كمال صالح - الخليج أونلاين-
سببت العمليات العسكرية التي ينفذها الحوثيون في البحر الأحمر وخليج عدن منذ أواخر أكتوبر الماضي أزمة في الملاحة الدولية انعكست على التجارة العالمية.
فحتى اللحظة فشلت واشنطن وحلفاؤها في إيقاف حدّة تلك الهجمات التي تصاعدت خلال الآونة الأخيرة، وتسببت في إغراق سفن وإصابة أخرى، ما دفع الولايات المتحدة للبحث في الخيارات الدبلوماسية أيضاً، وهذا ما حدث في يناير الماضي.
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، كشفت عن مفاوضات سرية بين مسؤولين أمريكيين وآخرين من إيران، في مسقط، لإنهاء هجمات البحر الأحمر، فماذا حققت تلك المحادثات؟ وهل تنجح فعلاً في الضغط على الحوثيين في اليمن؟
محادثات غير مباشرة
وفقاً للصحيفة البريطانية فإن المحادثات التي أجريت في يناير الماضي، كانت هي الأولى بين مسؤولين من الولايات المتحدة وآخرين من إيران، وأنها ركزت على سبل تخفيف التصعيد وإنهاء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن.
الصحيفة نقلت عن مسؤولين أمريكيين وآخرين من إيران قولهم إن مسؤولين عُمانيين قاموا برحلات مكوكية بين المفاوضين الأمريكيين ونظرائهم الإيرانيين، خلال محادثات يناير، لإقناع طهران باستخدام نفوذها لوقف هجمات الحوثيين.
ومثّل الولايات المتحدة في تلك المحادثات غير المباشرة والسرية، مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، ومبعوثه الخاص إلى إيران أبرام بالي، في حين مثل الجانب الإيراني نائب وزير الخارجية علي باقري كاني، وهو أيضاً كبير المفاوضين النوويين في طهران.
ولم تكشف الصحيفة ما إذا كانت المحادثات وصلت إلى نتيجة محددة، لكنها شهدت أرفع مستوى دبلوماسي يمثل واشنطن للتعامل مع أزمة البحر الأحمر وخليج عدن.
وبالرغم من تحديد فبراير الماضي لعقد جولة جديدة من المباحثات بين إيران والولايات المتحدة، فإن ذلك لم يحدث، بسبب انشغال ماكغورك، وانخراطه في جهود الوساطة بين حركة "حماس" و"إسرائيل" للتوصل إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى في غزة، وفق "فايننشال تايمز" البريطانية.
ويعترف المسؤولون الأمريكيون بأن "العمل العسكري وحده لن يكون كافياً لردع الحوثيين، ويعتقدون أن طهران ستحتاج في نهاية المطاف إلى الضغط على الجماعة للحد من أنشطتها"، وفق "فايننشال تايمز".
فشل الحل العسكري
في أكثر من مناسبة اعترفت الولايات المتحدة، بفشل الخيار العسكري في وقف تصعيد الحوثيين، ومنذ أواخر أكتوبر الماضي نفذت الجماعة أكثر من 60 هجوماً بحرياً، بعضها استهدف بشكل مباشر بوارج وحاملات طائرات أمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن.
وينفذ الجيش الأمريكي والبريطاني عمليات عسكرية ضد أهداف محدودة للحوثيين منذ الـ11 من يناير الماضي، لكن تلك الضربات غير واضحة التأثير والنتيجة، إذ صعّد الحوثيون من هجماتهم، بالرغم من دخول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى على خط التصعيد ضدهم في البحرين الأحمر والعربي.
كما لم تنجح الإجراءات الأخرى التي اتخذتها واشنطن للحد من تلك الضربات، بما في ذلك إعادة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، والذي دخل حيز التنفيذ في 17 فبراير الماضي، وهو الإجراء الذي يرى البعض أن انعكاساته السلبية ستكون أكبر من إيجابياته.
الوساطة العُمانية
وليست هذه هي المرة الأولى التي تحتضن سلطنة عُمان مفاوضات بخصوص التصعيد البحري، ففي 16 ديسمبر الماضي، أجرى وفد الحوثيين نقاشات مع أطراف دولية بشأن عمليات البحر الأحمر وخليج عدن.
