في 2025/03/11
طه العاني - الخليج أونلاين\
في ظل التوترات الإقليمية والضغوط الدولية يجد العراق نفسه أمام تحدٍّ جديد لتأمين احتياجاته من الغاز، خاصة مع تزايد الحديث عن احتمالية إنهاء الإعفاءات الأمريكية على واردات الغاز الإيراني.
وبينما تسعى بغداد لتجنب أزمة طاقة قد تؤثر على المنظومة الكهربائية، خاصة في فصل الصيف القادم، تبرز دول الخليج كأحد البدائل المطروحة ضمن خطط الحكومة لتنويع مصادر استيراد الغاز وضمان استقرار الإمدادات.
سيناريوهات بديلة
ورغم تأكيد المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، بأن الجانب الأمريكي لم يُبلغ العراق رسمياً بإنهاء الإعفاءات على الغاز الإيراني المستورد، فإنه أكّد وضع الحكومة العراقية جميع السيناريوهات لمواجهة أي تطورات تتعلق باستيراد الغاز الإيراني.
وجاءت تصريحات العوادي خلال استضافته في برنامج (واجب الصراحة) الذي بثته قناة العراقية الإخبارية، في 8 مارس الجاري، حيث أوضح أن العراق يستورد حالياً من إيران 50 مليون قدم مكعب، تشكل ثلث إنتاج الطاقة الإيرانية، مضيفاً أن الحكومة تدرس بدائل عدة في حال عدم تجديد الإعفاءات بينها البديل الخليجي.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن العوادي تأكيده أن رئيس الوزراء العراقي أجرى محادثات مع نظيره التركمانستاني، وأن تأخير وصول الغاز التركمانستاني يعود إلى مشكلات تتعلق بالشركة الوسيطة، إلا أنه رجّح تحلحل الملف خلال الشهرين المقبلين، وستكون هناك نتيجة واضحة لاستيراد 20 مليون قدم مكعب قياسي يومياً (مقمق) عبر الأنبوب الإيراني.
كما لفت العوادي إلى أن الخيار الآخر الذي تبحثه الحكومة هو اللجوء إلى استيراد الغاز من دول الخليج عبر منصات الغاز، التي تتضمن سفناً عائمة تربط بأنابيب خاصة متصلة بالمحطات الكهربائية في محافظة البصرة، كخطة بديلة لتأمين احتياجات العراق من الطاقة.
يشار إلى أن وزارة الكهرباء العراقية كانت قد أعلنت، في يونيو 2023، وجود مباحثات مع الجانب القطري تتعلق بتوريد الغاز وتأهيل الحقول وتبادل الخبرات.
وفي شهر يوليو من العام ذاته، كشف وزير الكهرباء العراقي زياد علي عن تشكيل وفدين أحدهما لزيارة دولة قطر من أجل بحث إمكانية شراء الغاز، والآخر لزيارة تركمانستان للغرض نفسه؛ بغية الاكتفاء من الوقود لتشغيل المحطات.
بديل أمثل وعقبات
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد صدام أن الغاز الخليجي، وتحديداً القطري، أصبح البديل الأمثل للعراق في الوقت الحالي، بعد قرار واشنطن وقف إعفاءات استيراد الغاز من إيران.
ويؤكد لـ"الخليج أونلاين" أن قطر هي الخيار الأفضل؛ لكونها منتجاً ومصدراً رئيساً للغاز الطبيعي، وقادرة على سد العجز في الغاز داخل العراق بشكل مستمر.
ويشير صدام إلى أن أبرز العقبات الحالية تتمثل في عدم وجود محطات استقبال الغاز ومعالجته في السواحل العراقية، إذ تصدر قطر الغاز السائل، ويحتاج عند وصوله إلى العراق إلى محطات استقبال الغاز لتقوم بما يسمى بـ "إعادة التغويز"، أي إعادته إلى صورته الغازية، حتى يحول من هذه المحطات عبر الأنابيب إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية.
وتابع: "هذه المرافق غير موجودة، وتشكل حالياً عائقاً كبيراً لتعويض النقص بعد وقف استيراد الغاز الإيراني، ويحتاج إنشاؤها من سنتين إلى ثلاث سنوات".
ويعتقد صدام أن تفاهمات مسبقة بين العراق وقطر بدأت قبل سنتين، لكنها لم تتحول إلى عقود حقيقية، بيد أن العلاقات الجيدة بين البلدين يمكن أن تترجم هذه التفاهمات إلى عقود حقيقية.
ويوضح صدام أنه إذا حصل العراق على 40 مليون متر مكعب قياسي يومياً من الغاز القطري، فإن ذلك يعني انخفاض مستوى مخاطر انهيار منظومة الكهرباء في العراق، لأن الحصة المستوردة سوف تسد الكمية نفسها التي كانت تستورد سابقاً من إيران.
ويلفت إلى أن الكمية المذكورة تبقى مرهونة بمدى الطاقة الاستيعابية لمحطة استقبال ومعالجة الغاز التي ستنشئها وزارة النفط في البصرة، وبمدى سرعة إنجاز هذا المشروع.
