عماد حرب/المركز العربي بواشنطن - ترجمة الخليج الجديد-
سلط مدير البحث والتحليل في المركز العربي بواشنطن، عماد حرب، الضوء على مسيرة تطبيع الدول العربية مع إسرائيل، مشيرا إلى أن المؤشرات تصب في اتجاه استمرار تلك المسيرة رغم استمرار حرب غزة.
وذكر حرب، في تحليل نشره بموقع المركز وترجمه "الخليج الجديد"، أن العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي دخل شهره الرابع، ألقى بظلال كارثية على حياة الفلسطينيين، إذ تستمر آلة القتل الإسرائيلية في حصد أرواحهم، حتى بلغ عدد الشهداء أكثر من 23 ألف شخص، فضلا عن إصابة أكثر من 59 ألف آخرين حتى الآن.
وأضاف أن قطاع غزة أصبح "غير صالح للسكن"، وفقاً للأمم المتحدة، وبات ما يقرب من مليوني شخص، أي الأغلبية الساحقة من سكان القطاع، مشردين بسبب القصف الإسرائيلي وتدمير حوالي 70% من المنازل وأكثر من نصف المباني المؤسسية في القطاع.
ومع ذلك، فإن الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020 من خلال اتفاقيات إبراهيم، وهي: الإمارات والبحرين والمغرب، تصر على الالتزام باتفاقيات التطبيع مع الدولة الصهيونية، باعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط.
وفي ظل المذبحة المستمرة بغزة والتهديدات العلنية من قبل السياسيين الإسرائيليين بمصادرة وتهجير سكان القطاع، لاتزال الدول المطبعة متمسكة بقراراتها على ما يبدو بغض النظر عما يحدث للفلسطينيين وحقهم في العيش بسلام ودولة مستقلة.
الإمارات: التطبيع الأكثر ثباتاً
وبناءً على وعد إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالسلام والرفاهية الاقتصادية على مستوى المنطقة، وقعت الإمارات والبحرين بشغف وحماس على اتفاقيات إبراهيم في سبتمبر/أيلول 2020 وأقامتا علاقات دبلوماسية مفتوحة مع إسرائيل، وحذت المغرب حذوهما في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته بعد أن اعترفت إدارة ترامب بسيادة المملكة على الصحراء الغربية.
وكانت الإمارات أكثر الدول تعميقا للتطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية بين الدولتين 6 مليارات دولار بين عامي 2020 و2023، فيما اعتبرت البحرين التطبيع تعزيزا لأمنها القومي ودفاعا ضد إيران، واستخدم المغرب اتفاق السلام لإقناع إسرائيل في عام 2023 بالاعتراف بسيادتها المتنازع عليها على الصحراء الغربية.
ويشير حرب إلى أن الدول الثلاث تجد نفسها اليوم بحاجة إلى "تبرير التزامها بالتطبيع مع إصدار العبارات المبتذلة اللازمة حول التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وحماية المدنيين، واحترام القانون الدولي"، حسب تعبيره.
ويواصل قادة الإمارات التعبير عن اعتقادهم بأن التطبيع مع إسرائيل كان القرار الصحيح، ففي يناير/كانون الثاني الجاري، أي بعد ما يقرب من 3 أشهر من بدء حرب غزة، صرح المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش بأنه بينما تعمل بلاده على تخفيف الأوضاع في غزة، "اتخذت الإمارات قرارًا استراتيجيًا" في إشارة إلى التطبيع مع إسرائيل.
وأضاف أن "مواجهة العالم العربي مع إسرائيل لم تنجح"، لكن "الحقيقة البديهية بشأن القرارات الاستراتيجية لا تنفي أن الإمارات اختارت تطبيع العلاقات بعد أن قررت أنها لم تعد ملزمة بالتضامن مع الفلسطينيين أو مساعدتهم في الحصول على حقوقهم"، بحسب حرب.
