علاقات » اميركي

كيف استخدمت الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة لتغيير سلوك السعودية

في 2024/09/12

إليزابيث دينت - معهد واشنطن- 

ثبت تاريخياً أن حظر الأسلحة أداة غير مستقرة، فلماذا نجح في حالة الرياض؟

في غضون أيام من تولي إدارة بايدن السلطة في عام 2021، أعلنت هذه الإدارة أنها ستنهي "كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن"، وخاصة وقف بيع الأسلحة الهجومية إلى المملكة العربية السعودية. وجاء هذا الحظر بعد اتخاذ خطوات مماثلة من قِبل دول أوروبية أخرى، ولكن من الجدير بالذكر أن ذلك لم يشمل حظر بيع الأسلحة الدفاعية مثل أنظمة الدفاع الجوي. وبعد ثلاث سنوات، ومع استعداد إدارة بايدن لرفع الحظر المفروض على الأسلحة الهجومية، يقول المسؤولون حالياً، مبررين، بأن "السعوديين أوفوا بالتزاماتهم من الاتفاق ونحن مستعدون للوفاء بالتزاماتنا."

وتُعد مبيعات الأسلحة أداة غير مستقرة في السياسة الخارجية الأمريكية، وغالباً ما تكون نتائجها مختلطة بالنسبة لواشنطن. على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات التاريخية لمبيعات الأسلحة والحرب الباردة أن الجهود الرامية إلى استخدام عمليات نقل الأسلحة للتأثير على دول أخرى "نجحت في أقل من نصف الوقت بقليل". وسبق للولايات المتحدة أن حاولت استخدام هذه الاستراتيجية مع السعودية: ففي عام 2016، علّقت إدارة أوباما نقل الذخائر العنقودية، ثم الذخائر الموجهة بدقة، ولكن إدارة ترامب أعادت المبيعات بعد فترة وجيزة من توليها السلطة. ومن الجدير التفكير، إذاً، سبب شعور الولايات المتحدة بأن حظرها بيع الأسلحة الهجومية إلى السعودية قد نجح الآن، وخاصة خلال فترة مضطربة في المنطقة حيث تواجه الحكومات العربية ضغوطاً سياسية متزايدة لتكون على الجانب المعارض للولايات المتحدة - وبالتالي ربما إسرائيل - وما الذي يعنيه ذلك لمستقبل صادرات الأسلحة الأمريكية.

لماذا نجح الأمر - هذه المرة

من المرجح أن يعكس قرار الولايات المتحدة برفع الحظر، التقدم السعودي في بعض القضايا الرئيسية. أولاً، جددت الرياض تعهدها بالالتزام بـ "قانون النزاعات المسلحة"، ووضع التدابير اللازمة لمنع الأضرار المدنية في النزاعات المستقبلية. ثانياً، خفضت بشكل كبير دورها في الحرب في اليمن مع تركيزها الشديد على عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة. وثالثاً، تعهدت بالعمل مع الولايات المتحدة على تحسين التدريب والتوعية للقوات المسلحة السعودية حول "قانون النزاعات المسلحة" وتجنب الإصابات بين المدنيين وحقوق الإنسان.

وفيما يتعلق بالقضية الأولى، على الرغم من عدم الإفصاح عن أي شيء علناً، فمن الواضح أن السعوديين قدموا تطمينات كافية لمسؤولي إدارة بايدن لتبرير عكس هذه السياسة. وأوقفت السعودية بشكل شبه كامل حملتها الجوية في اليمن منذ وقف إطلاق النار في نيسان/أبريل 2022، مما قلل بشكل كبير من الإصابات المدنية مع تحوّل تركيزها إلى تحقيق اتفاق دبلوماسي لإنهاء الحرب. ووفقاً لأرقام مستمدة من مركز "بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح"، كانت هناك حوالي 41 حالة وفاة بين المدنيين بسبب القوات الأجنبية خارج اليمن بين تموز/يوليو 2022 وتموز/يوليو 2024، وهو انخفاض عن 100 حالة وفاة في الفترة الزمنية المماثلة من 2020-2022. وبالنظر إلى الإحاطات التي قدمتها إدارة بايدن للكونغرس الأمريكي بشأن هذه القضية - والافتقار اللاحق إلى أي رد فعل علني من الكونغرس على رفع الحظر - فمن المرجح أن التبرير الذي قدمه مسؤولو (إدارة) بايدن كان كافياً لتهدئة المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.

