعد العقائدي عند الرجل وما يمثّل. وكانت هناك الحسابات الواقعية أيضاً، وكذلك سلة الأهداف والخطوات التي يمكن اللجوء إليها بحسب الحاجة.
والذين فوجئوا بما قامت به «أنصار الله»، فذلك يعود إلى جهلهم التام بطريقة تفكير هذه الجماعة، وكيفية اتخاذ القرار. وقد يكون صعباً، على هؤلاء جميعاً، فهم أن السيد الحوثي، يمكن له اتخاذ قرار بهذا الحجم، انطلاقاً من قناعته الدينية القائلة، بأن «من لم يتحرك لنصرة غزة، سيحمل الإثم إلى يوم الدين».
لم يكن قرار صنعاء سرياً. وهو جزء من خطة محور المقاومة لجهة تقديم العون للمقاومة والناس في غزة. وكان هدفه حصيلة تشاور بين قيادة «أنصار الله» وأطراف المحور في لبنان وفلسطين. وعندما اتُّخذ القرار، أخرج اليمنيون من الأدراج، مجموعة من الأهداف الإسرائيلية، التي سبق لهم أن استعدّوا لضربها في سياق معركة «سيف القدس» في عام 2021، ولكنّ تطورات المعركة لم توجب المشاركة. علماً أن العدو اضطر لإعادة تشغيل قيادة منطقته الجنوبية بعد طول توقف. وعندما جرت الإشارة إلى إيلات، فالأمر كان ربطاً بالمديات التي تصل إليها صواريخ ومُسيّرات «أنصار الله». لكنّ الذي حصل هذه المرة، أنه تم تحديث الأهداف، لتشمل نقاطاً عسكرية ومنشآت حسّاسة إضافية لكيان الاحتلال في جنوب فلسطين المحتلة.
وبخلاف ما أشاعه كثيرون حول الجهد الاستخباراتي العربي والغربي، فإن صنعاء، التي تقود محادثات مباشرة مع السعوديين حول مشروع اتفاق لإنهاء الحرب، أبلغت الرياض، بقرارها، وقالت لها رسمياً، وبصورة مباشرة، إننا ابتداء من تاريخ كذا.. سوف نباشر عمليات قصف لجنوب فلسطين المحتلة، وأن صواريخ ومُسيّرات سوف تعبر الأجواء السعودية في طريقها إلى فلسطين، وأن صنعاء تريد التأكيد أن هذه المقذوفات لا تستهدف السعودية، وأنها تأمل أن لا يحصل أي اعتراض لها، حتى وصل الأمر بأحدهم إلى التعليق: لقد طلب الحوثيون من السعودية إذن مرور فقط!
الذي حصل في الضربة الأولى، أن السعودية أبلغت جميع المعنيين بما وصلها. لكنها بادرت إلى تفعيل الدفاع الجوي، وعمدت إلى إسقاط تسعة من صواريخ الكروز التي أطلقتها «أنصار الله»، بينما تكفّل المصريون بإسقاط عدد آخر، فيما تولّت البحرية العسكرية الأميركية إسقاط بقية المقذوفات، وفي ذلك اليوم، لم تسقط دفاعات العدو أياً من مُسيّرات أو صواريخ «أنصار الله».
في الوجبة الثانية، استخدمت «أنصار الله» آلية مختلفة في القصف، ما يجنّبها الدفاعات السعودية والمصرية، لكن الذي حصل، هو أن البحرية الأميركية عمدت إلى إسقاط الصواريخ المجنّحة والمُسيّرات، فيما استخدم العدو منظومة «حيتس» لأجل إسقاط الصواريخ الباليستية قبل اختراقها المجال الجوي لفلسطين.
طبعاً، حاولت «أنصار الله» اللجوء إلى أساليب مختلفة لأجل إيصال الصواريخ والمُسيّرات، ولكنّ كل المنظومات الغربية والعربية الموجودة على طول البحر الأحمر، وفي السعودية والعقبة ومصر، عملت بالتعاون مع العدو لمنع وصول هذه الصواريخ، برغم أن بعضها وصل إلى سماء جنوب فلسطين، وكانت واحدة من النتائج المتمثّلة في إثارة الذعر لدى الموجودين في المنطقة، ومن مقيمين أو نازحين فرّوا من غلاف غزة.
