عبدالحافظ الصاوي \ البيت الخليجي للدراسات
منذ الإعلان عن فوزه بانتخابات الرئاسة الأميركية، يكرر الرئيس المنتخب دونالد ترامب تهديداته، مرة تجاه دول البريكس محذرًا من مغبة التفكير في عملة موحدة للتجمع أو استبدال الدولار بعملات أخرى، ومرة تجاه أوروبا وتذكيرها بإعادة التفكير بجدية في دفع كلفة الدفاع عنها، وهو الأمر الذي تشترك فيه دول الخليج العربية.
ومنذ ولايته الأولى، يؤكد الرئيس ترامب بصراحة ووضوح، أن الولايات المتحدة يجب أن لا تتحمل تكلفة الدفاع عن الآخرين. هذه المرة، يتضمن برنامج الرئيس الذي سيتولى السلطة في 20 يناير المقبل تخفيض الموازنة العامة لبلاده بنحو 30% أي بنحو 2 تريليون دولار، ومن ضمن الوكالات الفيدرالية والبنود المرشحة لهذا التخفيض، وزارة الدفاع والمنظمات الدولية.
ويجدر بنا التساؤل هذه المرة، عن أداء دول الخليج وما تفكر به تجاه توجهات ترامب في إدارة الأمور، وبخاصة قضية ما قد تضطر دول الخليج لتأمينه مه أموال مقابل الدفاع عنها وعن مصالحها في المنطقة، وهو ما حدث فعلاً في الفترة الرئاسية الأولى لترامب. وقتئذ، تعاملت وأدارت دول الخليج علاقاتها مع الرئيس ترامب فرادى.
لم يكن هناك تنسيق أو عمل خليجي مشترك فيما يتعلق باتفاقيات شراء السلاح أو البحث عن بدائل إن تخلى ترامب عن تأمين منطقة الخليج، ظن بعض قادة دول الخليج آنذاك، أن البديل لمشروع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، هو الاندفاع نحو مشروع التطبيع مع إسرائيل، وهو ما حدث نهاية العام 2020 حين وقعت دولتان خليجيتان اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل (الإمارات، البحرين)، ومنذ ذلك الحين، يكثر الحديث عن إمكانية دخول السعودية لمسار التطبيع مع إسرائيل، وأن تأخر الأمر بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية في غزة.
يواجه الرئيس ترامب تحديات كبيرة على الصعيد الاقتصادي داخل الولايات المتحدة جراء وعوده بتخفيض عجز الموازنة، والتزامه بتوفير فرص عمل تحافظ على معدل بطالة ما بين 3.5% – 4%، كذلك استعداده للدخول في حرب تجارية مع الصين وأوروبا مجددًا، وبالتأكيد، فإن دول الخليج بما لديها من فوائض مالية أي هدف محتمل.
هل ننتظر صفقات مليارية جديدة؟
في مايو 2017، وأثناء زيارة الرئيس ترامب للسعودية أعلن عن توقيع اتفاقيات بين واشنطن والرئياض بما يزيد عن 400 مليار دولار، تشمل التجارة والاستثمار والتعليم والطاقة، وقدرت الاتفاقيات الخاصة بالدفاع وحدها بنحو 110 مليار دولار.
وكان متوقعًا أن يستغرق تنفيذ هذه الاتفاقيات نحو 10 سنوات، أي بنهاية عام 2027، فهل تم الانتهاء من تلك الاتفاقيات؟ وهل سيراجع ترامب تنفيذها من عدمه ويكتفي بذلك، أم أنه شهيته ستكون مفتوحة لطلب المزيد؟
وفي إطار صفقات التسليح الأميركية لدول الخليج، كان ملف توريد الطائرة إف 35 مثيرًا للجدل منذ أن تم تعليق توريد هذه الطائرة للإمارات في 2021، وتبذل السعودية منذ أواخر عام 2023 جهودًا استثنائية لشراء هذه الطائرة، وهو ما لم يتحقق لها بعد.
قد يُقبل ترامب في ظل إدارته الجديدة على صفقة لتوريد الطائرة إف35، تجدر الإشارة هنا إلى أن إدارة الرئيس بايدن كانت تنظر للأمر وتمانع جراء اعتبارات تتعلق بالأمن القومي.