وفيما يتعلق بالقضية الثانية، فقد التزمت السعودية بوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في آذار/مارس 2022، من خلال عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، على الرغم من انتهاء الصلاحية رسمياً في تشرين الأول/أكتوبر 2022. وعلى الرغم من وقوع مناوشات طفيفة، يبدو أن كلا الجانبين امتنعا عن اتخاذ إجراءات تصعيدية، حيث أفاد المسؤولون السعوديون والأمريكيون بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لا يرغب في إطالة أمد الصراع مع الحوثيين. حتى إن السعوديين رفضوا المشاركة، على الأقل علناً، في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة للحد من استفزازات الحوثيين في البحر الأحمر بهدف إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة. وفي مقابلة أجريت في كانون الأول/ديسمبر، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إنه على الرغم من التوتر في البحر الأحمر مع الحوثيين، فإن المملكة "ملتزمة بإنهاء الحرب في اليمن...وملتزمة بوقف إطلاق النار الدائم الذي يفتح الباب أمام عملية سياسية."

والنقطة الثالثة تتماشى مع تركيز إدارة بايدن على الالتزام بمعايير الحد من الأضرار المدنية للجيش الأمريكي، فضلاً عن شركائه وحلفائه. ففي آب/أغسطس 2022، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية "خطة العمل الخاصة بالتخفيف من الأضرار المدنية والاستجابة لها"، والتي حددت المسار أمام الجيش الأمريكي لتحسين حماية المدنيين أثناء عملياته. وطوال الخطة، أَدرجت اعتبارات العمل مع الحلفاء والشركاء في المعايير الجديدة، بما في ذلك إنشاء خطوط الأساس لتقييمات "الحلفاء والشركاء في إطار خطة العمل الخاصة بالتخفيف من الأضرار المدنية والاستجابة لها". وتحدد هذه الخطوط الأساسية تقييماً أولياً لجهود الشركاء أو الحلفاء في منع الأضرار المدنية قبل تصميم خطة تعاون أمني للمساعدة في تقليل المخاطر التي يتعرض لها المدنيون بشكل أكبر. وفي حين لم يتم الكشف علناً عن هذه الخطوط الأساسية للمملكة العربية السعودية، إلّا أن مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية أخطروا الكونغرس في كانون الأول/ديسمبر بصفقة تدريب قيمتها مليار دولار، مخصصة في الغالب للقوات الجوية الملكية السعودية، والتي ستشمل "موضوعات مثل تجنب الإصابات بين المدنيين؛ وقوانين النزاعات المسلحة؛ [و] حقوق الإنسان."

وعلى الرغم من الضغوط العلنية من الولايات المتحدة وبعض الخطابات النارية في الحملات الانتخابية، يبدو أن السعودية كانت راغبة على تعديل سلوكها وقادرة على ذلك مع حفاظها على علاقة وثيقة مع واشنطن. وعلى النقيض من دول أخرى في المنطقة، لم تعمل المملكة على تعميق علاقاتها الدفاعية بشكل كبير مع الصين أو روسيا، ولا تزال ترى الولايات المتحدة كخيارها الأساسي لشراكتها الأمنية. كما تظل الرياض مهتمة بشدة بالتوصل إلى اتفاقية تطبيع مع إسرائيل تعمّق العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة. وتؤكد هذه النقاط استعداد المملكة للحفاظ على توجهها الأمني الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، رغم الحظر المفروض على الأسلحة الهجومية. وفي هذه الحالة، سمح العاملان الحاسمان - العلاقات الدفاعية الطويلة الأمد للدولة المستفيدة مع الولايات المتحدة واصطفافها الاستراتيجي مع واشنطن - للولايات المتحدة باستخدام مبيعاتها من الأسلحة لتغيير سلوك شريك ما دون الإضرار بالعلاقة الإجمالية.

