(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
ممّا لا شكّ فيه أن الصمت العربي عمومًا عن المجازر الصهيونية، والذي أصبح بمثابة مشاركة للعدوان هو نقطة سوداء في التاريخ العربي. وهذا الصمت يتعلّق بعدم استخدام أي ورقة من أوراق الضغط ولا اتخاذ أي موقف حاسم وفاعل، سوى التصريحات الجوفاء التي تطالب أمريكا والمجتمع الدولي المنافق والعاجز بالحلّ، مع أن الأنظمة العربية، وخاصة الخليجية، تمتلك مفاتيح حلول كبرى إذا ما استخدمت ما لديها من أدوات للضغط.
مؤخرًا، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مدينة جدة، وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والذي يقوم بجولة إقليمية سادسة شملت السعودية ومصر و"إسرائيل". وممّا لا شك فيه أن الحرص الامريكي على افتتاح الجولة بالسعودية، هو دليل على أهمية السعودية في الاستراتيجية الأمريكية وهو دليل على تقصير المملكة في التزاماتها العربية والاسلامية، لأنه كلّما زادت الأهمية عند أميركا زاد اللوم والاتهام بالتقصير.
ووفقا لوكالة الأنباء السعودية (واس)، جرى خلال اللقاء: "استعراض العلاقات الثنائية ومجالات التعاون المشترك، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها التطورات في قطاع غزة ومحيطها، والجهود المبذولة لوقف العمليات العسكرية والتعامل مع تداعياتها الأمنية والإنسانية".
وبصرف النظر عما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، في بيان، من أن الوزيرين: "بحثا الحاجة الملحة لحماية جميع المدنيين في غزة وزيادة المساعدة الإنسانية على الفور للمحتاجين"؛ ما يهمّنا هو ما قالته السعودية. فمن جانبها، قالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان، إن اللقاء شهد: "استعراض سبل تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك في مختلف المجالات، وبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومدينة رفح، وأهمية الوقف الفوري لإطلاق النار، بالإضافة إلى مناقشة بذل الجهود كافة لضمان إدخال المساعدات الإنسانية الملحة".
في هذا السياق، لا بدّ من إبداء هذه الملاحظات:
1- لم تربط السعودية تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك مع أمريكا في المجالات كافّة المتعلقة بالموقف الأمريكي الذي يقود العدوان على غزة، ويوفّر الغطاء السياسي للكيان الإسرائيلي، ولا بالمواقف في مجلس الأمن الذي شهد أكثر من فيتو أمريكي لوقف إطلاق النار، ولا بالجسر العسكري الأمريكي الذي يمدّ "إسرائيل" بالاسلحة التي تفتك بأهالي غزة.
2- تتحدث السعودية عن "أهمية" الوقف الفوري لإطلاق النار، وهي صيغة تستخدمها أمريكا لتمييع القضية، وليس فيها أي نوع من الإلزام، ولا يترتب عليها مواقف حاسمة. وهو أمر يشعر بسببه الفلسطينيون بالخذلان العربي، وخاصة من الدول العربية الكبيرة التي تمتلك أوراقًا للضغط وعلى رأسها السعودية.
3- الحديث عن جهود لضمان إدخال المساعدات لغزة هو نوع من إبراء الذمم، إذ طالما لم يتضمن موقفًا حاسما للرد على عدم إدخالها، وطالما لم يتضمن إجراءات مقابلة عقابية لــــــ"إسرائيل"، وخاصة بعد ما يرشح من تقارير تفيد بمشاركة السعودية في الجسر البري الذي يعوّض الحصار البحري الذي فرضه اليمن على "إسرائيل".
لم يصدر نفي سعودي لمواجهة ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية، مثل صحيفة يديعوت أحرونوت، والتي أبرزت عنوانًا جاء فيه "السعوديّة والأردن تساعدان إسرائيل في التحايل على تهديدات اليمن". واستعرضت الصحيفة بالتفاصيل قيامَ شركات إسرائيلية بتفريغ البضائع في موانئ البحرين ودبي وتحميلها إلى شاحنات سعوديّة وأردنية تشق طريقها برًا إلى "إسرائيل" عبر معبر الملك الحسين الحدودي. ولفتت الصحيفة إلى أن: "الشركات الإسرائيلية تلقت المساعدة من دول الخليج، بعد أن وجدت حلاً لفك الحصار في توريد البضائع، بالتنسيق مع المبعوث الإسرائيلي إلى البحرين إيتان نافيه".
كما لم تردّ السعودية على تصريحات لوزيرة المواصلات الصهيونية "ميري ريغف" التي أثنت فيها على الدور السعوديّ المساند لـ"إسرائيل"، وكذلك ما قالته الرئيسة التنفيذية للشركة Mentfield Logistics الإسرائيلية حنان فريدمان: "لقد وجدنا أن الحل الأقصر والأقل تكلفة لنقل البضائع إلى إسرائيل؛ هو عبر السعوديّة ومن هناك برًا إلى الأردن، ثم إلى إسرائيل".
لذلك؛ نجد أن السعودية تساعد أمريكا في تجميل صورتها، وتسهم في الترويج لفكرة أن أمريكا تسعى للسلام وتتمايز مع "إسرائيل" وتختلف معها.
وبالعودة إلى التقارير الأمريكية الخاصة بزيارة بلينكن الأخيرة، فهي تفيد بأنّ المسؤولين الأمريكيين يعملون على إرساء الأساس لمثل هذا "السلام المستدام" منذ أشهر، مع فكرة أن هذا يسهّل التوصل إلى اتفاق تطبيعي بين السعودية و"إسرائيل". وهنا نلتفت للنقطة التي أثارها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، والذي قال إن: "بلينكن شدد على أهمية استمرار التنسيق الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين بشأن حلّ الصراع في غزة والتحضير لمرحلة ما بعد الصراع، وكذلك شدد على التزام الولايات المتحدة بتحقيق السلام المستدام من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لإسرائيل".
هذا يعني أن مشروع التطبيع قائم وينتظر "هزيمة المقاومة" والخلاص من حركات المقاومة وتحقيق أمن "إسرائيل" لاستئناف التطبيع بوعود بأجل غير مسمّى لدولة فلسطينية وإعادة إعمار تتظاهر الدول العربية بالمشاركة فيها لتسويغ تطبيعها المزمع مع العدو.