فقبل أسابيع من عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ألقى قرقاش نفسه باللوم على الفلسطينيين لفشلهم في فعل "أي شيء" للسلام، وذكر أن هذا الفشل ساعد في دفع الإمارات إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ومن خلال إلقاء اللوم على الفلسطينيين، تجاهل قرقاش حقيقة الضعف الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، واختلال توازن القوى بين الطرفين، وانحياز الولايات المتحدة لصالح إسرائيل، وتخلي العالم العربي على نطاق واسع عن الفلسطينيين.
وكانت الإمارات من بين الدول العربية القليلة التي أدانت على الفور هجوم حماس على إسرائيل، ووصفته في 8 أكتوبر/تشرين الأول بأنه "تصعيد خطير".
وبعد بضعة أيام، أثناء التصويت على مشروع قرار روسي أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كانت الممثلة الدائمة لدولة الإمارات، لانا نسيبة، مصممة على حث المجتمع الدولي على معالجة قضية الحقوق الفلسطينية، في حين استمرت في إدانة حماس.
وذكر نسيبة أن حماس "لا تمثل الشعب الفلسطيني أو شعب غزة"، وحذرت من احتمال نشوب صراع إقليمي أوسع.
وهنا يشير حرب إلى أن إدانة حماس هي محاولة إماراتية لنزع شرعيتها باعتبارها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، التي يكرهها قادة الإمارات، فبعد بداية الربيع العربي عام 2011 أصبحت أبوظبي قوة رائدة مضادة للثورات في العالم العربي، وعملت جاهدة على زعزعة استقرار وهزيمة الأحزاب الإسلامية التي تعتقد أبوظبي أنها استفادت من انهيار الأنظمة الاستبدادية، وبالتالي فإن معارضة حماس هي جزء من أجندة الإمارات العربية المتحدة لمحاربة القوى الإسلامية.
وإضافة لذلك، قد يكون لدى الإمارات "حصان السباق" في المناقشات التي تقودها إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حول "اليوم التالي" لحرب غزة، وهو محمد دحلان، الذي قاد قوة الأمن الوقائي التابعة للسلطة الفلسطينية بغزة في تسعينيات القرن الماضي ويعيش الآن في منفاه بالإمارات ويعمل مستشارًا للرئيس، محمد بن زايد، وربما يترشح لحكم القطاع بعد نهاية الحرب. وعليه فإن الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل يساعد الإمارات على التأثير في الشؤون الفلسطينية، بحسب حرب، الذي وصف موقف الإمارات من حرب غزة بأنه "يعكس انفصامًا يحرك مواقف العديد من الدول العربية التي ترفض الحملة الإسرائيلية الحالية ولكنها غير قادرة على تغيير مسار الأحداث".
البحرين: المشي على حبل مشدود
وتمثل مملكة البحرين مثالا آخر على هذا الانفصام، بحسب حرب، مشيرا إلى أن ولي عهد الجزيرة التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، سلمان بن حمد آل خليفة، وجه خطابه الرئيسي بحوار المنامة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لإدانة هجوم حماس على إسرائيل، ووصفه بأنه "همجي"، والدعوة إلى إطلاق سراح الأسرى.
لكن البحرين، بعكس الإمارات، تسير على حبل مشدود في محاولة لسد الفجوة بين شعبها المؤيد للفلسطينيين وعلاقات حكومتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، بحسب حرب، مشيرا إلى أن استيعاب جمهور المملكة، وأغلبهم من المسلمين الشيعة، يمنح النظام الملكي السني الاستقرار الداخلي وقد يساعد في تقليل النفوذ الإيراني داخل المملكة.
وتمثل استضافة الأسطول الأمريكي الخامس للبحرين التأمين ودرجة معينة من المرونة في كيفية استجابتها للقضايا الإقليمية، ولذا في الدولة العربية الوحيدة التي انضمت رسميا إلى "عملية حارس الازدهار" التي تقودها الولايات المتحدة لحماية سفن الشحن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر ضد الهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن.