جدير بالذكر القول إن الإنفاق الخليجي على السلاح في عام 2023 قد تجاوز الـ 100 مليار دولار تقريبًا، وتأتي السعودية في المرتبة الأولى بإنفاق قيمته تصل إلى 75 مليار دولار، وقد لوحظ وجود حرص شديد على زيادة الإنفاق على التسليح لدى غالبية دول الخليج.
الوضع المالي للخليج
لا يزال النفط يٌمثل عصب الاقتصاديات الخليجية مهما تم الحديث عن التنوع في الموارد الاقتصادية وتحسن أداء القطاع الاقتصادي غير النفطي، دلالة ذلك أنه وعلى مدى الشهور التي شهدت تراجعًا في أسعار النفط في السوق الدولية من هذا العام 2024، فإن ذلك التراجع ألقى بظلاله على ميزانيات دول الخليج.
عرضت السعودية ميزانيتها لعام 2025 بإعتماد عجز مالي بنحو 115 مليار ريال سعودي (قرابة 30 مليار دولار) وتعاني الكويت عجزًا في ميزانياته بنحو 18 مليار دولار للعام المالي 2024/2025، وإن كانت الكويت تستطيع تحقيق سعر التعادل في الميزانية عند سعر 45 دولار لبرميل النفط لكن هذا العجز هو ناتج عن سوء إدارة مالية الدولة خلال السنوات الماضية.
بشكل عام، تأخذ ميزانيات دول الخليج لعام 2025 في الاعتبار تراجع أسعار النفط، وتتحوط في حساباتها على هذا الأساس. تشير تقديرات أوبك إلى انتهاء عام 2024 على متوسط سعر قدره 81 دولار للبرميل، وهو سعر غير مناسب لكل من السعودية والبحرين وسلطنة عمان، كما أنه سيودي إلى تراجع الفوائض بميزانيات قطر والكويت والإمارات.
من المناسب أن نجري مقارنة للوضع المالي لدول الخليج، إبان فترة تولي ترامب السلطة خلال 2017- 2020، والآن في العام 2024، وذلك من خلال البيانات الخاصة بأرصدة الأصول المالية للصناديق السيادية لدول الخليج.
بلغت أرصدة الصناديق السيادية الخليجية، في عام 2018 ما قيمته 2569 مليار دولار وقفزت في عام 2024 إلى 3675 مليار دولار، بزيادة مقدارها 1106 مليار دولار. ويعود هذا التراكم الرأسمالي، إلى ما شهدته السوق الدولية للبترول من زيادة الأسعار، وبخاصة بعد فبراير 2022 بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
الملاءة المالية التي تبدو واضحة وتعكسها الأرقام أعلاه قد تغري الرئيس ترامب للاستفادة من هذه الثروات الخليجية خلال ولايته القادمة، سواء بسبب متطلبات الحماية الأمنية أو الدخول في شراكات اقتصادية ومالية، رغم ذلك، وعلى مدى الأشهر الأخيرة تتراجع أسعار النفط بشكل ملحوظ، وخلال شهري نوفمبر وديسمبر 2024، توقفت أسعار النفط للخام الأميركي عند 68 دولار للبرميل و73 دولار للبرميل من خام برنت.
هناك توقعات في حال تحقيق ترامب وعده بإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، أن ينخفض سعر النفط إلى مستوى 50 دولار للبرميل، ولهذا السيناريو تأثيره الكبير على اقتصاديات الخليج ووضعها المالي، ما سيجعلها تتجه دون تفكير إلى أرصدة تلك الصناديق السيادية للوفاء باحتياجاتها المالية، وهو ما حدث في الفترة من منتصف 2014 وحتى نهاية 2017. في هذه الحالة، لن يكون في مقدور الرئيس ترامب الاستفادة كثيرًا من ثروات الخليج نظرًا لتراجع التدفقات الدولارية لهذه الدول.
من المتوقع أن يحث ترامب دول الخليج على إعادة النظر وخفض وتيرة تعاونها الاقتصادي مع الصين، وهو أمر وارد وورقة ضغط من الممكن أن يفكر فيها الرئيس في إدارة معركته القادمة مع الصين، تلك المعركة التي ينتظر لها أن تدار في إطار اقتصادي وتكنولوجي بشكل كبير.