يوسف حمود - الخليج أونلاين-
بعد مدة وجيزة من توليه منصبه في 2021، تبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفاً مناهضاً للسعودية بسبب دعمها للحكومة اليمنية التي تقاتل المتمردين الحوثيين الموالين لإيران، كان من بينها وقف تصدير وبيع الأسلحة للرياض.
وأغضبت القيود التي فرضها البيت الأبيض المملكة، خصوصاً أنها تعد أكبر عملاء الأسلحة الأمريكية، بعدما تم تجميد أنواع من مبيعات الأسلحة وفرته الإدارات السابقة في واشنطن على مدى عقود.
وقبيل رحيل بايدن من السلطة، يبدو أن إدارته تراجعت عن قراراتها السابقة بإعلان إلغاء القيود على بعض مبيعات الأسلحة الهجومية للسعودية، ما يطرح تساؤلات حول ماذا يعني رفع الحظر عنها، وكيف ستساهم في تقوية قدرات المملكة؟
رفع الحظر
في تعليق المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل (12 أغسطس)، أوضح أنه منذ تجميد بيع الأسلحة، وفي ظل ثبات الهدنة في اليمن، فإن السعودية "أوفت بجانبها من الاتفاق"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة على استعداد للإيفاء بجانبها منه.
فيما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، عن تفاصيل إعلان الإدارة الأمريكية، ناقلة عن مسؤولين في البلدين قولهم، إن قيمة ذخائر سوف ترسلها إدارة بايدن إلى السعودية تبلغ نحو 770 مليون دولار.
وأوضحت الصحيفة أن الشحنات تشمل 3000 قنبلة صغيرة القطر من طراز GBU-39s بقيمة 290 مليون دولار، وستزود هذه القنابل السعودية بذخيرة تزن 250 رطلاً يمكن إطلاقها من مسافة بعيدة لتنفيذ هجمات دقيقة، حتى في المناطق الحضرية.
وإلى جانب ذلك، سترسل واشنطن أيضاً 7500 قنبلة من طراز بيفواي "Paveway IV" بقيمة 468 مليون دولار، وهي ذخيرة تستخدم أشعة الليزر أو الأقمار الصناعية لتحديد أهدافها.
مراجعة ومصالح
منتصف يونيو الماضي، كانت لجنة بمجلس الشيوخ الأمريكي قد بدأت مراجعة صفقات الأسلحة المعلقة بين الولايات المتحدة والسعودية، بعدما أوصى السيناتور الديمقراطي، بين كاردين، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، موظفيه بمراجعة كافة التعليقات على مبيعات الأسلحة للمملكة، في إشارة إلى التقارب في العلاقات.
ولعل أحد أبرز الأسباب التي تجعل واشنطن تعزز علاقاتها مع الرياض وتعيد تزويدها بالسلاح كان تحسن علاقة المملكة مع الحوثيين وإيران.
وسبق أن قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن رفع الحظر عن بيع الأسلحة الأمريكية للسعودية "إن صح فعلياً" فهو يتزامن مع هجمات جماعة الحوثي ضد سفن في البحر الأحمر.
وكانت السعودية، قبل 2021، أكبر سوق للسلاح الأمريكي، حيث تنال خُمس مبيعات الولايات المتحدة من الأسلحة، كما أنها ثاني أكبر مستورد في العالم بين عامي 2019-2023، بحصة 8.4% من جميع الواردات العالمية، بحسب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وقدمت الولايات المتحدة 75% من واردات الأسلحة السعودية، بين 2019-2023، تضمنت تسليم 67 طائرة مقاتلة ومئات من صواريخ الهجوم الأرضي.
قديمة واستراتيجية
يؤكد الخبير والمحلل الأمني والسياسي العميد مخلد حازم، أن العلاقات بين أمريكا والسعودية "قديمة واستراتيجية رغم الخلافات التي حدثت بداية حكم بايدن، من خلال سحب بطاريات الباتريوت وغيرها، ووقف تصدير الأسلحة أيضاً".
ويشير إلى أنه على الرغم مما حدث "تبقى علاقات البلدين مستدامة رسخها (الرئيس السابق دونالد) ترامب في عقود طويلة الأمد بموضوع التسليح"، مؤكداً أن السعودية بالنسبة لأمريكا "دولة مهمة في الشرق الأوسط، وخصوصاً في الخليج العربي، ولا يمكن الاستغناء عنها من قبل واشنطن".
كما يرى في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن السعودية في الوقت الحالي "من الممكن أن تكون حلقة مهمة في التوازنات"، لافتاً إلى أن عملية تسليح المملكة بأسلحة جديدة ومتطورة "خطوة مهمة تدعم العلاقات السعودية الأمريكية في جميع مجالاتها".
ويضيف: "أمريكا لا تريد أن تخسر السعودية وتسمح لها بالذهاب باتجاه آخر كالقطب الروسي والصيني، بالرغم من أن هنالك علاقات متوازنة للسعودية مع هذين البلدين".
وأكمل قائلاً: "أمريكا ترى أن هذه الدول المهمة كالسعودية هي بعدها الاستراتيجي وتعتبرها جزءاً من أمنها القومي ولا يمكن المساس بها".
وعن عمق العلاقات بين البلدين يقول العميد مخلد: "أتوقع أن هذه العلاقات وإن كانت موجودة، ولكن مع هذه العقود واستمراريتها وفتح بايدن صفحة جديدة مع السعودية على الرغم من قرب انتهاء ولايته، سيدعم هذه العلاقات بشكل أكبر؛ لأن السعودية تحتاج إلى أن تكون علاقتها وطيدة مع واشنطن".
وأوضح أن السعودية تحاول أن تذهب باتجاه استثمارات ومجالات مختلفة مع أمريكا وأيضاً مع الصين وروسيا، مشيراً إلى أن "أمريكا تخشى القطب الآخر الذي يملك خططاً بالتوغل واختراق الشرق الأوسط في مجالات متعددة كالاستثمارات والسلاح".
وأضاف: "أمريكا تسبق الأحداث بخطوة كالإعلان الأخير، حيث سبقت خطط الصين وروسيا بخطوة استباقية لقطع الطريق أمام أن يكون لهم موطئ قدم ثابت ومستدام في هذه المنطقة".
اتفاق مرتقب
وخلال العامين الأخيرين، تحسنت العلاقات بشكل كبير، وخاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وحاجة واشنطن إلى الرياض في مجال الطاقة والتعاون في قضايا الشرق الأوسط العالقة، كما هو الحال في فلسطين.
وسبق أن نقلت صحيفة "فايننشال تايمز"، عن مسؤولين أمريكيين كبار في مايو الماضي، أن واشنطن والرياض على وشك الانتهاء من إبرام اتفاقيات دفاع وتعاون في البرنامج النووي المدني السعودي.
وستكون الاتفاقيات جزءاً من اتفاق أوسع بوساطة أمريكية من شأنه أن يؤدي إلى تطبيع المملكة علاقاتها مع "إسرائيل"، لكنها تعتمد على موافقة الأخيرة على اتخاذ خطوات نحو إقامة دولة فلسطينية، وهو الشرط الذي تطرحه الرياض من أجل ذلك.
ويبدو أن هذا التقارب يركز على أهداف الإدارة الأمريكية الكبرى في الشرق الأوسط، ومن ضمنها إقامة علاقات دفاعية أوثق مع دول الخليج لمنع التوسع الإيراني في المنطقة، ووقف النفوذ الروسي والصيني.