وفي هذه اللحظة من التوتر الإقليمي المتصاعد، تشير مشاركة البحرين في العملية البحرية إلى استعدادها للميل أكثر في اتجاه ما تعتقد أنه مصالح شركائها الأمنيين، بدلاً من الرأي العام المحلي.
المغرب: تخفيف الضغط الشعبي
ومن بين الدول الثلاثة التي قامت بالتطبيع في عام 2020، سمح المغرب، ببيئته السياسية المنفتحة نسبيًا، لمواطنيه بمزيد من الحرية للاحتجاج على الحرب الإسرائيلية، إذ أعرب عشرات الآلاف من المتظاهرين في المدن المغربية عن معارضتهم للحرب، ودعوا الحكومة إلى إنهاء التطبيع مع إسرائيل، ومع ذلك، اعتقلت الحكومة بعض المتظاهرين في الدار البيضاء ومكناس.
وجمعت الاحتجاجات بين فصائل سياسية مختلفة، بما في ذلك الليبراليون والإسلاميون، في عرض موحد للقوة ضد التطبيع ولصالح وقف إطلاق النار. وهنا يلفت حرب إلى "الندم"، الذي عبر عنه متأخرًا رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، سعد الدين العثماني، بشأن توقيع اتفاق التطبيع في ديسمبر/كانون الأول 2020.
ففي مقابلة أجريت معه، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ذكر العثماني أنه تعرض لضغوط من "السلطات العليا"، وأنه بصفته رئيسا للوزراء، لم يكن أمامه خيار سوى التوقيع على الوثيقة.
وشهد المغرب ارتفاعا كبيرا في الرأي العام المعارض للاعتراف بإسرائيل، من 67% عام 2022 إلى 78% مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، بحسب استطلاع حديث أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومقره الدوحة.
وارتفعت نسبة المغاربة الذين يقولون إن القضية الفلسطينية هي قضية عربية وليست قضية فلسطينية خالصة، من 59% في 2022 إلى 95% اليوم. ومع ذلك، لا يرجح حرب أن تستجيب الحكومة المغربية للمطالب الشعبية بتعليق التطبيع مع إسرائيل.
فمثل هذه الخطوة لن تؤدي فقط إلى إلغاء تل أبيب اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، بل سيكون لها أيضًا تأثير سلبي على علاقة الرباط بواشنطن، التي كان لها دور فعال في ترتيب صفقة التطبيع بالمقام الأول.
التطبيع سيبقى في غزة
وكما أن معاهدات السلام التي وقعتها مصر والأردن مع إسرائيل في عامي 1979 و1994 على التوالي، نجت من العديد من الأزمات والصراعات الصعبة، فمن المرجح أن تصمد اتفاقيات إبراهيم لعام 2020 في وجه خرب غزة، بحسب حرب، الذي يتوقع أن تستمر الإمارات والبحرين والمغرب في الدفاع عن علاقاتها مع إسرائيل باعتبارها "قرارات سيادية لا يجوز إلغاؤها أو تعليقها أو تجاهلها".
وفي الوقت نفسه، ستواصل الدول الثلاث إعلان دعمها للدولة الفلسطينية ومعارضتها لسلوك إسرائيل في الحرب على غزة، وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين في القطاع، والمشاركة في المحافل الدولية الداعية إلى وقف إطلاق النار.
ويؤيد هذا الترجيح إعلان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بعد رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط، أن التطبيع هو رغبة مشتركة بين الدول التي زارها، مع اشتراط أن يكون للفلسطينيين أفق سياسي لدولة مستقلة.
وتشمل العوامل التي تشكل موقف هذه الأنظمة بشأن الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل على الرغم من جرائمها في غزة: المصالح السياسية والاقتصادية، والخوف من التهديدات الأمنية، والعلاقات الصارمة مع الولايات المتحدة، وفي الظروف الحالية فإن القضية الفلسطينية تشكل "عبئاً يصعب تحمله" بحسب توصيف حرب.