وفي فبراير الماضي جرت في مسقط مباحثات عُمانية بريطانية حول الوضع في غزة، وكذلك التصعيد في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تسعى لندن للحصول على عون مسقط في التوسط لوقف هجمات الحوثيين.
وشهدت مسقط خلال الأشهر القليلة الماضية نشاطاً مكثفاً للدبلوماسية الغربية لبحث التصعيد في غزة والبحرين الأحمر والعربي، في الوقت الذي تميل الدبلوماسية العُمانية إلى الربط بين التوترات الإقليمية كافة وبين التصعيد الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة.
ولسلطنة عُمان الكثير من التجارب الناجحة في التوسط لتخفيف حدة التوترات الإقليمية، وسبق لها أن حققت اختراقات مهمة في الملف اليمني، وملف العلاقات الأمريكية الإيرانية، وغيرها من الملفات الساخنة إقليمياً.
انعكاس سلبي
ومما لا شك فيه أن تفاقم الأوضاع في البحر الأحمر وخليج عدن، وخصوصاً باب المندب، سينعكس سلباً على المنطقة عامةً وسلطنة عُمان خاصة، وهذا ما يجعل مسقط مهتمة بإنهاء أي تصعيد يمكن أن يؤثر على المنطقة.
ويرى رئيس جمعية الصحفيين العمانية محمد العريمي، أن سلطنة عُمان كان بابها مفتوحاً، ولا يزال وسيظل، لكل ما فيه خير المنطقة، مشيراً إلى أن مساعيها كانت دائماً تهدف إلى إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأشار العريمي، في تصريحات لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن لدى مسقط إيماناً بأن "تأزم المنطقة والمضايق؛ سواء باب المندب في البحر الأحمر أو مضيق هرمز، سينعكس سلباً على السلطنة وعلى دول المنطقة".
وأضاف أنه "متى ما كان هناك أمن واستقرار وانسياب للسفن، خاصة التجارية، فستكون انعكاساتها الاقتصادية والسياسية والأمنية إيجابية على عمان وعلى كل الدول".
وبيّن أن السلطنة سبق أن توسطت في العديد من الملفات، منذ عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، لافتاً إلى أنها "تتطلع لإيجاد حلول لهذه التوترات، خاصةً أنها دولة موثوق بها وبمساعيها وبمحافظتها على سرية المباحثات ومجرياتها".
ويرى العريمي أن "الوضع ليس بالسهل حالياً، ولا تستطيع دولة أو دولتان أن تفرضا الحل، ولا سيما أن الصلف والتعنت الإسرائيلي ربما يكون السبب الأوحد فيما وصلت إليه الأمور من تصعيد"، لافتاً إلى أن "مفاتيح التهدئة مبنية في الأساس الأول على ما تقوم به الآلة العسكرية من إبادة جماعية في غزة".
ومن وجهة نظر العريمي، فإنه عند الحديث عن التصعيد في البحر الأحمر، لا يجب تجاهل جماعة الحوثيين كطرف رئيس في القضية، مشيراً إلى أن الوضع لا يعني فقط الولايات المتحدة وإيران.
وأشار إلى أن إيران تستطيع أن تؤثر في جماعة الحوثيين، وفي قراراتها الداخلية والخارجية، مؤكداً أن طهران لن تتخلى عن أيٍّ من أذرعها، التي عملت على إيجادها طيلة السنوات الثلاثين الماضية وأنفقت عليها المليارات.
واختتم العريمي حديثه بالقول: "مسقط تحاول حقيقة جاهدة أن يكون لها دور في الحيلولة دون تفاقم الوضع، ولكن ليس لديها العصا السحرية، هي تعمل من منطلق الثقة التي أوجدتها لنفسها خلال الخمسين سنة الماضية، ومسعاها الطوباوي لحلحلة الأمور وتهدئة الأوضاع، ولكن أؤكد أن مسقط ليس لديها العصا السحرية لإنهاء أي توتر أو نزاع، خاصة أنها ليست طرفاً في هذه النزاعات".