لكن، لم تكن هذه هي المساهمة الوحيدة المقرّرة من قبل «أنصار الله»، وتم الانتقال إلى الخطوة التالية التي توجّه ضربات مباشرة إلى السفن المحملة بالبضائع الإسرائيلية التي تعبر البحر الأحمر أو تمر قبالة سواحل اليمن في بحر العرب، وتم تجهيز الفرق البحرية التي تقوم بملاحقة السفن وكان ما كان، إلى أن بدأ العالم يهتم لما يجري. ومع ذلك، فإن صنعاء، وجدت أنه بات من الضروري القيام بخطوات إضافية، بسبب الجرائم المتعاظمة ضد غزة. وكان القرار بمنع مرور أي سفينة تحمل موادَّ تخص إسرائيل.
طبعاً، لم يبق أحد في العالم، إلا ونقل رسائل التهديد والوعيد إلى اليمن، وأن أميركا وأوروبا وإسرائيل سوف تضرب اليمن رداً على ما يقوم به. وفي كل مرة كانت رسائل التهديد تصل، كان اليمنيون يرفعون من درجة الضربات للعدو. إلى أن وصلنا إلى مرحلة التهديد، بشنّ حملة عسكرية ضد «أنصار الله» في حال لم تتوقف عن عملياتها في البحر. وهو جوهر ما يعمل عليه وزير الدفاع الأميركي في زيارته للمنطقة الآن.
أهم ما في الأمر، ليس في أن كل هذه التهديدات لن تغيّر من موقف اليمن، بل في كون الولايات المتحدة ومعها الإمارات العربية المتحدة والسعودية، لم تجد أي تجاوب يمني لأجل إعادة إشعال الحرب الداخلية. فقط، لأن بعض خصوم الحوثيين، لمسوا أن الناس سينتفضون ضدهم، ولا يقدرون على تبرير حرب تُفرض خدمة لإسرائيل التي تقتل الشعب الفلسطيني. وبعد كل المحاولات، لم يجد الأميركيون ومعهم الإمارات، سوى طارق صالح ومعه بعض ألوية العمالقة من سلفيّي السعودية، الذين يبدون استعداداً لإعادة إشعال جبهات الحرب مع «أنصار الله». لكنّ السعودية نفسها، تعرف أن ما حصل خلال عامَي الهدنة، لا يتيح لهؤلاء تحقيق أي شيء، ولا حتى إشغال «أنصار الله» عن استمرار عملياتها في البحر الأحمر. كما أوضح المعنيون في سلطنة عمان لسائليهم، أن توجيه الغرب ضربات عسكرية ضد منشآت في اليمن، سيشعل المنطقة كلها، وأن القدرات الصاروخية الموجودة في حوزة «أنصار الله»، تقدر على إصابة أهداف في البحر من مناطق بعيدة عن ساحل البحر الأحمر.
لكنّ السؤال المعضلة الذي لم يتمكّن الغربيون من الإجابة عنه تركّز على الآتي: في حال قام تحالف حربي بتوجيه ضربة إلى «أنصار الله»، فهل يرد هؤلاء، بزرع البحر الأحمر وبحر العرب بمئات من الألغام التي تم إظهارها في العرض العسكري المركزي لليمن قبل مدة؟
وبالتالي، كيف سيتم تجنّب احتمال تعطل كل أنواع الملاحة في هذه المنطقة؟ وكيف سيكون عليه الوضع بالنسبة إلى قوى موجودة في الساحل الشرقي للبحر الأحمر، وخصوصاً في الصومال، والتي تربطها علاقات خاصة بـ«أنصار الله»، ولديها حساب مفتوح مع جميع الدول الغربية في تلك المنطقة؟
ثمة ما يوجب على الجميع التصرف بطريقة مختلفة إزاء ما تفكر به «أنصار الله»، أو كيفية إقناعها بالعدول عما تقوم به، وإذا لم يتوقف العدوان على غزة، فإن العالم سيستهلك الكثير من الوقت والجهد، حتى يقدر على فكّ شيفرة «أنصار الله»!