ويختتم صدام بالقول إنه في كل الأحوال والظروف سيكون هذا الصيف قاسياً في العراق، بسبب عدم وجود مرونة كافية لتوفير البديل المذكور خلال أشهر قليلة.
استعدادات ميدانية
وفي إطار الاستعدادات اللازمة لتفعيل البدائل أعلن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، خططه لنقل الغاز المستخدم لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، وذلك خلال الاجتماع الدوري الخاص بمتابعة تنفيذ مشاريع القطاع النفطي، الذي ترأسه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وذكر المكتب الإعلامي، في 9 مارس الجاري، أن الاجتماع تطرق إلى خطة الحكومة لمد أنبوب غاز جديد لنقل الغاز داخل البلاد، بطول 40 كم، بهدف إيصاله إلى محطات التوليد لتعمل بكامل طاقتها خلال فصل الصيف.
كما استعرض وزير النفط خلال الاجتماع خطة الوزارة لتزويد محطات الكهرباء بالوقود، من ذلك بحث آليات العمل على المنصات العائمة والمتحركة لاستيراد الغاز، والتعجيل في استكمال الخط الناقل للغاز من محطات توليد الطاقة في البصرة إلى المنصة المتحركة، إضافة إلى توقيع العقود المقدمة من الشركات المعنية لإنجاز المنصة بأسرع وقت ممكن.
وتؤشر مناقشات الحكومة العراقية للإسراع في استكمال منصات الغاز العائمة، وربطها بمحطات توليد الطاقة في البصرة، إلى جدّية واضحة في إمكانية اعتماد الغاز الخليجي كبديل طارئ لأي انقطاع محتمل للإمدادات الإيرانية.
وتناول الاجتماع أيضاً الجوانب الفنية المتعلقة باستيراد الوقود، من حيث كمية زيت الغاز المطلوبة، والتكاليف المالية، والمخازن، بما يضمن استعداد العراق للاستفادة من الغاز المستورد، في إطار السعي لتأمين مصادر طاقة بديلة تحسباً لأي تطورات مستقبلية.
وكان وزير النفط العراقي حيان عبد الغني قد أعلن، في أكتوبر 2023، تفعيل عقود طاقة مع شركة "نفط الهلال" الإماراتية لتطوير ثلاثة حقول للنفط والغاز في العراق، لمدة 20 عاماً، وسط توقعات بأن تبدأ بإنتاج 400 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الطبيعي يومياً، بحلول منتصف 2025.
ونوّه عبد الغني بأنّ "تفعيل هذه العقود سيمنع حرق الغاز، وسوف يستخدم الغاز المستثمر في توليد الطاقة الكهربائية".
ضغوط أمريكية
وتواصل الولايات المتحدة الضغط على العراق لإنهاء اعتماده على الغاز الإيراني، مؤكدة مراجعة الإعفاءات من العقوبات التي تسمح لبغداد بدفع مستحقات الطاقة لطهران، في خطوة تهدف إلى تقليص الدعم الاقتصادي لإيران وتسريع جهود العراق لتحقيق استقلاله في مجال الطاقة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس، في 6 مارس الجاري، إن الولايات المتحدة تراجع جميع الإعفاءات القائمة من العقوبات التي توفر لإيران أي قدر من الدعم الاقتصادي، مشددة على ضرورة إنهاء اعتماد العراق على مصادر الطاقة الإيرانية في أسرع وقت ممكن.
وفي ردها على سؤال حول ما إذا كان الإعفاء من العقوبات الذي يسمح للعراق بدفع ثمن الكهرباء المستوردة من إيران سيجدد، أوضحت بروس: "ليس لدينا ما نعلنه فيما يتعلق بالإعفاء الحالي من الكهرباء الذي ينتهي في الثامن من مارس.. نراجع جميع الإعفاءات الحالية من العقوبات التي توفر لإيران أي قدر من الدعم الاقتصادي أو المالي".
وأضافت بروس، في أول إفادة لها خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب: "نحث الحكومة العراقية على إنهاء اعتمادها على مصادر الطاقة الإيرانية في أقرب وقت ممكن، ونرحب بالتزام رئيس الوزراء العراقي بتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة".
وكان من المقرر أن تنتهي صلاحية الإعفاءات الأخيرة من العقوبات الأمريكية، التي منحتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، في 7 مارس 2025، أي بعد مرور 120 يوماً على سريانها.
وأشارت بروس إلى أن إدارة ترامب قد ألمحت إلى نيتها عدم تجديد هذه الإعفاءات مرة أخرى، وفقاً لما ورد في المذكرة الرئاسية للأمن القومي الصادرة في 4 فبراير 2025، التي أكدت سياسة الضغط القصوى على إيران.
من جانبها حذرت وزارة الكهرباء العراقية من أن البلاد تحتاج إلى نحو 50 ألف ميغاواط لسد حاجتها من الطاقة خلال فصل الصيف، مع توقعات بأن تواجه المنظومة الكهربائية العراقية صعوبات إضافية إذا توقفت إمدادات الغاز الإيراني، التي توفر نحو 40% من إنتاج العراق الحالي من الكهرباء.