ماذا يعني ذلك

لا شك أن الديناميكية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية فريدة من نوعها. وقد منحت هذه الديناميكية الولايات المتحدة احتمالاً أكبر بأن يؤدي التلاعب في نقل الأسلحة إلى المملكة إلى إحداث تغيير إيجابي في سلوكها. ويعود ذلك بشكل كبير إلى اعتماد السعودية التاريخي على الولايات المتحدة في الحصول على الأسلحة والخدمات اللوجستية والدعم. وتعتمد العديد من المنصات العسكرية الأكثر تقدماً في السعودية على الأنظمة الأمريكية، سواء كانت طائرات مقاتلة من طراز "إف-15" أو أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي ("ثاد") و"باتريوت"، أو المروحيات القتالية. وتتطلب هذه الأنظمة برامج صيانة واستدامة وتدريب بالغة التعقيد تعتمد على استمرار الدعم الأمريكي لإبقائها في الخدمة. وزاد من تعقيد هذا الوضع أن دولاً أوروبية أخرى -  بما فيها تلك التي باعت للمملكة أيضاً قدرات متقدمة مثل الطائرات المقاتلة - انضمت إلى الولايات المتحدة في حظر مبيعات الأسلحة. وكانت الخيارات المتاحة أمام الرياض في بداية الحظر، إما تغيير سلوكها وتلبية متطلبات واشنطن أو إنفاق مبالغ هائلة لاقتناء قدرات بديلة من موردين آخرين قد يتمكنون أو لا يتمكنون من دمجها مع أسلحتها الحالية. وفي مواجهة هذا الاختيار، من الواضح أن الرياض اختارت الخيار الأول.

علاوة على ذلك، مالت الأولويات الاستراتيجية للمملكة لصالح واشنطن. وتستثمر المملكة بشكل كبير في التوصل إلى معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة كجزء من اتفاقية تطبيع أوسع نطاقاً تيسّرها الولايات المتحدة مع إسرائيل. وهذه الاتفاقية، وما يتبعها من ضمانات أمنية من واشنطن، تمثل أولوية قصوى للمملكة. وستشهد هذه الاتفاقية تعميق التعاون بين الولايات المتحدة والمملكة على عدة جبهات خارج نطاق الأمن، بما في ذلك التكنولوجيا النووية المدنية والذكاء الاصطناعي. وفي الواقع، أفادت التقارير أن الولايات المتحدة والسعودية كانتا على مقربة من "نسخة شبه نهائية" من الاتفاق في أيار/مايو 2024. ومن الواضح أن إعطاء القادة السعوديين الأولوية لاتفاقية تطبيع تيسّرها الولايات المتحدة مع إسرائيل زاد من نفوذ واشنطن فيما يتعلق بحظر الأسلحة الهجومية.

ولكن الولايات المتحدة لن تستفيد دائماً من هذه الديناميكية. وسيكون من الأصعب التأثير على دول أخرى من خلال مبيعات الأسلحة، وخاصة تلك التي تتمتع بالوسائل المالية، والعلاقات المتنوعة في مجال اقتناء الأسلحة، والتوجه الاستراتيجي الأكثر ميلاً إلى التحوط في علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين وروسيا. علاوة على ذلك، من المرجح أن تنظر دول الطرف الثالث في جميع أنحاء العالم إلى قرب العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية والحظر اللاحق على الأسلحة وتستخلص استنتاجاتها الخاصة بشأن موثوقية الولايات المتحدة كمزود للأسلحة. وفي وقت تتوق فيه الصين، على وجه الخصوص، إلى تصدير أسلحتها وتعزيز شراكاتها الأمنية في جميع أنحاء العالم، لا تستطيع الولايات المتحدة تحمّل اختبار كل واحدة من شراكاتها الأمنية بهذا النوع من التقلّبات.

الخاتمة

يشير مسؤولو إدارة بايدن بانتظام إلى أهمية تمكين المملكة العربية السعودية كقائد إقليمي، ليس فقط من أجل ما يعنيه ذلك للعلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، ولكن أيضاً لما يمكن أن تفعله المملكة من أجل مبادرات التكامل الإقليمي. إن هذه السياسة تتطلب بطبيعتها أن تمتلك الرياض القدرات التي تظهر بها هذا الدور القيادي، والحكمة الكافية لممارسته بمسؤولية. وفي النهاية، قررت كل من الولايات المتحدة والسعودية أن المثابرة خلال هذه الفترة المضطربة تستحق المكافآت التي تأتي مع تحقيق تقدم أكثر استدامة في الشراكة الاستراتيجية. وعلى وجه التحديد، نجح حظر الأسلحة الهجومية في هذه الحالة لأنه كان يستهدف تغيير سلوك معين - وفي هذه الحالة، إنهاء الحرب في اليمن ومنع وقوع المزيد من الضحايا المدنيين. ومن المرجح أن تجد الولايات المتحدة أن قدرتها على استخدام مبيعات الأسلحة كوسيلة ضغط في المستقبل ستكون محدودة عندما لا تتكرر هذه الظروف. ولكن، في هذه الحالة، يبدو أن حظر مبيعات الأسلحة الهجومية قد عمل لصالح واشنطن.